محمد الرميحي

بوفاة المرحوم الأمير سلطان بن عبد العزيز، تفقد الأمة العربية ودول الخليج والمملكة العربية السعودية قامة من القامات الكبيرة والرائدة، قامة رجل دولة، وقامة رجل خير وقامة رجل سلام.
فالمرحوم الأمير سلطان بن عبد العزيز، لم يكن فقط رجلا تولى مهمات صعبة في ظروف صعبة، فقد كان لفترة طويلة وزير دفاع في المملكة، في الوقت الذي مرت فيه بلده والمنطقة بتطورات خطيرة، منها الثورات المجاورة في اليمن وفي العراق وفي إيران، ومنها الحروب التي عصفت بالمنطقة، مثل الحرب العراقية الإيرانية ثم احتلال وتحرير الكويت وأيضا التطورات الداخلية التي كانت تنقل المنطقة من عصر إلى آخر جديد ومختلف ومتغير وسريع. إلا أنه بجانب ذلك كان رجل خير ورجل علم ورجلا لم يبتعد عن شعبه وأهله.
واكب الأمير سلطان بن عبد العزيز هذه التطورات واستوعبها بحس حديث، فبنى مؤسسة عسكرية حديثة من حيث التدريب والتسليح، استطاعت أن تقف موقفا دفاعيا سر الصديق وأخاف العدو، كما بنى بجانبها صناعة عسكرية متقدمة، نقلت المملكة العربية السعودية نقلة نوعية استند عليها إقليم الخليج العربي.
أما الجانب الإنساني لسلطان بن عبد العزيز، فجزء منه معلن معروف، وجزء منه خفي ابتغاء مرضاة الله لا البشر، لا يعرفه إلا خاصة الخاصة. ورغم كل مشاغله فقد كان بابه مفتوحا لأهل الحاجة من أهله وبني وطنه، لم ينغلق في أحلك الظروف، كما بنى من المؤسسات الثقافية والفكرية عددا تفاخر به أي مؤسسة حديثة. يكفي أن نذكر مؤسسة سلطان الخيرية، والموسوعة العربية، والمؤسسة العربية العالمية، وترؤسه الهيئة العامة لمدينة الملك عبد العزيز العلمية، وبرنامج سلطان بن عبد العزيز للاتصالات، وغيرها من الهيئات العلمية والخيرية التي تعتني بالإنسان وبالعلم معا.
أما نحن في الكويت فنذكر بالخير له ولإخوانه الميامين موقفهم الحازم والواضح من احتلال الكويت الذي كان نتيجة عملية غدر ارتكبها مهووس في جنح الظلام. فقد استقبلت المملكة العربية السعودية أبناء الكويت بالترحاب كبيرهم وصغيرهم وهيأت لهم الحياة الكريمة، كما فتحت أذرعتها لكل النشاطات الرسمية الكويتية، واستضافت على أرضها القيادة الكويتية ووفرت أيضا للمؤتمر الشعبي الكويتي مكانا رحبا للانعقاد ليمهد طريقا لمقاومة الشعب الكويتي.
ذلك الموقف السياسي والأخوي والإنساني، كان سلطان بن عبد العزيز أحد مفعليه وحاضنيه، فلم يأل جهدا أو يدخر مالا أو ينأ عن قول للحق في كل تلك الفترة العصيبة التي قامت فيها المملكة العربية السعودية برجالها ومواردها بتحمل العبء الأكبر في تحرير الكويت من براثن الاحتلال. ولم يهدأ للأمير المرحوم بال حتى عاد الكويتيون إلى ديارهم، وعلى الرغم من الكلفة الباهظة على المملكة العربية السعودية معنويا وماديا فقد قدمت عن طيب خاطر.
وهكذا في اليوم الحزين الذي نودع فيه الرجل الإنسان، سلطان بن عبد العزيز إلى بارئه نتذكر أياديه البيضاء التي هي امتداد لوالد مؤسس عظيم وإخوة ميامين حملوا المسؤولية كاملة فأرضوا الله والمواطن. ندعو بالرحمة والمغفرة لروح الرجل الإنسان والقائد الكبير ونعزي أهلنا جميعا في المملكة وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين والأمة العربية بهذا المصاب الجلل،
وإنا لله وإنا إليه راجعون