هيفاء زعيتر

laquo;هل يعني موت الديكتاتور حقاً غداً أفضل؟... اسألوا العراقيين لتعرفوا كيف يموت عشرات الآلاف غارقين بدمائهم حتى بعد سقوط رمز الظلم، وكيف تكتشفون بعد سنوات أن الديكتاتور لم يكن شخصاً وأن الظلم لا يلبس وجهاً واحداًraquo;.. ليس شعراً أو مبالغة ما كتبه جيمس ليندسي من laquo;مجلس العلاقات الخارجيةraquo; تحت عنوان laquo;القذافي مات..وتحديات ليبيا باقيةraquo;، إذ يشي كل ما تناقلته الأقلام الغربية إثر مقتل القذافي بأيام سوداء مقبلة على ليبيا ما لم يكن الليبيون على قدر ما تحمله لهم من تحديات داخلية وخارجية.
وفيما احتفل الليبيون بمقتل laquo;طاغيتهمraquo; حتى الثمالة، احتفل الغربيون بالتخلص منه كل حسب أجندته، حتى أن بعضهم ذهب حدّ أن لمعت في عينيه شرارة من يتشفى بالانتقام ويقول laquo;خذ هذا من أجل لوكربيraquo;، و laquo;جبان حتى النهايةraquo; و laquo;القذافي قتل على يد مؤيدي اليانكيraquo;...كان هذا ما عنونته laquo;ذا صانraquo; وlaquo;دايلي نيوزraquo; وlaquo;نيويورك بوستraquo; تباعاً على صفحاتها الأولى، فوق صورة اشتركت في نشرها للقذافي مرمياً بين الأقدام وهو مضرّج بدمائه.
...كل مظاهر التهليل لم تحجب الخوف من المستقبل الذي أرخى بثقله على المشهد بأكمله.. العراق كان حاضراً بقسوة تجربته وlaquo;سخريةraquo; الشبه بين عراق الأمس وليبيا اليوم.. ليبيا الداخل بانقساماتها القبليّة وتفشي أسلحتها laquo;زنقة زنقة..بيت بيت..دار دارraquo; لم تكن أقل إثارة للمخاوف..اما التدخل الغربي العسكري، بما يثيره من مخاوف عن عراق ثان وأفغانستان ثانية، فكان دوره سيّد النقاش في تحديد هذا المستقبل.
عن التحديات المختلفة، يكتب ليندسي قائلاً laquo;ليبيا بالتأكيد ليست العراق، فهي لا تعاني من الانقسام الطائفي والإثني الذي يمزّق العراق، لكن لديها ما يخصها من تحديات..أولها وأكثرها إلحاحاً هو نزع سلاح الميليشيات التي أطاحت القذافي والاستعاضة عن ذلك بمؤسسة عسكريّة منظمة، فضلاً عن تعزيز سلطة قوات الأمن المحليّةraquo;. هذه المهمة، يضيف الكاتب شارحاً، تنطوي على قدر كبير من الصعوبة والحساسيّة فالمسلحون يرون في سلاحهم ضمانة لحفظ نفوذهم السياسي، كما لحياتهم بالتأكيد..وتتضح مدى خطورة هذا التحدي في حال انزلق إلى دائرة العنف والانتقام بين المقاتلين ومناصري القذافي في السابقraquo;.
أما التحدي الأصعب، وفقاً لليندسي، فيتمثّل في laquo;بناء نظام سياسي مستقر وفعالraquo;، وتعزّز من صعوبة هذه المهمة حقيقة أن جميع الثورات السابقة تعثّرت في مواجهة هذا الاستحقاق من جهة، فضلاً عن خصوصية العامل القبلي الليبي من الجهة الأخرى. وlaquo;الذي أثبته مثال بسيط تجلى في تعدد روايات المجلس الوطني حول مقتل القذافي.. هل هؤلاء من يفترض بهم إدارة المرحلة الانتقاليّة الحرجة؟raquo;.
برأي ليندسي ليس الليبيون وحدهم من يواجهون تحديات ما بعد مقتل القذافي، هناك أميركا وحلف شمال الأطلسي في المغطس نفسه.. هؤلاء، برأيه، laquo;تتصدّر لائحة اهتماماتهم قضية الأسلحة التي سرقت من مخازن القذافي وبيعت في السوق السوداء وما إذا كانت ستستخدم ضدهمraquo;.
يشارك ليندسي في تساؤله حول مستقبل حلف الأطلسي زميله في المجلس روبرت دانين الذي يسأل عما إذا كان يتعيّن على المجتمع الدولي أن يمضي بعيداً عن ليبيا بعد سقوط القذافي، ليجيب بأن laquo;ذلك ينطوي على خطر أن تترك البلاد في مرحلة حساسة بين أيدي القوى المتطرفة التي تستفيد من ضعف النظام كي تعزّز نفوذهاraquo;. ويتخوّف دانين من أن laquo;يبعث ذلك بإشارات سلبيّة إلى الناشطين في الدول العربيّة الأخرى كي يتورعوا عن المطالبة بالتغيير، خوفاً من الوقوع في قبضة العنف والفوضى التي تصبح لاحقاً أسوأ من قبضة الدكتاتور نفسهraquo;.
