رمزي صوفيا

تعود العلاقات المغربية- العراقية إلى أزمنة قديمة تميزت خلالها عمليات التبادل الثقافي والتجاري بين البلدين الشقيقين بنهضة هائلة استفاد منها كل من الشعبين العراقي والمغربي على حد سواء.
ومما لايخفى اليوم على أحد في المغرب أن الدوائر الحكومية المغربية, وكذا شركات القطاع الخاص تزخران بأطر مغربية تلقت تعليمها في بلاد الرافدين, فهناك مئات الشبان المغاربة الذين اختاروا بعد حصولهم على شهادة البكلوريا في سنوات السبعينات والثمانينات من القرن الماضي أن يتابعوا تعليمهم العالي بالجامعات والمعاهد العراقية, ولا تزال هذه الأطر تتذكر المعاملة الطيبة وحسن الوفادة التي كانوا يتمتعون بها وهم طلبة في العراق, وحتى سنوات قريبة كان العراق يزخر بعمال مغاربة عاشوا لمدة طويلة هناك في سلام وتعايش مع العراقيين, بل منهم من تزوج فتيات عراقيات, ولهم معهن أبناء عدة, كما أن المغرب يعج بعدد كبير من العراقيين الذين استقروا بالمغرب وأقاموا فيه مشاريع كبيرة بملايين الدولارات وخصوصاً في القطاعات العقارية كالإقامات الكثيرة التي شيدها عراقيون في حي بوركون بالدار البيضاء مثلاً, ومنهم من تزوجوا من سيدات مغربيات وأنجبوا منهن أبناء وبنات هم اليوم في سن الزواج.
ولكن الحرب الغاشمة التي خيمت على العراق جعلت العمال المغاربة يهاجرون تاركين كل شيء وراءهم ومصطحبين معهم زوجاتهم العراقيات وأولادهم, بل إن عدداً كبيراً من العراقيين أنفسهم قد هربوا من ويلات العراق نحو مختلف جهات العالم, وخلال هذا الوقت الكئيب من تاريخ العراق استغلت إيران الفرصة لتبث الأفكار العنصرية المدمرة بين أبناء العراق ولتزرع فتنة مدسوسة للتفريق بين العراقيين, وجعل كل طرف في خندق معاد لخندق اخوانه وأبناء دمه ووطنه, وهكذا أطلقت إيران العنان لشياطينها لإقناع عدد هائل من العراقيين بأن السنة هم أعداء لهم في الدنيا وفي الآخرة, فكانت النتيجة أن الطائفة العراقية السنية وجدت نفسها مهمشة تماماً في وطنها ومحرومة من مناصب صناعة القرار في العراق بحجة أنها تنتمي لحزب البعث الذي انتهت كل صلاحياته منذ دخول دول التحالف الغربي الى العراق يوم 4 مارس 2003 وانتهاء عهد صدام حسين, ومع ذلك فإن إيران قد أطلقت منذ حينها العنان لآلاف القتلة والمرتزقة ليعيثوا فسادا في العراق تحت تلك الزريعة, مع العلم أن حزب البعث قد انتهى من العراق كما ذكرت, إلا أن السنة العراقيين لا يزالون يلقون التنكيل والتقتيل على يد الموالين لإيران, والفضائيات التلفزيونية خير شاهد على هذا الكلام.
وها هو الرئيس الأميركي أوباما يعلن أمام العالم أجمع أن القوات الأميركية تعد العدة للانسحاب من الأراضي العراقية مع نهاية هذه السنة, وها هي وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون تحذر إيران من مغبة التدخل في الشؤون الداخلية العراقية, ومع ذلك فإن عشرات القتلى من السنة تطالعنا بهم مختلف تلفزيونات العالم والذين يقتلون كل يوم على يد اتباع إيران المندسين داخل التراب العراقي.
لهذا فإني أؤكد من على هذا المنبر الشريف انه يتوجب على الحكومة العراقية أن تبادر منذ الآن وقبل رحيل القوات الأميركية للإمساك بزمام الأمور ونشر القوات الأمنية والعسكرية لوقف حمام الدم السائل بسبب تسلل عناصر إيرانية نحو العراق, واستمرارها في تصفية أبناء الطائفة السنية في عقر دارهم, كما يتوجب على الحكومة العراقية تخصيص نسبة مهمة من مناصب المسؤولية للسنة حتى يتم ضمان التوازن في دواليب السلطات العمومية ويتم القضاء على المندسين والعملاء لإيران بشكل نهائي.
