اليمن: صنعاء بين رغبة الجنوب في الفيديرالية واستقلال الحوثيين

منذ عشرة شهور، يتزاحم ملايين اليمنيين في عدد من المدن الرئيسية لمعارضة حكم الرئيس علي عبدالله صالح والدعوة لإسقاطه.

وفيما يتوحدون في الشعار العام laquo;الشعب يريد اسقاط النظامraquo;، فإنهم يتباينون الى حد الاختلاف والتعارض بين بعض مكوناتهم، التي تتسع من laquo;الحوثيينraquo; في أقصى الشمال حتى laquo;الاستقلاليينraquo; في أقصى الجنوب، مروراً بالقبيلة والعسكر في صنعاء و laquo;اللقاء المشتركraquo; والشباب في صنعاء وتعز وغيرها من المحافظات، مع خصوصية تتعلق بالتحالف الاجتماعي لحزب الإصلاح مع قبائل في الجوف وصنعاء وعمران، بما هو أقوى من تحالفاته مع المكونات الحزبية السياسية في اللقاء المشترك.

المستقلون

تزدحم الساحات اليمنية، بمكون مستقل من كتلتين:

الأولى، النشطاء الحزبيون الذين لم يعد لهم علاقات تنظيمية بأحزاب اللقاء المشترك. غالبية هؤلاء ينتمون للتجمع اليمني للإصلاح، والحزب الاشتراكي اليمني، مع حضور نوعي في محافظة تعز للتنظيم الوحدوي الناصري، ورموز عدة أعلنت استقالتها من الحزب الحاكم laquo;المؤتمر الشعبي العامraquo; والتحقت بالثورة.

غالبية هؤلاء المستقلين من الذين لا تتجاوز أعمارهم الأربعين، وهم ممن انخرطوا في الشأن العام عبر الحركة الحقوقية المدنية خلال السنوات العشر الأخيرة.

وفيما قاد نشطاء ناصريون واشتراكيون أول اعتصام في شوارع تعز، شهدت العاصمة صنعاء توجهين للمسيرات، كانت laquo;توكل كرمانraquo;، القادمة من laquo;التجمع اليمني للإصلاحraquo;، تقود مسيرات في محيط جامعة صنعاء غالبيتها من شباب الاصلاح والقريبين منهم، وكان نشطاء من مستقلي الحزب الاشتراكي واعضائه يقودون تظاهرات في شارعي حدة وكلية الشرطة، بالقرب من معسكري الأمن المركزي ودار الرئاسة.

وتوحّد متظاهرو صنعاء عشية سقوط الرئيس المصري محمد حسني مبارك في محاولة التجمع في ميدان التحرير، قبل أن يستقر بهم الحال أمام جامعة صنعاء، في ظل مواجهات يومية مع السلطات.

الكتلة الثانية، من ذوي المصالح المتضررة من سياسات السلطة، من مثقفين وحِرَفيين، من مختلف الأعمار، والذين لا ينتمون للأحزاب ولا لمنظومة القبائل ومصالحها. وهم أكثر مَن رفعت الثورةُ الشعارات التي تعبِّر عن مشاكلهم وتصوراتهم للحياة العامة في شقيها الاجتماعي والاقتصادي.

ويمكن اعتبار هؤلاء المستقلين، أنشطَ مكونات الثورة، وأكثرَها ارتباطاً بشكلها الحديث ووسائلها، المرتكزة على وسائل الاتصال الحديثة.

غير أنهم متفرقين في مئات من المكونات، غالبيتها عبارة عن أسماء على الإنترنت أو في خيمة من خيم ساحة الاعتصام، وليس لهم مكون جامع، باستثناء ما أسسه المستقيلون من المؤتمر الشعبي العام، الذين أعلنوا في 18 نيسان (أبريل) 2011 تأسيس تحالف laquo;تنظيم العدالة والبناءraquo;، الذي يضم الكتلة البرلمانية والوزراء المستقيلين وعدد من القيادات الحزبية المرموقة في المؤتمر، منهم محمد ابو لحوم رئيس دائرة العلاقات الخارجية، ويحيى الشامي رئيس هيئة الرقابة.

وخلال الأشهر الطويلة للثورة، خاض المستقلون معاركَ عديدة داخل الساحات ضد المكونات الأخرى، بالأخص ضد مكوني laquo;الاصلاحraquo; والقبائل والعسكر المتحالفين معهم في الشعار العام.