من جهته، يعطي الباحث كريستوفر بيبل من معهد laquo;كاتوraquo; الأولوية في هذه المرحلة للوقف الفوري لعمليات الناتو العسكرية، وتسليم مسؤولية الأمن لقادة السلطة الانتقالية في البلاد. ويصرّ الكاتب، في مقالته تحت عنوان laquo;مقتل القذافي لا يشرعن التدخل العسكري في ليبياraquo;، على الجزم بأحقية مطلبه لأن laquo;مقتل العقيد لا ينفي أن التدخل العسكري الغربي كان غير شرعي في ليبيا..كان ضرورياً ان يسقط القذافي على يد شعبه ولكن قرار أوباما وحلفائه المشاركة في هذه المهمة تورطهم بمسؤوليات ما بعد المرحلة..وهذا ليس عادلاً للأميركيين وكذلك للشعب الليبي الذي يستحق أن يكون مسؤولاً عن نظامه السياسي الجديدraquo;. وتمنى بيبل بدوره على الأميركيين ألا يكرروا تجربة العراق، laquo;عندما لم تنته الحرب مع سقوط صدامraquo;.
السؤال نفسه طرحته الصحافة البريطانية..لقد laquo;ذهب القذافي، فمن سيحكم ليبيا الآن؟raquo;، يسارع بيتر أبورن في laquo;الدايلي تلغرافraquo; للتأكيد أن ما حصل في العراق وفي أفغانستان يحصل اليوم في ليبيا، laquo;تغيير النظام كان الجزء الأيسر من العملية، ولكن ما يتبع ذلك هو الأكثر تعقيداraquo;. يعيد أبورن طرح السؤال بطريقة مختلفة laquo;لم يكن بإمكان المعارضة الليبية البدء بتشكيل حكومة انتقالية قبل سقوط سرت ومقتل القذافي، أو اعتقاله، وقد تحقق ذلك الآن، فماذا سيأتي؟raquo;، ثم يجيب بمجموعة من الأسئلة لم يكن هناك من حاجة للإجابة عليها في مرحلة الحرب، أما اليوم فلا مفرّ من الإجابة، التي يؤكد مجدداً على صعوبتها في المرحلة الراهنة.
laquo;السيطرة على طرابلس تتقاسمها مجموعات مختلفة من رجال الميليشيا، ليست مختلفة فقط في منشئها بل وبعضها تعتنق أيديولوجيات متناقضة..موقف هؤلاء المقاتلين من مصطفى عبد الجليل مثلاً ليس موحداً، ولا يشوبه الإعجاب، بل قد يصل حدود الاحتقار، فعلى ماذا سيتحدون؟raquo;.
laquo;من سيتحكم بالمليارات التي كان سيف الإسلام القذافي يتصرف بها كأنها حساب شخصي؟ من سيستمتع بالاستراحات المرفهة التي كانت تستخدمها عائلة القذافي؟ ومن سيدير احتكارات الدولة ويحصل على العمولات الضخمة؟ من ستكون النخبة السياسية في البلاد؟raquo;.
laquo;الغارديانraquo; كتبت تقول إن laquo;النصر الدموي في ليبيا هو البداية فقطraquo;، فـlaquo;المعركة الحقيقية ستبدأ الآن، وهي تشكيل حكومة موحدة تحكم بلدا واحدا، وهي مهمة لن تكون سهلة في ظل وجود اتجاهين متناقضين داخل المجلس الوطني: اتجاه إسلامي يرغب بتطبيق الشريعة، واتجاه علماني ليبرالي يتوق إلى ديموقراطية على النمط الغربي..أما التحدي الآخر فهو كيفية التحرر من النفوذ الأجنبي، خاصة مع التدخل العسكري لحلف شمال الأطلسي ودوره في هزيمة نظام القذافيraquo;.
من جهة أخرى، ذهبت laquo;لوس أنجلس تايمزraquo; الأميركية في اتجاه معاكس لقراءة مكان القوات الدولية في مستقبل ليبيا، حيث كتبت في افتتاحيتها تؤكد أن laquo;الناتو شارك في العمليات العسكرية قبل سقوط القذافي وعليه اليوم ان يلعب دوره في إعادة إعمار البلادraquo;، معتبرة انه laquo;لم يكن للثوار أن ينجحوا من دون دعم الحلفraquo;.
وتعلّق الصحيفة موضحة laquo;الحديث عن التدخل هنا لا يشبه ما حصل في العراق وأفغانستان، لكنه يبقى التزاماً بالمساعدة يتخطى مسألة قتل القذافيraquo;.