إنه الحل الوحيد لإعادة الأمور الى نصابها واسترجاع الزمن الجميل الذي كان فيه العراقي الشيعي يتصاهر مع العراقي السني, وكان فيه العراقي المسلم يشارك العراقي المسيحي واليهودي في التجارة والجلسات الثقافية الأخوية, فالشعب العراقي لم يشعر في يوم من الأيام بأي فروق بين طوائفه المختلفة, فالعراق لم يشعر يوماً بالتفرقة حتى تسللت إيران إلى أراضيه واستغلت الانفلات الأمني المنتشر فيه غداة اندلاع الحرب داخل العراق, كما انتهزت فرصة صدور قرار الرئيس الأميركي السابق بوش الابن بالغاء كل دوائر الأمن والشرطة والجيش بالعراق, ويومها تحول العراق غابة يطبق فيها كل واحد القانون الذي يحلو له.
فتسللت ايران واتباعها الى العراق واشترت بعض الضمائر فنشرت الدمار والدماء بعد أن بدأت بالطائفة السنية ثم انتقلت نحو تقتيل وتهجير الطائفة المسيحية العراقية, ما اضطر مع هؤلاء
الى الفرار بجلدهم خارج بلدهم الذي عاش فيه اجدادهم منذ مئات السنين.
ولازالت حتى كتابة هذه السطور تقتل وتنتهك الاعراض في بغداد والموصل والبصرة وهدفها الذي لم يعد خفي على أحد هو الاجهاز على كل علاقة للعراقيين ببلدهم لضم بلاد الرافدين الى اراضيها لتحقيق حلمها الكبير باحتلال كل بلدان الخليج, والمثال قد بدأ باحتلالها للجزر الثلاث لدولة الامارات العربية المتحدة.
وبطبيعة الحال فان نهمها الاستعماري لن يتوقف أبداً عند حدود الدول الخليجية, بل ستواصل عملياتها الاستعمارية بعد امتلاكها للقنبلة النووية حتى تحتل بلدان المغرب العربي ايضاً لتتمكن من اعادة امبراطورية فارس التي انمحت نهائياً من على خريطة العالم.
لقد نجحت ايران في غسل الادمغة وتحويل العراقي الشيعي الى عدو خطير للعراقي السني مع أنهما اخوان ولم يسبق لمثل هذا العداء المدسوس ان استحكم بينهما أبداً, واذكر هنا المثال التاريخي الكبير, وهو عندما خاض العراق حربه ضد ايران في عام ,1980 فربح العراقيون الحرب عن جدارة واستحقاق, وكانت غالبيتهم من الشيعة الى جانب اخوانهم السنة, فقاتلت الطائفتان العراقيتان الشيعية والسنية جنباً الى جنب وحققتا النصر المبين على العدو الفارسي لأن الجميع كان مقتنعاً, وعلى فطنة وبينة من الاطماع الاستعمارية والحقد الدفين الذي تكنه ايران لكل العراقيين سواء أكانوا سنة أو شيعة.
لكل هذا فإني أدعو العراقيين الى وضع يد في يد ضد عدوهم الحقيقي, ايران, فالعراقي لم يكن ولن يكون ابداً عدواً لاخيه العراقي وليفكر الجميع قليلاً وليستحضروا تاريخ العراق فهل حدث وكانت طائفة فيه تعادي او تتناحر مع الطائفة الاخرى لولا اندساس الايرانيين بين العراقيين.
كما ادعو جميع الدول العربية كافة الى مساعدة العراقيين, سنة وشيعة, وحمايتهم من التصفيات الجسدية والابادة الممنهجة التي تمارسها عليهم ايران وزبانيتها وانقاذهم من التهديدات التي يتعرضون لها وبخاصة الادمغة العلمية والاطر المثقفة التي سعت ايران ولازالت تسعى الى افراغ العراق منها تحت ذريعة انتمائهم لحزب البعث بينما هدفها الحقيقي هو ان تجعل العراق يرجع الى القرون الوسطى.