وفيما كانت معارك الساحات تنتهي في الغالب ضد المستقلين، ويُقْصَوْن بتهم عدة أغلبها ادعاء خصومهم بأنهم أتباع للنظام، كما حدث في ساحتي تعز والحديدة، أو بتهمة laquo;شق الثورةraquo;، كما بررت ساحة صنعاء الاعتداء على الناشطات والناشطين الذين يرفضون التنازل عن شعاراتهم وخطاباتهم واستقلال رؤيتهم.

غير أن هؤلاء الشباب سرعان ما يستعيدون قوتهم في أول تجدد للصراع العام مع النظام، أو لعوامل أخرى، كما حدث للناشطة الأبرز من هذه الساحة laquo;توكل كرمانraquo;، الحائزة جائزة نوبل، والتي رغم عضويتها في اللجنة المركزية لحزب التجمع اليمني للإصلاح، فإنها تعمل باستقلال عن الحزب، وإن تحت اطار حمايته الميدانية لها، لكنها تعرضت للإقصاء من ساحة صنعاء، لرفضها المستمر السيطرة الحزبية على الساحة، ولولا laquo;جائزة نوبلraquo; لكانت مُنعت من الصعود الى منصة ساحة التغيير التي تديرها لجنة تنظيمية نصبها laquo;اللقاء المشتركraquo;، ومكونها الأساس ناشطون من التجمع اليمني للاصلاح، يتحكمون بالمال والقوة في الساحة.

الحوثيون

هم الأداة التنظيمية التي أفرزتها ستة حروب أهلية في محافظة صعده على حدود المملكة العربية السعودية.

كانت الحرب بين السلطة المركزية في صنعاء وبين الحوثيين تنمو بنشاط وحيوية بعيداً من خيارات المركز، أو بالأدق laquo;خارج محددات خياراتهraquo;.

كما شاركت فيها صراعات laquo;الزيديةraquo; القبلية مع laquo;الزيديةraquo; الدينية، حيث شهدت مناطق شمال الشمال صراعات محلية قاسية بين المكونين. وبالاضافة الى تقاطعات الصراع المذهبي-الاجتماعي-التاريخي في اليمن من ناحية، وفي المحيط الاقليمي من ناحية أخرى، فقد أفضت الحروب الستة الى تعزيز نفوذ laquo;الحوثيينraquo; كممثلين محليين بشعار laquo;ديني زيديraquo; في مواجهة التحالف الحاكم، الذي يُعَدّ آخر ما بقي للرئيس علي عبدالله صالح من التحالفات، وهو آخر من التحق بالثورة، ممثلاً بقيادة قبيلة حاشد، وبالقيادة العسكرية لتلك الحرب، التي تولاها اللواء المنشق علي محسن الأحمر.

وبالنتيجة، فإن الحوثيين تعاملوا مع الثورة باعتبارها laquo;امتداداًraquo; لحروبهم الستة ضد سلطة صنعاء.

ميدانياً، هذا المكون هو الوحيد الذي أسقط إحدى المحافظات بيده، وهي laquo;محافظة صعدهraquo;، حيث أعلن محافظ المحافظة laquo;استقالتهraquo;، فنصَّب الحوثيون فارس مناع، رئيس لجنة الوساطة بينهم وبين السلطة أيام الحروب، محافظاً لهاً، وهو سبق أن أسس مؤتمر السلام بعد صراع مع المؤسسة الأمنية، التي تتهمه بدعم الحرب باعتباره تاجر سلاح معتمد في سوق السلاح الدولي.

وأفشل محاولةَ الحوثيين تكرارَ الأمر في محافظة laquo;الجوفraquo; المحاذية لـ laquo;صعدهraquo;، اشتعالُ حرب بينهم وبين فصيل ثوري آخر يضم تحالفاً قبلياً مع اللقاء المشترك المعارض، وهي الحرب التي أبقت المحافظة بلا مسؤول متفق عليه حتى اليوم.

القيادة العسكرية المنشقة

منذ 21 آذار (مارس)، أعلن اللواء علي محسن الأحمر، قائد المنطقة الشمالية الغربية، انشقاقَه عن الرئيس علي عبدالله صالح والانضمام لـ laquo;مهمة حماية الثورة ومساندتهاraquo;. والمنطقة الشمالية هي إحدى أربع مناطق تدير laquo;اليمن العسكريraquo; تحت قيادة القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو رئيس الجمهورية.

