Meir Javedanfar

بدا أحمدي نجاد، الذي تولى الرئاسة في إيران عام 2005، البديل الأمثل، فخلال ولايته الأولى، كان بالنسبة إلى خامنئي جندياً متحمساً وخانعاً يطيع قائده، تماما كما كان خامنئي نفسه بالنسبة إلى آية الله الخميني، إذ تمتع خامنئي ببعض الصفات التي قربته من الخميني.
بدت الرسالة التي وجهها الرجل الأقوى في إيران واضحة: قد يُلغى منصب الرئيس في مرحلة ما في المستقبل، وفي هذه الحالة، قد يُستخدم النظام البرلماني لانتخاب مسؤولين يضطلعون بالمهام التنفيذية، فقد أعلن القائد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، في خطاب ألقاه قبل أيام في مدينة كرمانشاه: ldquo;لن نواجه أي مشكلة في تبديل البنية القائمة راهناًrdquo;.
يعود سبب هذا الإعلان إلى الصراع الدائر بين خامنئي والرئيس محمود أحمدي نجاد نتيجة الإرث الذي يود كل منهما تركه، ويأخذ خامنئي هذه المسألة على محمل الجد، إلى حد أنه هدد بإلغاء منصب الرئاسة بحد ذاته. يكتفي خامنئي حتى اليوم بالتهديد، ولكن لا يمكن للإيرانيين تجاهل كلامه هذا، خصوصاً أحمدي نجاد.
لا يحق لأحمدي نجاد الترشح للرئاسة لمرة ثالثة، عندما تنتهي ولايته الثانية في شهر يونيو عام 2013، لأن الدستور الإيراني ينص بكل وضوح على أن الرئيس لا يمكنه أن يتبوأ هذا المنصب لأكثر من ولايتين متتاليتين، لذلك، يدعم أحمدي نجاد، على ما يبدو، إسفنديار رحيم مشائي، ldquo;يده اليمنىrdquo;، في ترشحه لسدة الرئاسة كي يضمن استمرار مسيرته وإرثه. يأمل أحمدي نجاد على الأرجح أن يساعده فوز مشائي بالرئاسة في الاحتفاظ بمنصب قوي في الحكومة (مناورة إيرانية مماثلة لما قام به فلاديمير بوتين في حكومة ديمتري ميدفيديف). وعندما ينهي مشائي ولايته كرئيس، التي تدوم أربع سنوات، سيتمكن أحمدي نجاد من استغلال منصبه الرفيع في حكومة مشائي ليسعى مجدداً للفوز بسدة الرئاسة، وتثير هذه المناورة قلق خامنئي، وهو مصيب في مخاوفه هذه.
مشائي شخصية مثيرة للجدل، فالكثير من المحافظين يحتقرونه، ويعود كره البعض له إلى أخبار سرت عن أنه تزوج امرأة انتسبت سابقاً إلى حركة ldquo;مجاهدي خلقrdquo; المعارضة، التي كان يستجوب أفرادها في ثمانينيات القرن الماضي. كذلك، كثرت التقارير عن أن أخاه كان أيضاً عضواً في هذه الحركة، فضلاً عن ذلك، استاء كثيرون من إعلانه أن الشعب الإيراني لا يحمل أي ضغينة للشعب الإسرائيلي.
علاوة على ذلك، يلعب الحسد دوراً كبيراً في هذه المسألة، فبُعيد اقتران ابنة مشائي بنجل أحمدي نجاد، انطلقت مسيرته السياسية. كان مشائي في السابق سياسياً مغموراً، لكنه تحول راهناً إلى يد أحمدي نجاد اليمنى، حتى إن البعض يعتقدون أن مشائي هو الممسك بالسلطة الفعلية في حكومة أحمدي نجاد.
لكن كره مشائي لا يقتصر على السياسيين الإيرانيين، فقد عمد أخو أحمدي نجاد، داوود، إلى مهاجمته علانية، وانضم صهر أحمدي نجاد، مهدي خورشيدي، إلى الهجوم على مشائي، ويظن البعض أن داوود ترك منصبه كرئيس لوحدة التحقيقات الرئاسية بسبب مشائي. من الواضح، إذن، أن ترشح مشائي للرئاسة سيولد صراعات سياسية دامية داخل عالم إيران السياسي، صراعات قد تؤدي إلى أعمال عنف فعلية، ولا شك أن هذا آخر ما يريده نظام يواجه عقوبات ويعاني مشاكل اقتصادية، فضلاً عن معارضة الحركة الخضراء. لذلك، لا يرغب خامنئي في نشوب صراع كبير بين المحافظين، الذين يشكلون أكبر داعميه في العالم السياسي داخل الجمهورية الإسلامية.