ان مسؤولية تاريخية تقع اليوم على عاتق المغرب الحبيب لدعم العراق باعتبار المغرب والعراق هما جناحا العرب الشرقي والغربي ومن دونهما لن يكون في مقدور الامة العربية ان تحلق عالياً في سماء التطور وتحدي الاطماع الفارسية المكشوفة اليوم اكثر من اي وقت مضى.
ان حضور الوفود العراقية ومن كل المستويات وفي كل التوجهات الى المؤتمرات والتظاهرات التي يتم تنظيمها في المغرب هو دليل ساطع على حسن نوايا العراق تجاه المغرب الشقيق, وعلى رغبة كل العراقيين الاحرار في تمتين العلاقات الاخوية التي جمعت عبر التاريخ بين البلدين وتحويلها الى علاقات شراكة اقتصادية وتعاون شامل في كل المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
ان عيون العراقيين الحقيقيين وليس البعض الذين باعوا ضمائرهم لايران الفارسية تتطلع اليوم الى اعادة العمل الفعلي في سفارة المغرب في بغداد وليس في عمان بعد مقتل موظف من المغرب الشقيق في السفارة المغربية في بغداد, مما جعل الحكومة تقرر تحويل كل المهمات الديبلوماسية للسفارة المغربية في العراق نحو العاصمة الاردنية عمان, ويا حبذا لو اعادت فتح السفارة المغربية في بغداد كما كانت سابقاً ليتم التواصل بين العراقيين والمغاربة ويتم تسهيل منح الشعبين الشقيقين تأشيرات الدخول والخروج نحو البلدين الاخوين.
لقد آن الاوان اليوم لاعادة بناء ما دمرته الحرب في العراق ومن غير الغريب على المغرب الكريم ان تتوجه اليه كل انظار العراقيين ليشارك في اعادة اعمار العراق من خلال مقوماته واستثماراته وتجربته الرائدة في مجال التنمية البشرية التي انطلقت على يد عاهله الطموح والحكيم جلالة الملك محمد السادس, وذلك منذ سنة ,2005 مما يجعل المغرب اليوم خير شريك يمكن للعراق الاعتماد عليه لتحقيق طفرة نوعية تمحو عنه اثار الحرب لان ثروة العرب يجب ان تكون للعرب وليس للأجنبي كايران التي لم تعد تخفي جشعها لخيرات العراق وبقية الدول العربية.
والمطلوب اليوم من الحكومة المغربية ان تأخذ المبادرة النيرة والرائدة بتوجيه الدعوات في المناسبات المغربية الغالية الى الشخصيات العراقية من وزراء ورجال مال وأعمال ومثقفين ليزوروا المغرب مثل نائب رئيس الوزراء الحالي د. صالح المطلك المعروف باستقامته وحبه للعرب والعروبة ورغبته في العمل المبني على تعميم الخير.
اما الوفد العراقي الذي زار المغرب منذ اسبوعين, فقد نال تقدير واعجاب الجميع بمقارعاته النيرة خلال مؤتمر المائدة المستديرة الذي انعقد في الدار البيضاء تحت رئاسة وكيل وزارة الصحة العراقي وعضوية مستشار رئيس الوزراء العراقي د. قريش القصير.
كما حضر وفد عراقي اخر اعمال المؤتمر السنوي للاجتماع العام للرابطة الدولية للسلطات لمكافحة الفساد الدولي والذي انعقد في مدينة مراكش.
وفي المقابل فإني ادعو الحكومة العراقية الى توجيه الدعوات في كل التظاهرات والمناسبات للشخصيات المغربية الفاعلة في حقول السياسة والاقتصاد والصناعات والعقار, فالمغرب اليوم زاخر بالافكار والتجارب الناجحة في مختلف المجالات التنموية, كما انه يتوافر على كل الصناعات والمنتوجات التي يحتاجها العراق بدلاً مما تكدسه ايران من ادوية واغذية ثبت ان غالبيتها هي منتهية الصلاحية وغير صالحة للاستعمال الادمي, والامثلة على هذا هي كثيرة حيث تعرض الكثير من العراقيين لتسممات خطيرة بعد تناولهم لادوية واغذية منتهية الصلاحية تم تسريبها نحوه من الاراضي الايرانية.