غير أن علاقة قوية تجمع اللواء علي محسن أيضاً laquo;باليمن القبليraquo;، من خلال علاقته بمراكز النفوذ الاجتماعي، باعتبارها آخرَ من بقي من حلفاء بدايات عهد الرئيس صالح.

ولطالما ظل اللواء علي محسن الأحمر يُعرف بـ laquo;علي محسن صالحraquo;، وlaquo;الأخ غير الشقيقraquo; للرئيس علي عبدالله صالح، قبل أن تُحدث الثورة صراعات بينهما حتى على الاسم والمنطقة، حيث يسمي أتباعه الرئيس علي عبدالله صالح بـ laquo;علي صالح عفاشraquo;، نسبة الى حصن تاريخي في منطقته يسمى عفاش. ولتجنيب اسم laquo;الأحمرraquo; آثارَ الصراع مع laquo;علي محسنraquo;، جرّده انصار الرئيس صالح في المقابل من لقب laquo;الأحمرraquo;. لكن الثابت أن العَلِيَّيْن ينتميان لسنحان، وهي المنطقة التي ينتمي لها قادة جيش laquo;صالحraquo;.

بقي laquo;الأحمرraquo; يدير منطقته العسكرية بالطريقة نفسها التي أسس بها هو وصالح عهد الحكم، حيث النفوذ العسكري تعبير عن laquo;نفوذ اجتماعيraquo; أكثر من كونه laquo;عملاً محترفاًraquo;.

كما تجمع laquo;علي محسنraquo; علاقةٌ بالاسلاميين، سواء laquo;التجمع اليمني للإصلاحraquo; أو مَن عرفوا باسم laquo;المجاهدينraquo; بسبب قتالهم الى جانب ما سمي laquo;قوات الشرعيةraquo; في حرب العام 1994، التي أقصت شريك الوحدة الجنوبي laquo;الحزب الاشتراكيraquo; من الحكم، وإليها ينتمي رموز في تنظيم القاعدة أو تنظيمات جهادية أخرى لا تهتم بمواجهة الغرب بقدر اهتمامها بالتعبير عن تطرف ديني وعنف سياسي واجتماعي.

وفيما تُعَدّ العلاقةُ القوية التي تجمع laquo;محسنraquo; برموز من الذين ورثوا laquo;نفوذraquo; الحزب الاشتراكي في الدولة الجنوبية، واحداً من عوامل قوته، منذ كان يتولى ترتيب شؤونهم بالاتفاق مع الرئيس علي صالح قبل قيام الوحدة، حين كانوا يفرون من صراعات laquo;الاشتراكيينraquo;، فإن laquo;محسنraquo; دخل الثورة مثقلاً بصراعه مع الحوثيين من جهة، ومن جهة أخرى بإرث laquo;الصراعraquo; الجنوبي الذي كان هو أحد أبرز وجوهه عام 1994 وما تلاه، من إحلال قوى اجتماعية في الجنوب.

القبائل

كان الشيخ الذي ينتمي لقبيلة بكيل laquo;أمين العكيميraquo;، هو أول مرجعية قبلية أعلنت انضمامها للثورة في صنعاء.

العكيمي هو أحد قادة ما يسمى جيش الحدود الشعبي مع المملكة العربية السعودية في حدود محافظة الجوف، وأحد أعضاء الكتلة البرلمانية للتجمع اليمني للإصلاح، ويخوض حرب ثأر طويلة مع حلفاء للرئيس علي عبدالله صالح في منطقته، والأهم هو أنه صهر الشيخ laquo;حسين عبدالله الأحمرraquo;.

وعلى الرغم من أنه يترأس ما يسمى laquo;مجلس مشائخ قبيلة بكيلraquo;، فإنه أقرب للمرجعية laquo;الحاشديةraquo; للسلطة القبلية في اليمن، التي تعبِّر عنها أسرة الشيخ laquo;عبدالله الأحمرraquo;.

