سمير عطا الله

عاد الزعيم الدرزي وليد جنبلاط فعاد إلى 14 آذار، أو إلى فضائها. وعاد فخرج من 8 آذار، أو من فنائها، وفي الخروج والعودة وما بين بين تأمله اللبنانيون، في 8 وفي 14 والذين بين بين، وقالوا ها هو يتقلب من جديد ولن يخرج من عادته، فهو بعكس والده تماما، كمال جنبلاط، ذلك المفكر اليساري التصوفي الاشتراكي، الذي أمضى 54 عاما في مكانه، لا يزيح ولا يزاح.

غير أن كمال جنبلاط اغتيل أيضا وهو في ذلك المكان، ووليد جنبلاط حي في كل الأمكنة التي تنقل فيها، ومعه طائفته التي تبحث أيضا عن بقائها، في عالم الطوائف المتحول. يتخذ تقلب وليد جنبلاط لونا خاصا بسبب خصوصيته: ظرف وذكاء وتسلق وتزحلق وقفز مثل أبطال النمسا. يبدو متململا حيث هو، يحك فوده الأيمن، يكرر الجملة، يطرح التساؤلات، ثم يرمي استسلامه على الغير: laquo;إلى أين؟ إلى أين؟ لا أدريraquo;.

ليس هناك سياسي لبناني لم يتقلب، في مكانه، أو في مكان سواه، أو في أمكنة ليست له ولا لسواه، لكن بلا وقع ولا إيقاع.. وليد جنبلاط أوركسترا السياسة اللبنانية، مجموعة آلات تعزف سيمفونية واحدة: وداعا وإلى اللقاء، وإلى اللقاء ووداعا.

عندما قرر الخروج من 14 آذار حيث قلبه، إلى 8 آذار حيث تعقله، ظن أن دمشق لن تخبئ فرحتها بالعودة، لكن دمشق رسمت له طريقا طويلا من الذل والاعتذار وحك الفود الأيمن، وقبل أن تستقبله جعلته يمر على جميع حلفائها الذين حك فوده في وجوههم: من إميل لحود، إلى ميشال عون، إلى غداء عند وئام وهاب في بلدته laquo;الجاهليةraquo;. تقبل كل ذلك وانتهى الأمر بلقاء يتيم مع الرئيس بشار الأسد. شعر زعيم الدروز بالإهانة، وتصرفت دمشق بالطريقة نفسها حيال سعد الحريري.. جعلته يقدم اعتذارا غير مباشر، ثم استقبله الأسد، ثم لم يعد يريد استقباله.

سوريا أدرى بمصالحها، لكنني لا أعرف لماذا خسرت عائدين لبنانيين في هذا الحجم بهذه الطريقة بهذه السرعة. وليد جنبلاط هو، حتى إشعار آخر، الزعيم السياسي للدروز في كل مكان، وقد أعلن قبل أيام أنه سوف يتخلى عن رئاسة الحزب الاشتراكي وعن الزعامة، ولكن laquo;إلى أين؟ إلى أين؟raquo;. يحتاج الاشتراكيون والدروز إلى وقت طويل للعثور على بديل للرجل المصاب بحكة في فوده الأيمن، ذلك المزيج من الديمقراطية والاشتراكية والإقطاع والصلابة، والقتال والدبلوماسية، والعلاقات العربية والدولية، خصوصا الظرف المصفى. زعيم جبلي على طلاقة عجيبة بالفرنسية والإنجليزية وتلعثم تزلقي بالعربية: laquo;إلى أين؟ إلى أينraquo;.

تعرف دائما من أين قدم وليد جنبلاط، أما laquo;إلى أين إلى أينraquo; يذهب ومتى ولماذا؟ فهو وحده يعرف. يقرأ على بلورة سحرية ويحك فوده الأيمن ويربح بطولة سباق التزلج المتعرج في النمسا.