شملان يوسف العيسى
نجاح الثورات العربية الشبابية، فتح المجال للتعددية الحزبية حتى وصل عدد الأحزاب السياسية في تونس مثلاً إلى حوالي المئة حزب. هذه الأحزاب بعضها جديد وبعضها الآخر قديم، ومن أهمها حركات الإسلام السياسي التي استحوذت على قطاع كبير في الشارع، في كل من مصر وتونس، استعداداً للانتخابات القادمة، في نهاية الشهر الجاري في تونس، والشهر القادم في مصر.
شباب الحركات والثورات العربية عندما اندلعت ثوراتهم لم يحملوا أي هوية سياسية معينة... بل كانت حركتهم عفوية شبابية تضم كل ألوان الطيف السياسي، وكانت أهدافهم ومطالبهم محدودة ومعروفة، وهي الدعوة إلى حرية التعبير والديمقراطية واستعادة الكرامة الإنسانية، بمعنى أنها ثورات غير مؤدلجة انحصرت مطالبها في تغيير النظام السياسي لا في تطبيق الشريعة.
جماعات الإسلام السياسي التي شاركت في الانتفاضات العربية متأخرة، استطاعت وبسرعة فائقة الهيمنة على الشارع لخبرتها الطويلة في العمل السياسي ولامتلاكها تنظيمات ولضعف خصومها من التيارات القومية والليبرالية المعارضة الأخرى.
لكن ما هي المخاوف من تولي الإسلام السياسي السلطة؟ مخاوف القوى السياسية الأخرى تنبع من حقيقة أن مواقف قوى الإسلام السياسي من الديمقراطية والتعددية والحرية غير واضحة، فـquot;الأخوان المسلمونquot; كحركة سياسية، سواء أكانوا في مصر أو سوريا أو تونس أو الأردن أو الكويت أو المغرب... يرددون شعاراً بأنهم ضد الدولة الدينية ويؤيدون فكرة الدولة المدنية، ويدعمونها... لكن مفهومهم للدولة المدنية يختلف عما هو معروف ومعلن، وما يعنونه بالدولة المدنية هو الدولة الملتزمة بأحكام الشريعة الإسلامية. المعارضة السورية الإسلامية، رغم شدة القمع والقتل الذي تتعرض له كل طوائف المجتمع السوري، اتخذت موقفاً غامضاً من الدولة المدنية التي شعارها quot;الدين لله والوطن للجميعquot;. وقد تبلور ذلك خلال مؤتمر المعارضة في تركيا مؤخراً.
هل يمكن الوثوق بحركات الإسلام السياسي في حالة وصولها للسلطة عن طريق الانتخابات؟ من الصعب الجزم بالموضوع، لكن الأمر المؤكد أن هذه الجماعات، خصوصاً quot;الإخوان المسلمينquot;، لديهم توجه مصلحي، إذ عندهم أن الغاية تبرر الوسيلة، فهم لا يلتزمون بالأيديولوجية الإسلامية، والوسيلة الأفضل لوصولهم للسلطة هي تبني شعارات إسلامية معتدلة وتجديد الخطاب السياسي والاجتماعي وتبني شعارات مدنية، مستفيدين من تجربة تركيا العلمانية وحزب quot;العدالة والتنميةquot; الذي أوصل الإسلاميين للسلطة. quot;الإخوانquot; يرفضون فكرة علمانية الدولة، لكنهم لا يترددون في استعمال شعارات الدولة المدنية لخداع الناس والوصول إلى السلطة.
الكاتب شاكر النابلسي، كتب مقالاً في quot;الجريدةquot; الكويتية حول تحديات الدولة الدينية في العصر الحديث، أكد فيه أن العودة للمطالبة بدولة دينية في العالم العربي الآن، خطأ فادح. لقد كان بالإمكان قيام دولة دينية بعد الحرب العالمية الأولى مباشرة، حيث كان المجتمع الدولي شبه مهيأ لقيام دولة دينية إسلامية بعد سقوط الدولة العثمانية.
لا يمكن لجماعات الإسلام السياسي فرض مفاهيمها الدينية، لأن العالم الحديث يتجه نحو الحرية والديمقراطية والتعددية الفكرية والدينية، واحترام الإنسان، ولا يمكن لنا كمجتمعات وكدول العودة إلى quot;دولة الاستبداد الشرقيquot; في القرن الحادي والعشرين.
التعليقات