خيرالله خيرالله

في الذكرى السابعة لغياب ياسر عرفات، محدد الهوية الوطنية الفلسطينية الحديثة، يبدو مشروعا التساؤل اين نجح واين فشل هذا الرجل الكبير الذي كان على باب قوسين او ادنى من تحقيق حلم الدولة الفلسطينية المستقلة على ارض فلسطين.
في الحادي عشر من نوفمبر 2004، غاب الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني. غاب الرجل الذي استطاع وضع فلسطين على الخريطة السياسية للشرق الاوسط. ذلك هو الانجاز الاستثنائي الذي حققه ياسر عرفات الذي لم يستطع للاسف الشديد اتخاذ قرار تاريخي بإنهاء النزاع بطريقة او باخرى بما يحقق الحد الادنى من الحقوق الفلسطينية.
الثابت أن اسرائيل الرافضة لايّ تسوية تضمن قيام دولة فلسطينية laquo;قابلة للحياةraquo; لم تساعد في ذلك. لكنّ الشجاعة تقتضي الاعتراف بأن العرب لم يساعدوا laquo;ابو عمّارraquo;، بل جعلوه في كل وقت مضطرا إلى أن يحارب على غير جبهة. في الاساس، أن الخطأ الفلسطيني خطأ عربي في وقت لم يتغيّر الهدف الاسرائيلي القاضي بالاستيلاء على اكبر مساحة ممكنة من الارض الفلسطينية، بما في ذلك القدس الشرقية استكمالا لحرب العام 1967 التي لم يستطع العرب فهم النتائج المترتبة عليها. وقعت حرب 1967 لأن معظم العرب لم يستوعبوا دروس الحرب السابقة في العام 1948. لم يستوعبوا خصوصا أنه كان عليهم القبول بقرار التقسيم وأن لعدم قبولهم به ثمنا.
بدل التعاطي مع قرار التقسيم بشكل ايجابي، شنّوا حربا مكّنت اسرائيل في العام 1948 من احتلال مزيد من الارض وتهجير اكبر عدد ممكن من الفلسطينيين من مدنهم وقراهم.
لم يدرك العرب في العام 1948، باستثناء الملك عبدالله، جدّ الملك الحسين، رحمه الله، أن قرار التقسيم جزء من عملية رسم خريطة الشرق الأوسط التي بدأت تتبلور منذ اتفاق سايس- بيكو في العام 1916، ثم وعد بلفور في العام 1917. اتّهم الملك عبدالله بالخيانة كونه حاول ادخال بعض المنطق وبعض الوطنية الحقيقية إلى التفكير العربي السائد الذي راح الفلسطينيون ضحيته!
للمناسبة، ومجرد المناسبة، حافظ الاردن على القدس في العام 1948. خاض جيشه، الجيش العربي، معارك طاحنة دفاعا عن المدينة وبغية المحافظة عليها وعلى عروبتها. لم تسقط القدس الاّ في العام 1967 نتيجة التخاذل العربي والمزايدات والخدع التي تعرّض لها الملك الحسين والجيش العربي الذي روت دماؤه اسوار المدينة وشوارعها...
ترك laquo;ابو عمّارraquo; فراغا ضخما يصعب على اي شخص ملؤه في غياب المؤسسات الفلسطينية... وترك قضية لا تزال عالقة منذ بداية القرن الماضي. ربّما كان غياب المؤسسات الفلسطينية من نقاط الضعف التي عانى منها الفلسطينيون في مرحلة ما بعد laquo;ابو عمّارraquo;، نظرا إلى أن الرجل كان يعتقد أن في استطاعته اختزال المؤسسات في شخصه وأن عليه أن يكون في كلّ مكان وأن يتدخل في كل كبيرة وصغيرة.
اذا اخذنا في الاعتبار الظروف التي رافقت صعود نجم ياسر عرفات ومعه laquo;فتحraquo;، نجد أن ما حققه الرجل كان اقرب إلى معجزة من اي شيء آخر. يكفي أنه انتزع القضية الفلسطينية من براثن بعض العرب الذين لم يكن لديهم همّ سوى المتاجرة بالشعب الفلسطيني للمحافظة على أنظمتهم...
