واشنطن


أصيبت النائبة الديمقراطية في الكونغرس الأمريكي، غابرييل غيفورْدْس، يوم السبت، 8/،1 بجروح خطرة عندما أطلق مسلح النار عليها خارج متجر، وهي بين عدد من ناخبيها . . وقد أصاب المسلح 17 شخصاً، توُفّي منهم ستة، بينهم أحد القضاة، وطفلة في التاسعة من عمرها .

وقد هزّ الحادث المجتمع الأمريكي، وتناوله عدد كبير من المحللين والمعلقين الذين أجمعوا على إدانة الخطاب المتّقد الذي يسود الوسطين السياسي والإعلامي في الولايات المتحدة، وإن لم يُجمعوا على أن الحادث نتيجة مباشرة لذلك الخطاب . .

في مجلة ldquo;تايمrdquo; (24/1/2011)، كتب مدير تحريرها، ريتشارد ستينغل: على مدى الأسبوع الماضي، حاول الأمريكيون أن يدركوا معنى عمل عنف لا معنى له . وقد أثار هذا العمل نقاشاً حول دور الخطاب السياسي، والبنادق والمرض العقلي في المجتمع، وهذا هو ما ينبغي أن يحدث . ولكن هذا النقاش سرعان ما وقع أسيراً لقوالب متوقعة: اليسار يلوم اليمين على الخطاب المثير، واليمين يلوم اليسار على استهدافه ظلماً . وقد غدا حادث مدينة توكسون في أريزونا، وكأنه اختبار رورشاخ النفسي، لتحديد موقعِ كل على الطيف السياسي، في ما يخص حرية التعبير، وحق حمل الأسلحة .

يتابع الكاتب قائلاً: لا نعرف ما إذا كانت اللغة المتقدة أو الصّور المثيرة يمكن أن تحرض المرضى عقلياً على أعمال العنف، يبدو ذلك غير مرجح . ولكن حين نَصِمُ خصومنا السياسيين بالشرّ بدلاً من وصم وجهات نظرهم، فإننا نتجاوز حدود الخطاب المرغوب، على الرغم من أن فعل ذلك مسموح به بموجب التعديل الأول للدستور . فالدستور الأمريكي يبيح الكلام العنيف، ولكنه يمقت العنف . كما أنّ مجرّد امتلاك المرء حق قول شيء ما، لا يعني أن عليه أن يقوله . وجاء في تحليل لوكالة رويترز للأنباء، (11/1): على الرغم من أن الدافع وراء الهجوم غير واضح، فإن الساسة والمعلقين قالوا إن الجوّ الذي تشيع فيه اللغة الحادة والفرز العقائدي قد يكون أسهم في ذلك .

وحذّر الرئيس الأمريكي الأسبق، بيل كلنتون قائلاً إن المسؤولين الحكوميين ينبغي عليهم أن يتوخوا الحذر في اللغة التي يستخدمونها، لأنها تبلغ أسماع المشوشين والأسوياء على حدّ سواء .

وكتبت صحيفة ldquo;نيويورك تايمزrdquo; (8/1/2011)، إن الحادث أثار أسئلة حول احتمال وجود دوافع سياسية، وإن عمدة مقاطعة بيما التي وقع فيها الحادث، أنحى باللائمة على البيئة السياسية المسمومة في أريزونا . وتضيف الصحيفة أنه كان للحدث أصداء واسعة في البلاد، حيث أدان الديمقراطيون الجوّ الحزبي الشديد التعصب في منطقة غيفوردس الانتخابية، كما سارع جمهوريون كبار إلى إدانة العنف .

وتقول الصحيفة، إن غيفوردس التي تمثل المنطقة الثامنة في الزاوية الجنوبية الشرقية من أريزونا، مشهورة بانتقادها لقانون الهجرة الصارم في الولاية الذي يركز على تحديد هويات المهاجرين غير الشرعيين، وفق أصولهم العرقية، ومحاكمتهم وإبعادهم . . كما كانت النائبة الجريحة قد تعرضت للانتقاد لتصويتها لمصلحة قانون الرعاية الصحية .

وتذكر الصحيفة أن غيفوردس، كانت قد تلقت تهديدات خلال السنوات السابقة . كما كان القاضي القتيل منخرطاً في بحث قضايا تتعلق بالهجرة، وسبق له أنْ تلقى تهديدات بالقتل .

