إبراهيم البحراوي

أشعر ككاتب مصري في صحيفة quot;الاتحادquot; منبر الانتماء العربي وصوت الرؤية الموضوعية المتزنة الحريصة على الصالح العربي، أنه من الواجب أن أطمئن قرائي في دولة الإمارات الشقيقة وفي سائر الأقطار العربية على الأوضاع في مصر، في ضوء الأخبار الواردة حول المظاهرات. إن الشعارات التي أطلقها الشباب الذين خرجوا في المظاهرة الكبرى يوم الثلاثاء الماضي هي في جوهرها ذات طابع اقتصادي اجتماعي، حيث تركزت على محاربة البطالة والغلاء وضعف الخدمات والأجور ومكافحة الفساد، وكان واضحاً من هيئة المتظاهرين أنهم من الشباب المتعلم الذي لا يجد وظائف على الإطلاق، أو أنه يجد وظائف بأجور ضعيفة لا تفي بحاجات المعيشة.

من المعروف أن هؤلاء المتظاهرين قد تعارفوا على شبكة الإنترنت، فهم ليسوا منتمين لأي تنظيم سياسي أو لأي حزب من الأحزاب، وهي حقيقة أكدها جميع المراقبين. من طبائع الأمور أن تحاول القوى السياسية استغلال هذا التحرك التلقائي المبرأ من الأهداف أو الأجندات السياسية ذات الطابع الأيديولوجي، وهو ما حدث بالفعل عندما حاولت بعض أحزاب المعارضة بعد عصر ذلك اليوم إيهام الناس أنها قائدة المظاهرات، فأصدرت بياناً يتضمن مطالب سياسية. لقد استضافت برامج الحوارات (التوك شو) ممثلين لهذه الأحزاب وواجهتهم بالحقيقة، فاعترفوا أن المظاهرات تلقائية، وأنهم كانوا مجرد مشاركين فيها. في صباح الثلاثاء المذكور صدرت صحيفة quot;المصري اليومquot; تحمل مقالي الأسبوعي الذي جاء عنوانه: quot;ثورة مبارك البيضاء المطلوبة... الأهداف والنتائجquot;. في المقال سجلت وجهة نظري الرافضة لمنطق بعض الكتاب الرسميين الذين يقولون رداً على كُتاب المعارضة إن كل شيء في منتهى الكمال وأنه لا ضرورة للقلق من احتمال تكرار أحداث تونس في مصر، وفي السياق ذاته عبرت عن رفضي لمنطق من يدعون للتظاهر خشية مني على مصر من الآثار المدمرة التي قد تترتب على هذه الدعوة. وفي المقال أعلنت أنني أختار طريقاً ثالثاً بعيداً عن منطق الجمود الخطر وعن منطق التظاهر المدمر وهو طريق مطالبة الرئيس بتجديد اندفاع عملية الإصلاح الشامل التي بدأت مع تكوين أمانة السياسات بالحزب الوطني عام 2002. لقد أوضحت أنني لبيت الدعوة للانضمام الى لجنة مصر والعالم بهذه الأمانة مع مئات الأكاديميين والسفراء والصحفيين ورجال الأعمال، مشيراً الى الأفكار الإصلاحية المهمة التي قدمناها في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهي أفكار قابلة للتطبيق وقادرة على دفع الأمور الى آفاق التقدم للوطن والرفاهية للمواطن.

إنني أتوقع استجابة جارفة تشحن عملية الإصلاح الشامل بقوة اندفاع جديدة، أما على الصعيد العربي، فلقد أسعدني في ذلك الاتصال الهاتفي الذي أجراه العاهل البحريني مع الرئيس مبارك، فقد أكد ملك البحرين أن استقرار مصر هو استقرار لكل الدول العربية، وأشار الى أهمية التنسيق لعقد اجتماع عربي لتدارس مستقبل الأمة العربية بما يحقق مصلحة الشعوب وأمنها واستقرارها. هذا الإحساس بالتضامن العربي يعكس وحدة الخريطة السياسية العربية وترابطها، وهو أمر يدعوني الى تقدير خطة التنمية العربية التي وضعتها القمة الاقتصادية العربية في شرم الشيخ مؤخراً والمطالبة بضرورة التعجيل بإنشاء منطقة رخاء عربي تعمل على دفع الاستثمارات العربية في شرايين الاقتصادات العربية بما يعود بالأرباح على المستثمرين العرب، وينعكس على الدول ذات الكثافة السكانية المرتفعة بتنشيط اقتصاداتها وتوفير فرص العمل.

إن أسباب اطمئناني للمستقبل تتلخص في وعي قيادات الأمة بأهمية عنصر اقتصاد الرخاء للمواطن لمفهوم الأمن القومي على مستوى القُطر الواحد، وعلى مستوى الأمة ككل بكافة أقطارها، ذلك أن تعريف مفهوم الأمن القومي باعتباره دالاً على سلامة حدود القُطر من الأخطار الخارجية هو في تقديري مفهوم قاصر، فالمفهوم الشامل للأمن القومي يجب أن يضيف الى هذا البُعد بعداً داخلياً وهو بُعد التماسك الاجتماعي والتوافق بين القادة والمواطنين على توفير فرص الحياة الكريمة والخدمات التعليمية والصحية والسكنية ذات الكفاءة لكافة المواطنين. هكذا يكتمل الأمن القومي لكل قُطر ولكافة أقطارنا معاً.