رغم أنّ الشرارة الأولى للثورات العربية انطلقت من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وساعدتها في ذلك وسائل الإعلام الالكترونية، إلا أن خبراء إعلام وسياسة أكدوا أن الإعلام الالكتروني ليس أكثر من وسيلة لإنجاح الثورات، وجدت من يستعدّ للتضحية بنفسه من أجل تحقيق أهداف بعينها.


إيلاف تحتفل بعقد من الإعلام الإلكترونيّ

القاهرة: في السادس من شهر أبريل/نيسان من العام 2008، عرف النظام المصري أن هناك عفريتاً يسكن أجهزة الكمبيوتر اسمه فايسبوك، لديه قدرة عجيبة على تجميع وحشد الشباب حول هدف واحد، حيث نجح المصريون للمرة الأولى في تاريخهم في تنظيم إضراب عن العمل ومظاهرات سلمية واسعة النطاق، وهو ما عرف باسم quot;إضراب 6 أبريلquot;.

لكن النظام تعامل مع ذلك الإضراب السلمي بالقمع وإطلاق الرصاص على المتظاهرين، مما أسفر عن مصرع أربعة أشخاص، ولم يتم محاكمة قاتليهم حتى الآن.

لم يكن نظام حكم الرئيس السابق حسني مبارك، يدرك أن نهايته ستكون على يد ذلك العفريت، الذي كرر السيناريو نفسه بعد أقل من ثلاثة أعوام، وتحديداً في الخامس والعشرين من شهر يناير/كانون الثانيمن العام 2011، وخرجت المظاهرات، لتعمّ أرجاء البلاد إنطلاقاً من موقع فايسبوك الاجتماعي، ولم تعد الملايين من المصريين التي خرجت مطالبة بإسقاط النظام إلى بيوتها، إلا بعدما أعلن مبارك عن تنحّيه عن الحكم في 11 فبراير/شباط 2011.

العنصر البشري تحالف مع quot;الالكترونquot; للتغيير

يقول الدكتور هشام عطية أستاذ الإعلام الالكتروني في جامعة القاهرة في إفادة لـquot;إيلافquot; إن وسائل الإعلام الالكتروني لعبت دورًا في علمية التغيير، مشيرًا إلى أن الانترنت ساهم في طرح الأفكار ومناقشة الشباب لها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ومؤكدا أن عملية التغيير ما كان لها أن تتم دون العنصر البشري، الذي كانت لديه رغبة حقيقة في التغيير بسبب سوء الاوضاع، ولديه الاستعداد لأن يدفع ثمن هذا التغيير.

وأشار إلى أن محاولات الأنظمة الديكتاتورية طرح موضوعات ورؤى للنقاش من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات لم تجد اي صدى لها بسبب عدم وجود رغبة المتابعين لهذه المواقع في العمل في الاقبال عليها ومتابعتها او الاهتمام بها.

وأكد ان النقل السريع للأخبار من طرف مواقع إخبارية موثوق فيها، وتحظى بمصداقية، ساهم في توفير المعلومات بشكل سريع، وان كان غير دقيق، لاسيما وانه لا يمكن ان تعرف اين هي الحقيقة او عكسها، نظرًا إلى أنك ترى الخبر ونقيضه في لحظاتها، ولان الحقيقة يراد تشويهها من خلال اطراف متنوعة، لها مصالح في ذلك، حيث تعرض الخبر وفق ما يتناسب مع مصلحتها الخاصة، لأن المؤسسات الإعلامية ليست مؤسسات خيرية.

وأشار إلى أن الإعلام مهنة، وليست ورقية، مشيرًا الى أن الصحافة بالتحديد مهنة افكار ومراهنة على أجندة اهتمام الراي العام ونمط من الكتابة فيه نمط من الحرفية والامتاع كبير، مؤكدًا أن الصحافة الالكترونية لم تعد خيارًا، وانما فكرة اساسية ترتبط بالعصر الذي نعيش فيه.

ولفت إلى وجود فارق بين المواقع الاخبارية وشبكات التواصل الاجتماعي، إذ لابد ان تلتزم وسائل الإعلام الالكترونية بشرط المهنية وتحليل القضايا وعرضها من خلال تحقيق معايير التغطية الصحافية المهنية المتمثلة في الدقة والشمول والتوازن وإسناد المعلومة إلي مصدرها، مشيرًا إلى أن تقديم المعلومة في اطار مواقع الانترنت تعبّر فيها المهنية بمثابة الفريضة الغائبة.

