عبدالرحمن الراشد


منذ الستينات والراحل ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز فاعل محوري في المجال السياسي، لكن القليل يعرف عنه بسبب طبيعة السياسة السعودية ذات البيانات المقتضبة، وبروتوكول القيادة السعودية الذي يلتزم التراتبية الإدارية والأصول العائلية.
ولهذا فإن الكثير قد قيل عن شهامة الراحل وكرمه ونبله، والقليل روي عن دوره السياسي، مع أنه كان في كل نشاط سعودي بصفاته الرسمية المتعددة، من وزير دفاع إلى ولي للعهد. فكان طرفا مفاوضا وفاعلا في تصفية الخلافات الحدودية السعودية، وكان أيضا فاعلا في إدارة الأزمات التي واجهت الدولة السعودية، من ناصرية إلى بعثية فخمينية. وكان مكلفا من القيادات السعودية المتعاقبة بتعزيز العلاقات وبناء المحاور. فقد ورد اسم الأمير سلطان في الوثائق ضمن الذين ساعدوا مصر إبان فترة حكم أنور السادات عندما رغب في فك علاقة مصر بالاتحاد السوفياتي المكبلة بالتزامات سياسية وعسكرية ومالية؛ فتولى الأمير سلطان حينها الاتصالات لمساعدة السادات لتحرير مصر من قيودها. كان ذلك في بدايات حكم الرئيس المصري، وهي الخطوة التي مكنته لاحقا من شن حرب عام 73 دون أن يضطر لإشراك السوفيات أو غيرهم، ويحافظ على سر قرار الحرب. وكلف الأمير سلطان بأدوار متكررة ومهمة في بناء مجلس التعاون الخليجي وحل نزاعاته العديدة. كان طرفا في حل تقريبا كل القضايا العربية التي كانت السعودية طرفا فيها، مثل إنهاء الحرب اللبنانية. وفي كل هذه الأدوار، كما ذكرت، لا تجد له اسما بشكل صريح، للأسباب التي أوضحتها في مطلع المقال.
كان، رحمه الله، ساعدا أيمن لملوك السعودية، بدأها منذ شبابه في عهد الراحل الملك فيصل، واستمر فاعلا في عهدي الراحلين الملك خالد والملك فهد، وبالطبع بعد توليه ولاية العهد في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز. لذا عرف بأنه حافظ أسرار الدولة ولاعبها الأساسي، ورغم هذه الأدوار المهمة والسنين الطويلة في العمل فإنه لم يتحدث عنها، ولم يتقدم خطوة على قيادته، وعرف نموذجا للانضباط. ففي عام 1981 زار الملك خالد بريطانيا يرافقه الأمير سلطان، وفي أحد نشاطات الزيارة غضب الأمير سلطان من المراسم الملكية، لأنهم تأخروا في إبلاغه أن الملك نزل قبله ليستقل الموكب، فهو كان يرى أن الأصول أن يسبق الجميع الملك لمرافقته. وانضباطه باحترامه التراتبية، وامتناعه الدائم عن الحديث عن نشاطاته، لم يكن يخفي عن الجميع أنه لاعب أساسي في الدولة السعودية لنحو نصف قرن.
وفي الشأن السياسي الداخلي عرفنا الأمير سلطان أنه أكثر القياديين السعوديين نشاطا في الإدارة الحكومية الداخلية وعرفناه، كما هو الحال مع معظم كبار الأسرة المالكة، حلقة وصل مع كل فئات المجتمع من قبائل ومناطق وعلماء دين ورجال أعمال وأساتذة جامعات ومثقفين، الذين حرص على التواصل معهم على مدى عقود. هذا نموذج لرجل دولة مكن الدولة من وجودها واستمراريتها وحيويتها.