عبدالله العوضي

في بعض أنحاء من العالم، أنظمة تقتات وتعتاش على مفهوم quot;البولسةquot; في كل جزئيات حراكها نحو مواطنيها المشغولين أكثر من ساعات اليوم بلقمة العيش، وخاصة أن ضغوط الحياة لم تترك لهم فرصة للتفكير في الانقلاب على تلك الأنظمة أو حتى الالتفات إلى ما تفتعل من مشاكل تصطاد من خلالها من تظن أنهم ضد توجهاتها وسياساتها العابرة من الأجساد والقابعة في أفكار من تريد التخلص منهم ولو عن طريق تهمة ملفقة أو شبهة تتحول فجأة إلى جريمة تبرز على الصفحات الأولى من الصحف الصفراء التي تكثر في بعض المجتمعات على حساب البناء الممكن لدحر المتوقع عبر جهاز quot;البولسةquot; والموزعة أعينها على المستضعفين من عباد الله الكادحين والأشقياء بلقمة يصعب بلعها لأنها مراقبة طوال عملية الهضم فيفضل البعض استفراغها بدل انتقالها من البلعوم إلى الحلقوم لتغدو زقوماً لا يطاق.

بعض المواصفات الغريبة لتلك الأنظمة المخيفة أنها تحاسب الفرد على السلب والإيجاب، أي من يقول لها نعم بملء فمه ومن يجرؤ على الـquot;لاquot; أو آخر يفضل الصمت الأبدي لأنه لا يأمن أن يذهب غيلة بين quot;النعم واللاءquot; فالساكت الذي لا ينتمي إلى فصيلة الشيطان الأخرس يفضل الهجرة الدائمة أو المؤقتة من أوطان تلك الأنظمة quot;المبولسةquot; ثم العودة إليها على مضض خشية الإملاق المقصود.


يقول أحد quot;الهامسينquot; جهراً في إحدى وسائل الإعلام الغربية وهو ممن ذاقوا الأمرّين عن سلوك quot;الصمتquot; المدقع، إنه كان يتحايل الهروب من الوطن خشية الإمساك به تحت مسمى جريمة quot;الخرسquot; ولو أخرج لسانه لقطع من خلاف قبل أن يرتد إليه طرفه.

قد يظن البعض بأن هذه صورة من وحي الخيال أو فيها من المبالغة الأدبية، على رغم أن هذه الأنظمة ليست حكراً على عالم العُرب بل هي مبثوثة في ثنايا القارات الخمس كلاً حسب مقاسه وهي كذلك لا زالت بعيدة بعد المشرقين والمغربين عن مشاريع الدمقرطة التي تحوم حول الشرق الأوسط من الحجم الكبير.

سمعنا عن عزم الرئيس الفنزويلي تحويل كل أفراد الشعب إلى جواسيس بالمجان لصالح النظام ومن يرفض ذلك منهم فإنه سوف يدفع الثمن عبر المحاكمات التي تنصب له بتهمة التقصير في أداء واجباته نحو الوطن الذي فرض عليه الرضا القهري بتحويله إلى عين خائنة لكل المبادئ والأخلاقيات العامة لصالح النظام quot;المبولسquot;.

هُناك العشرات من المنظمات غير الرسمية التي تنبش عن قبور هؤلاء الذين رفضوا quot;التبلوسquot; وفق منظور تلك الأنظمة وتنشر التقارير تلو الأخرى لوصم هذه الحالة بأقوى الألفاظ نكراناً وتنديداً، إلا أن الواقع ينم عما هو أفظع مما يذكر في التقارير الدورية لمنظمات الدفاع الاجتماعي في العالم المتقدم والحر.

وانخداع البعض لجزئيات من الانفراجات السياسية في حياة تلك الأنظمة يلقي عبئاً إضافيّاً على تلك الشعوب التي تتذوق الويلات والإهانات على مدار الوجبات الثلاث التي تطوق ظهرها وتقوسها، لأنها إذا قامت لعمودها الفقري قائمة فإن السياط غير المرئية كفيلة بانحنائه إلى الأبد، فهل وعت ذلك المنظمات التي تدافع عن حقوق الإنسان أين ما كان؟!