بالنظر إلى كل ما تقدم، يكون تحذير خامنئي الأخير عن احتمال إلغاء منصب الرئيس في الغالب إنذاراً موجهاً إلى أحمدي نجاد، فهو ينقل إلى أحمدي نجاد رسالة مهمة، مفادها أن خامنئي، إذا شعر في أي لحظة أن الانتخابات التالية قد تؤدي إلى المزيد من العنف والانقسامات بسبب خطط أحمدي نجاد الشخصية، فهو مستعد لإلغاء هذا المنصب برمته. (ولربما يخشى خامنئي أيضاً ردود الفعل تجاه خطط عمدة طهران، محمد باقر قاليباف، للترشح للرئاسة، بما أن الكثير من المحافظين المتشددين يعارضونه).
لكن خامنئي قلق أيضاً بشأن إرثه الخاص، فبعد توليه منصب القائد الأعلى عام 1989، واجه خامنئي صعوبات جمة في تعاطيه مع أول رئيسين خلال عهده، علي أكبر هاشمي رفسنجاني وسيد محمد خاتمي. لذلك، بدا أحمدي نجاد، الذي تولى الرئاسة في إيران عام 2005، البديل الأمثل، فخلال ولايته الأولى، كان بالنسبة إلى خامنئي جندياً متحمساً وخانعاً يطيع قائده، تماما كما كان خامنئي نفسه بالنسبة إلى آية الله الخميني. تمتع خامنئي ببعض الصفات التي قربته من الخميني، ويذكر باقر معين، مؤلف كتاب ldquo;الخميني: حياة آية اللهrdquo;، أن هذا ما جعل الخميني خلال عهده، الذي دام عشر سنوات، يستقبل خامنئي أكثر من 150 مرة، فتفوق خامنئي بذلك على أي مسؤول آخر في الحكومة بأكملها. لكن هذه المودة سرعان ما اختفت خلال ولاية أحمدي نجاد الثانية، حين بدا الرئيس كما لو أنه يتحدى خامنئي. لا نعرف كم سيطول عهد خامنئي كقائد أعلى. لكنه قرر، على ما يبدو، أنه لا يريد خلال ما تبقى من عهده هذا التعامل مع رئيس وأنه ضاق ذرعاً بتصرفات الرؤساء. ولن تكون هذه المرة الأولى. فخلال عهده كرئيس بين عامَي 1981 و1989، واجه خامنئي مشاكل جمة في تعامله مع رئيس الوزراء آنذاك مير حسين موسوي. وقد ساءت علاقتهما إلى درجة أن موسوي حاول تقديم استقالته، حسبما أشارت بعض التقارير، إلا أنه تراجع عنها بسبب إصرار الخميني.
عندما كان خامنئي رئيساً، بدت سلطته محدودة، ولكن حين أصبح القائد الأعلى، لم يعترض على تعديل الدستور وإلغاء منصب رئيس الوزراء. ويستطيع اليوم تكرار الأمر عينه مع منصب الرئيس، فبما أن الاستقرار بات مهدداً، فلمَ لا يلغي منصب مساعد الطيار ويقود طائرة الجمهورية الإسلامية منفرداً؟ ففي النهاية، يشكل الصراع مع مساعد الطيار مصدر إلهاء، وقد يؤدي إلى تحطم الطائرة. ومع تركيبة الحكم الجديدة، سيغدو البرلمان أضعف من أن يشكل خطراً على استقرار النظام. لربما يخطط خامنئي أيضاً لخلافته، بما أن التخلص من منصب الرئيس قد يؤثر في اختيار القائد الأعلى التالي في إيران. من المحتمل أن يكون خامنئي قد قرر أن يسلم هذا المنصب لابنه مجتبى أو أن يستبدله بشخصية أخرى أكثر ضعفاً في حرس الثورة الإسلامية الذي يتحكم بمفاتيح السلطة السياسية في البلد.
ومع انشغال خامنئي بكل هذه السيناريوهات، قرر على الأرجح أن وجود رئيس قد يؤدي إلى انقسام يمكن أن يستغله أعداء النظام. نتيجة لذلك، رأى أن من الأفضل إلغاء منصب الرئيس كي يضمن سهولة انتقال الحكم إلى القائد الأعلى التالي ووضوح معالم السلطة بعد توليه هذا المنصب.
لا يتمتع علي خامنئي بالشرعية التي امتلكها الخميني، ما يبرر خوفه من الرؤساء خلال عهده، ولا شك أن مجتبى خامنئي سيتمتع بمقدار أقل من الشرعية مقارنة بعلي خامنئي، لذلك، يشكك هذا الأخير في جدوى منصب الرئاسة.