لا شكّ أن ياسر عرفات ارتكب اخطاء كثيرة. لا مجال لتعداد هذه الاخطاء الآن، علما أنه كان في استطاعته تفاديها، أكان ذلك في الأردن أو لبنان، حيث استخدمه النظام السوري في عملية تفتيت البلد واثارة النعرات الطائفية والمذهبية خدمة لاهداف خاصة به... او تجاه الكويت في العام 1990. ولكن بعد سبع سنوات على رحيله في ظروف قد تكون غامضة كما قد تكون واضحة اكثر مما يجب، لا يزال السؤال الكبير الذي يطرح نفسه هل اضاع laquo;ابو عمّارraquo; الفرص التي اتيحت له ولم يستطع استغلالها إلاّ بعد فوات الآوان؟
انه بالفعل السؤال الكبير الذي يطرح نفسه بإلحاح أكثر من أي وقت في ظل التعقيدات التي تواجه القضية الفلسطينية في السنة 2011 والتي تجعل شخصا مثل رئيس السلطة الوطنية السيد محمود عبّاس (ابو مازن) يفكّر جديا في حل السلطة مع ما يعنيه ذلك من عودة الاحتلال إلى الضفة الغربية.
في النهاية، يظل الاحتلال الصريح أفضل من الاحتلال المقنّع الذي تحاول إسرائيل فرضه!
بعد سبع سنوات على غياب ياسر عرفات، هل يمكن البناء على ارثه وتفادي الأخطاء التي وقع فيها. على رأس هذه الأخطاء التساهل مع خصومه إلى حد السماح للنظام السوري والعراقي بأن تكون لكلّ منهما مجموعته الفلسطينية المسلحة الخاصة به (الصاعقة وجبهة التحرير العربية) وذلك في مقابل ابقاء الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان على حساب سيادة البلد ووحدة أبناء شعبه بصفة كونه laquo;ساحةraquo; لا أكثر.
ليس سرّا أنه كان في استطاعة ياسر عرفات الإقدام على خطوة شجاعة في العام 1976 عندما طلب منه الرئيس كارتر الاعتراف بالقرار 242 laquo;مع ابداء التحفظات التي يريدهاraquo; على نص القرار. فكارتر تحدث منذ دخوله البيت الأبيض عن الحاجة إلى laquo;وطن للفلسطينيينraquo;. كان في استطاعة laquo;ابو عمّارraquo; أيضا الاستفادة من التحرك المصري الذي بدأ بزيارة الرئيس الراحل أنور السادات للقدس المحتلة وإلقاء خطاب في الكنيست. رضخ ياسر عرفات للمزايدات والمزايدين الذين كانوا يريدون مصادرة القرار السياسي الفلسطيني المستقل في مقابل إبقاء السلاح الفلسطيني محصورا في لبنان. الأكيد أن إسرائيل لم تكن ضدّ ذلك. لم تكن يوما ضدّ الوجود العسكري السوري في لبنان أو ضدّ إشغال الفلسطينيين بالحروب الصغيرة في هذا البلد العربي أو ذاك!
حتى بعد توقيع اتفاق اوسلو في العام 1993، لم يستغلّ ياسر عرفات عامل الوقت. لم يدرك أن الوقت لا يعمل لمصلحته. ترك خصومه من إسرائيليين وعرب وغير عرب، ينسفون كلّ ما تحقق منذ وطئت قدماه أرض فلسطين. سحبت جبهة الرفض العربية - الإسرائيلية - الإيرانية البساط من تحت رجلي ياسر عرفات. لم تقبل هذه الجبهة حتى أن يلقي ياسر عرفات كلمة، تنقل عبر الأقمار الاصطناعية، في القمة العربية التي انعقدت في بيروت في العام 2002. بعد ذلك، راح الذين حالوا دون إلقاء الكلمة يدعمون توجه laquo;ابو عمّارraquo; المحاصر إلى عسكرة الانتفاضة كونهم يعرفون أن ذلك سيقضي عليه!
المستغرب أنه إلى الآن، لم ينشر التقرير المتعلق بظروف وفاة الرجل. ربما كان ضحية تسميم أو ما شابه ذلك، وربما مات موتا طبيعيا. ألا يستأهل الفلسطينيون معرفة ظروف وفاة زعيمهم التاريخي ولو بعد مضي سبع سنوات على ذلك؟
من يتمعّن في إرث ياسر عرفات، يكتشف أنه كان بالفعل رجلا استثنائيا. وضع فلسطين على الخريطة السياسية للشرق الأوسط. أنّه يقرع أبواب القدس يوميا من حيث هو، لكنه لم يحسن أن يقطف في كلّ مرة حان فيها وقت القطاف. ربما بقي أسير عقدة ماذا سيرد عنه في كتب التاريخ وماذا سيقول عنه العرب، علما أنه كان يعي في كلّ لحظة أن عليه أن يحارب على غير جبهة وحيدا في معظم الأحيان!