أداة للتحرر

وفقاً للإعلامي حسين عبد الغني، فإن أميركا كانت تخطط للسيطرة على العالم من خلال الإعلام الإلكتروني، ولاسيما شبكات التواصل الإجتماعي، ولكن السحر إنقلب على الساحر، وتحولت تلك الوسيلة الإعلامية إلى أداة للتحرر والثورة ضد الأنظمة القمعية الحليفة لأميركا.

وقال لـquot;إيلافquot; إن دور الإعلام الإلكتروني كان واضحاً وضوح الشمس في عز الظهيرة، في التمهيد للثورات العربية، والحشد لها، ودعمها ضد قمع الأنظمة الحاكمة، مشيراً إلى أن الفضل يعود إلى الإعلام الإلكتروني بشقيه الإخباري والإجتماعي في تبني الحركات المعارضة، وحشد وجمع الجماهير العربية نحو هدف واحد، ألا وهو التحرر من الأنظمة القمعية الإستبدادية.

ولفت عبد الغني إلى أن الإعلام الإلكتروني كان حاضراً، وأصبح متنفساً للجماهير والناشطين السياسيين، في ظل سيطرة الأنظمة العربية على وسائل الإعلام التقليدية، أو إرهابها في سبيل العمل لمصلحتها، مشيراً إلى أنه من المعروف أن صفحة quot;كلنا خالد سعيدquot; على فايسبوك، وهو ضحية للتعذيب، إنطلقت منها الدعوة إلى مظاهرات 25 يناير، التي تطورت إلى ثورة شاملة عمّت أرجاء مصر، واستطاعت إسقاط نظام حكم الرئيس مبارك، الذي استمر نحو ثلاثين عاماً.

حاضر في سوريا واليمن وليبيا

ونوه عبد الغني بأن الإعلام الإلكتروني مثلماً كان حاضراً في ثورتي مصر وتونس، مازال حاضراً في ثورات سوريا وليبيا واليمن، لكن تلك الثورات لم تؤت ثمارها سريعاً، كما حدث في مصر وتونس، نظراً إلى ظروف تخص تلك البلدان، منها أن درجة القمع ضد المظاهرات أكبر وأشد، فضلاً عن عدم الجاهزية الكاملة لشعوب تلك الدول للقيام بثورات،ودخول أطراف أخرى على الخط، منها التدخل الغربي أو الخليجي.

كما إن الثورة الليبية تحولت إلى صراع مسلح مبكر، وزاد التدخل الغربي الأمور تعقيداً، مؤكداً أن الإعلام الإلكتروني لعب دوراً مهماً في الثورات التالية على ثورة مصر، من حيث الدعوة إليها وحشد الجماهير، وتحول إلى الأداة الإعلامية الحرة والنزيهة في ظل حالة التعتيم الشديدة على أخبار تلك الثورات.

تكامل لا تعارض

وأشار عبد الغني إلى أنه لا يوجد تعارض ما بين الإعلام الإلكتروني والإعلام التقليدي، بل تكامل، مؤكداً أن وسائل الإعلام لا تلغي بعضها بعضًا، حيث تعيش متجاورة، لكن المستقبل سيكون مع الإعلام الإلكتروني، إذا ما أستطاع العمل بموضوعية وتوزان، وعدم الخلط ما بين الرأي والخبر.

وأثني عبد الغني على تجربة quot;إيلافquot;، مؤكداً أنها تجربة رائدة في مجال الإعلام الإلكتروني، لكنها تواجه حالياً منافسة شرسة في ظل إنتشار المواقع الإلكترونية. لاسيما أنها تتعامل بحساسية مع القضايا الخليجية، على حد قوله.

لكنّ الدكتور اسماعيل عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية يؤكدفي إفادة لـquot;إيلافquot; أن الإعلام الالكتروني لعب دورًا مهمًا في إعادة الحياة مرة أخرى الى اهتمام الشباب بمعرفة الأخبار من خلال استخدام الانترنت، مشيرًا الى أن الجيل الحالي ليس في حاجة إلى متابعة الصحف الورقية لمعرفة ما يدور حوله، مما ينذر بنضوب هذه الصحف بعد سنوات.

واستشهد عبد الفتاح بعدد متصفحي المواقع الالكترونية الإخبارية مقارنة بعدد قارئ الصحف، لافتًا إلى انه على الرغم من ان الانترنت لم يصل إلى مناطق عدة،إلا أن ثقافة الجمهور في طريقة معرفة الخبر تغيرت، وباتت تأخذ طرقًا جديدة، في مقدمتها الانترنت والمواقع الإخبارية.