في موقع ldquo;أمريكا أون لاينrdquo; (10/1/2011)، كتب البروفيسور ستانلي باران، أستاذ التواصل في جامعة برايانت الأمريكية . . يتأمل الأمريكيون الآن ما إذا كان الأسلوب الغاضب الذي يتواصلون في ما بينهم - على شاشات التلفزيون وعبر أمواج الإذاعة وفي الحوارات على الهواء وفي التجمعات العامة- يمثل تحولاً ثقافياً يحمل في طياته عواقب خطرة . وقد احتل هذا النقاش اليوم صدر صفحات الصحف ووسائل الإعلام، في غمار سعي الخبراء إلى سَبْر العلاقة بين هذا الخطاب الملتهب، والدوافع الكامنة وراء حادث القتل الجماعي الذي وقع في أريزونا مؤخراً .

فمِن المؤكد أن الخطاب المنطقي كان إحدى خسائرنا في وقتنا الراهن، بعد أنْ حلّت محله لهجة عدم الاحترام، والغضب السافر، المتفشية في كل مكان .

ويمضي الكاتب قائلاً: من أسلوب الإهانات التي نشاهدها تتطاير عبر عروض تلفزيون ldquo;الواقعrdquo;، إلى الطريقة المهينة والمؤذية أحياناً التي يتحدث الناس بها بعضهم مع بعض في اللقاءات العامة، وأثناء الأحداث الرياضية وعلى أمواج الأثير، نلمس التغيّر الذي طرأ على الطريقة التي يتعامل بها بعضنا مع بعضنا الآخر .

ويقول الكاتب، إن الخطاب الناري الذي يهيمن على ما نشاهد، ونسمع، وأحياناً ما يقول بعضنا للبعض الآخر، يدل على أن العديد من الأمريكيين، فقدوا مقدرتهم على الدخول في حوار علني ذي معنى .

وكتبت صحيفة ldquo;كريستيان ساينس مونيتورrdquo; (11/1/2011)، إن حادث إطلاق النار في أريزونا، أثار الدعوات في أروقة الكونغرس، إلى التخفيف من حدة الخطاب العنيف . ولكن الأمر يحتاج إلى أكثر من ذلك لتغيير ثقافة الحديث الفظّ المتداول في الوسط السياسي .

وتقول الصحيفة، إن دافع إطلاق النار الجماعي في توكسون غير واضح، ولكن ذلك لم يمنع التفكير في معرفة الملوم على حدوثه، وفي كيفية تجنب مثل هذه المأساة في المستقبل .

وكتبت صحيفة ldquo;كنساس سيتي ستارrdquo; (10/1/2011)، ضمن افتتاحية لها، إنه ما مِن سبيل الآن إلى إثبات أو نفي تأثّر مُطلق النار بالخطاب السياسي المتقد المتفشي على نحو مثير للقلق في أريزونا وفي أرجاء البلاد كلها . ولكننا نعلم أن غيفوردس، النائبة الديمقراطية المعتدلة، كانت منزعجة من الجو السياسي المشحون . ففي الليلة السابقة لإطلاق النار عليها، كتبت رسالة إلكترونية إلى صديقة لها تم التعاقد معها في الآونة الأخيرة لشغل منصب في جامعة هارفارد .

وكتبت غيفوردس في تلك الرسالة: ldquo;بعد أن تستقري في منصبك، أودّ أن نتحدث عما يمكن أن نفعله لتعزيز الاعتدال والوسطية . . فأنا واحدة من 12 ديمقراطياً بقوا في منطقةٍ أصبحت جمهورية (وأنا المرأة الوحيدة)، وأعتقد أن علينا أن نجد طريقة للتخفيف من غلواء خطابنا وتحيزنا الحزبيrdquo; .

وتمضي الصحيفة قائلة: إننا أمة متشبثة برأيها، معتادة التذمّر وإثارة الصخب، ولا سبيل إلى كبت الخطاب الناري . ولكن الحقد على الحكومة الاتحادية، والاتهامات الباطلة، وإطلاق الشائعات والافتراءات على الناس في السلطة، لا ينبغي أن تلقى التشجيع من زعماء الأمة أو المروّجين لحملاتهم الانتخابية .

وتشير الدلائل - كما تقول الصحيفة - إلى أن المأساة الجماعية كان لها أثر منبّه في واشنطن، على الأقل مؤقتاً . فقد تعهد زعماء كلا الحزبين بإجراء المزيد من النقاش، واتخاذ ردّ فعل موحد غير متحيز لحزب واحد، في بعض القضايا على الأقل . وتقول الصحيفة: ذلك أفضل شيء يستطيع زعماء الأمة فعله لتكريم زميلة جريحة . ولكن الأمر لم يكن بحاجة إلى وقوع كارثة كهذه، لتخفيف حدّة النبرة المتطرفة .