سركيس نعوم

قبل أسابيع أعلن رئيس حكومة quot;حزب العدالة والتنميةquot; الاسلامي الحاكم في تركيا رجب طيب أردوغان اعتزامه زيارة منطقة quot;هاتايquot; التركية الحدودية مع سوريا (لواء الاسكندرون السوري سابقاً) وأعلن أيضاً اعتزام حكومته فرض عقوبات على النظام السوري بسبب تجاهله النصائح الاصلاحية التي قدمها له منذ بدء الانتفاضة الشعبية السورية عليه في 15 آذار الماضي، واستمراره في قمع شعبه المطالب بالحرية والديموقراطية وبسقوطه أيضاً. إلا ان أياً من الاعلانين المشار اليهما لم يُنفَّذ. إذ لا الزيارة إلى quot;هاتايquot; تمت ولا العقوبات على نظام الأسد فُرَضت. وتساءل عن أسباب ذلك الثائرون السوريون الذين عوّلوا على دور تركي مساعد لحركتهم على رغم الاحباط الذي شعروا به جراء ترددها في تقديم مساعدة عملية لهم اكثر من مرة في السابق. كما تساءلت عن الأمر نفسه جهات كثيرة سياسية وشعبية عربية واسلامية.
هل من أجوبة عن هذا النوع من التساؤلات؟
الجواب الرئيس تقدمه مصادر ديبلوماسية متابعة لاوضاع تركيا بكل تفاصيلها كما الاوضاع الاقليمية الحالية، وهو يفيد ان العملية العسكرية التي قام بها متمردو حزب العمال الكرستاني داخل تركيا قبل اسابيع، والتي تسببت بقتل 24 جندياً، دفعت حكومة أردوغان الى اعطاء الاولوية المطلقة لمواجهة هذا الحزب المتمرد، والساعي بكل قوة الى استقلال أكراد تركيا أو إلى تمتعهم بنوع من الحكم الذاتي. ويفيد ايضاً ان اشتباه أردوغان وحكومته بدور اقليمي ما، سوري أو ايراني أو سوري وإيراني في آن واحد في تصعيد الحزب المذكور عملياته وذلك من أجل ارباك تركيا وتعطيل تحركها المعارض أو المعادي للنظام السوري، يفيد ان هذا الاشتباه قد يكون لعب دوراً أساسياً في تحويل الأولوية الى الداخل التركي والخطر الكردي عليه، بعدما كانت شبه مقتصرة على سوريا وأوضاعها. وقد تم التعبير عن ذلك بعودة الجيش التركي مرة جديدة، وقد لا تكون أخيرة، الى مهاجمة اماكن تمركز المتمردين الأكراد ndash; الاتراك في المناطق العراقية الجبلية المتاخمة لتركيا. لكن السؤال الذي طرح نفسه في تلك الأثناء ولا يزال يطرح نفسه هو: هل ان ملاحقة المتمردين على اراضي دولة أخرى مجاورة سيحقق الانتصار عليهم؟ والجواب عنه هو: قطعاً لا. واسباب ذلك كثيرة. منها ان الوضع غير المستقر في العراق، وممارسة أكراده حكماً ذاتياً يقرب من الاستقلال التام، ومعه غياب السلطة المركزية القوية عن محافظاته والأقاليم، يجعل الدولة فيه والمؤسسات عاجزة عن مواجهة متسللين أكراد من تركيا الى اراضيها وعن منع اقامة مخيمات مسلحة عليها. ومنها ايضاً وجود المخيمات في منطقة كردية عراقية يخلق تعاطفاً من سكانها معها وربما تواطؤاً وذلك على رغم نفي حكامها الأكراد العراقيين ذلك امام المسؤولين الأتراك. ومنها ثالثاً ان المخيمات الكردية التركية في العراق ليست كلها في منطقة واحدة، فأهمها في جبل قنديل القريب من ايران. وبعضها الآخر على بعد كيلومترات قليلة من الحدود العراقية ndash; التركية. والانطلاق منها كلها لتنفيذ عمليات ضد العسكر التركي أقرب إلى النجاح من عمليات عسكرية تركية نظامية ضد منفذيها. فـquot;النصرquot; عليها، اذا كان ممكناً، يحتاج الى اجتياح كامل للعراق أو على الأقل لمنطقته الكردية. وذلك ليس متاحاً مادياً ولا ضوء أخضر له داخل تركيا أو من المنطقة والمجتمع الدولي.
في اختصار تقول المصادر الديبلوماسية نفسها المتابعة أوضاع تركيا بتفاصيلها وأوضاع المنطقة ان الخطر الذي يمثله أكراد تركيا اللاجئون الى سوريا يبقى على رغم وجوده اقل من خطر اخوانهم الذين في العراق. أولاً، لأن سوريا في أزمة عميقة بل في ثورة أكرادها جزء منها. ولأن جيشها لا يوجد بكميات كبيرة في المناطق القريبة من الحدود التركية. وتقول ايضاً ان خطر متمردي تركيا من الأكراد اللاجئين الى العراق على أهميته يبقى أقل من اخوانهم المتمردين المقيمين داخل تركيا. لماذا؟ لأن المتمردين الأكراد أقاموا بنية تحتية مهمة في مناطقهم التركية، وأنشأوا مخيمات، وأماكن تدريب، ومنها كلها تنطلق العمليات quot;الفدائيةquot;. وبموجب هذه البنية التحتية قامت ادارات موازية في مناطق الأكراد تجبي الضرائب، وتسيّر الادارات الرسمية، وتعطي الأوامر والتوجيهات للشعب وللمسؤولين فيها.
كيف تستطيع تركيا حل مشكلة التمرد الكردستاني عندها اذا كان العمل العسكري لا يحلها؟