وأشار إلى أن الإعلام الالكتروني لعب دورًا محورياً في استعادة الصحافة لأهميتها التي فقدتها بسبب سيطرة السلطات عليها ونقلها للبيانات الرسمية التي تصدر من قبل المسؤولين السياسيين الرسمين وتصدر أخبار الرئيس وقرينته صدر الصفحة الأولى، مؤكدًا أن كسر هذه القيود فيها كان له دور مهم في إعادة تشكيل أولويات الشباب على الانترنت.

الإعلام التقليدي يستقي 70% من محتواه من نظيره الإلكتروني

عبد الصبور: الإعلام التقليدي يستقي 70% من محتواه من الإلكتروني

يقول صلاح عبد الصبور الأمين العام للإتحاد العربي للصحافة الإلكترونية إن الفضائيات والصحف الورقية تستقي 70% من المحتوى الخاص بها من الإعلام الإلكتروني.

ويضيف في مقابلة مع quot;إيلافquot; أن ضعف الاستثمارات في الإعلام الإلكتروني يرجع إلى عدم وجود إطار تشريعي ينظم عمله، إضافة إلى أن المستثمرين العرب ليسوا من فئة الشباب، التي تعتبر الأكثر استخدامًا له، مشيراً إلى أنه كان صاحب الفضل في التمهيد ودعم الثوارت العربية، وأنه يمثل حالياً وسيلة الإعلام الوحيدة للسوريين والليبيين، في ظل التعتيم على انتفاضاتهم من قبل الأنظمة الحاكمة.

ونبه إلى أن الإعلام التقليدي ما زال يتمتع بشعبية كبيرة، لكن المستقبل للإلكتروني، في ظل التقدم التكنولوجي، مؤكدًا أن الصحافيين الإلكترونيين يمارسون عملهم في ظل ظروف صعبة، بسبب عدم اعتراف المؤسسات الرسمية أو النقابات المهنية بهم.

منح الشرعية للثورات

تطلق الإعلامية بثينة كامل على الإعلام الإلكتروني وصف quot;الإعلام البديلquot;، وقالت لـquot;إيلافquot; إن هذا النوع من الإعلام قام بدور الإعلام التقليدي، عندما كان الأخير عاجزاً إلى درجة كبيرة عن التعبير عن آلام الشعوب العربية وآمالها، بسبب سيطرة الأنظمة الحاكمة عليه، حيث تحول كل مواطن، يجيد استخدام الإنترنت، إلى صحافي يكتب ويصور الفيديوهات، ويرفعها على شبكة الإنترنت، وتحول أيضاً إلى سياسي يدعو إلى التظاهرات ويحشد الجماهير لها.

وأضافت أن الإعلام البديل منح التظاهرات، ومن بعدها الثورات العربية، الشرعية، لأنه ساهم في نشرها وتقديمها إلى العالم كله بإعتبارها واحدة من أهم حقوق الإنسان، لافتة إلى أن أهم ما يميز الإعلام البديل هو الفورية في نقل الأحداث والتفاعل معها، ومن ثم تطويرها.

من جانبه، يرى الدكتور سامي السيد أستاذ العلوم السياسية، في إفادة لـquot;إيلافquot;، أن اقتصاديات وسائل الإعلام الالكتروني بحاجة الى إيضاح للتأكيد على أنها تحقق أرباحًا، ولا تعتمد على مموّل، له هدف معين، يسعى الى تحقيقه، مشيرًا إلى أن هذا الأمر يجعل مصداقية وسائل الإعلام على المحك، لاسيما التي كان يتردد أن مموليها من رجال النظام، واستمرت في الصدور، على الرغم من تحقيق خسائر.

وأشار السيد إلى أن الدور الذي لعبه موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك قبل الثورة، سواء في مصر او في اي بلد عربي، كان محوريًا، لاسيما في ما يتعلق بأماكن الالتقاء وتحديد المواعيد، مشيرًا الى أن هذه الامور لم تكن ممكنة من خلال اي وسيلة أخرى، في حال ما استخدمت الأنظمة وسيلتها في الضغط على مسؤولي هذه الصحف، لاسيما في ظل القوانين القمعية للصحافة والموجودة في التشريعات العربية.

وأكد ان الفجوة بين النظام الحاكم وتفكيره وتفكير الشباب وتحركاتهم كان لها الدور الاكبر في إنجاح هذه الثورة، مشيرًا الي ان سلوكيات خاطئة عدة ساهمت في ان تحقق الثورات في بلاد كثيرةاهدافها سريعًا مثلما حدث في مصر وتونس.

قصب السبق

وطبقاً لوجهة نظر كامل، فإن الإعلام البديل صاحب قصب السبق في كشف أخطر التجاوزات التي كانت سبباً في إندلاع الثورة المصرية، منها قضية عماد الكبير، ذلك الشاب الذي تعرض لهتك العرض أو أعتداء جنسي في قسم شرطة بولاق الدكرور، كما إنه صاحب الفضل في الكشف عن واقعة مقتل الشاب خالد سعيد على أيدي الشرطة، وكانت صفحة quot;كلنا خالد سعيدquot; واحدة من أهم الصفحات التي دعت إلى مظاهرات 25 يناير.

تتفق بثينة كامل مع حسين عبد الغني في أن ما بين الإعلام الإلكتروني والتقليدي تكاملاً، وليس تعارضًا، مشيرة إلى أن كلاهما ينقل عن الآخر، لكن الإلكتروني يعتبر الأكثر تأثيراً في فئة الشباب، بينما التقليدي الأكثر تأثيراً في من ينتمون إلى الفئة العمرية الأعلى.

المعاناة وليس الإعلام الإلكتروني

فيما يرفض جهاد عودة أستاذ السياسة الدولية في جامعة حلوان القول إن الإعلام الإلكتروني quot;صاحب الفضلquot; في إنجاح الثورات العربية، وقال لـquot;إيلافquot; إن الواقع أو الظروف التي كانت تعانيها الشعوب هي ما دفعتها إلى الثورة، معتبراً أنه كانت هناك مظاهر أو محاولات للحشد من دون الإعلام البديل في السابق، منها ما قامت به حركة كفاية في مصر، والمظاهرات الفئوية التي لم تكن تستند إلى فايسبوك.

لكن عودة لم يبخس الإعلام الإلكتروني حقه في مساندة تلك الثورات، وقال إن الإعلام بصفة عامة، والإلكتروني بصفة خاصة، لعب دوراً مهماً، وليس حاسماً، حيث كانت أداة للحشد وتنظيم صفوف المعارضين وتواصلهم، بعيداً عن السلطات. متوقعاً تنامي هذا النوع من الإعلام مع مرور الوقت، لاسيما أنه وسيلة إعلامية تفضلها الأجيال الجديدة، داعياً وسائل الإعلام التقليدية إلى تطوير نفسها، حتى لا يتجاوزها الزمن.

إعلام المواطن

الدكتورة ليلي عبد المجيد الأستاذ في كلية الإعلام جامعة القاهرة أكّدت أن دور الإعلام التقليدي أصابه الإضمحلال في المرحلة الأخيرة، ولم يعد يقدم الصورة الحقيقية والواقعية للمجتمع، الأمر الذي أدى إلى تنامي دور الإعلام الإلكتروني، الذي يعتمد بالأساس على ما يمكن وصفه بـquot;إعلام المواطنquot;، حيث صار المواطن هو من ينشر أخباره بنفسه على الشبكات الاجتماعية، وتتلفقها المواقع الإخبارية التي تفرد مساحات لهذا النوع من الصحافة.

وقالت عبد المجيد لـquot;إيلافquot; إن الإعلام الإلكتروني كان له دور مشهود في عمليات الحشد والدعوة إلى الثورات العربية، لاسيما أن تلك الصيحة الثورية أطلقها الشباب الذين انقطعوا عن الإعلام التقليدي منذ سنوات، وتحولوا إلى الإعلام الإلكتروني، لما يوفره لهم من ميزات منها التفاعلية المباشرة والفورية، وعدم وجود رقابة على ما يقوله أو ينشره، وهي الحرية المطلقة التي لا رقيب عليها سوى الضمير الشخصي.

ورغم المزايا العديدة للإعلام الإلكتروني، إلا أن له عيوب وأخطار، حسب رأي الدكتور ليلى عبد المجيد، وتوضح قائلة: إن عدم وجود ضوابط تحكم ما ينشر من أخبار ومعلومات وما يبث فيديوهات قد يسبب كوارث ويسيء إلى أبرياء، وما حدث في إمبابة من مشاحنات طائفية ليسإلا نتيجة لإستخدام هذا النوع من الإعلام بطريقة غير منضبطة، حيث يمكن نشر شائعات بسرعة جداً، والأمر يتطلب تقنين أو قوننة عمل الإعلام الإكتروني، ووضع قواعد تنظم عمله.

وأشادت عبد المجيد بصحيفة إيلاف الإلكترونية، معتبرة إياها نموذجاً للإعلام الإلكتروني المنضبط، الذي يمارس العمل الصحافي والإعلامي بمهنية وحرفية لا غبار عليها، حيث يتم التدقيق في ما ينشر على صفحاته، ويتحرى الموضوعية في العمل.