ومع انضمام مرجعيات قبيلة من المحافظات القبلية في الشمال والجنوب الى الثورة، فقد ساهم اعلان أولاد الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر laquo;العشرةraquo; انضمامَهم للثورة، وانسحاب بعضهم من مناصبهم الرسمية في الجهاز المدني لدولة الرئيس صالح، وتعليق عضوياتهم من حزبه الحاكم laquo;المؤتمر الشعبي العامraquo;، في إضفاء الصبغة laquo;الحاشديةraquo; للوجه القبلي للثورة. وعلى الرغم من أن إعلانهم تأييدَ الثورة ساهم في تداعي التحالف المشيخي لسلطة الرئيس علي عبدالله صالح، فإن وضوح هذه الصبغة ساعدت أيضاً في laquo;بثraquo; القلق القبلي لدى خصوم laquo;أسرة الأحمرraquo;، واستغلها الرئيس علي عبدالله صالح بذكاء laquo;قبليraquo;، حيث كان يقبل laquo;أى جهود وساطة قبليةraquo; تقوم بها قبيلته laquo;حاشدraquo; مع مشايخها laquo;عائلة الأحمرraquo;.

ومثَّلَ تكرار اعلانه رفض laquo;الحرب الشاملةraquo; ضد خصومه، واتصاله باللواء المنشق عنه بعد ساعات من اعلانه الانشقاق، والذهاب للقائه بعد يومين من ذلك، ومحاولته التوصل لاتفاق قبلي بين laquo;عائلة الأحمرraquo; وبين laquo;الجيش والأمنraquo;، رسائلَ دائمة لـ laquo;حاشدraquo;، التي وجدت نفسها تقف على الحياد لأول مرة في تاريخ صراع مشيختها مع laquo;الدولةraquo; منذ تولى الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر المشيخة فيها.

حتى أن laquo;محافظةraquo; عمران، التي يمثل أبناء الشيخ عبدالله وأصهارهم أكثر من نصف دوائرها الانتخابية في البرلمان، توقفت عن أى نشاط laquo;ثوريraquo;، جماهيري. ومع أن عدداً من كبار مرجعيات المحافظة يؤيدون الرئيس صالح، فهم أيضاً لم laquo;يقيموا أى أنشطةraquo; في المحافظة. هذا التوازن السلبي كان تنفيذاً لاتفاق يتمثل في أن laquo;من أراد دعم الثورة أو السلطة فليذهب الى صنعاءraquo;.

الحراك الجنوبي

يُعَدّ laquo;الحراك الجنوبيraquo; الذي بدأ أنشطته تحت شعار laquo;القضية الجنوبيةraquo;، أولَ نشاط سلمي في دورة حكم laquo;الرئيس علي عبدالله صالحraquo; الجديدة التي بدأت بعد انتخابات 2006.

الحراك الذي انطلق في الأشهر الأولى من العام 2007، بدأ بالحديث عن حقوق الموظفين الجنوبيين المقصيين من دولة الوحدة، مصعداً من خطابه ونضاله حتى وصل الى شعار laquo;الشعب يريد تحرير الجنوبraquo;، الذي ترفعه الآن رسمياً ساحة الثورة في أكبر تجمع جغرافي في محافظة عدن، الذي تشكله المدن المرتبطة بساحة laquo;المنصورةraquo; التي أعلنت الانشقاق عن ثورة التغيير وتبني شعار الاستقلال في شباط ( فبراير).

ومن الملفت أن ساحة المنصورة العدنية وساحة laquo;مدينة سيئونraquo; الحضرمية، هما آخر مَن انضم للحراك الجنوبي، لكنهما صارتا الأكثر حيوية، الأولى في أنشطتها والثانية في العدد الضخم الذي صارت تجمعه، وهي المنطقة الأكثر laquo;محافظةraquo; في اليمن بشماله وجنوبه.

لكنهما ليستا الوحيدتين، فمحافظة الضالع تكاد تكون laquo;ساقطةraquo; بشكل شعبي بِيَد الحراك الجنوبي، وهي ربما أول محافظة يمنية تعيش حالياً laquo;قلق ما بعد سقوط النظامraquo;.

والمكلاّ الحضرمية تشهد صراعاً بين قوتي الاستقلال والثورة، وهي المنطقة الوحيدة في اليمن التي تملك فيها الثورة laquo;قوة مسلحةraquo; بعد قوات الفرقة الأولى مدرع في صنعاء، وأهميتها ناتجة عن مهامها في حراسة بعض أهم منشآت النفط في اليمن، وفي كون قيادتها تنتمي الى منطقة laquo;سنحانraquo;، التي تنتمي إليها أيضاً قيادة القوة المواجهة لها، والتي يقودها laquo;الحرس الجمهوريraquo; الموالي للرئيس صالح. فقوات الثورة يقودها laquo;محمد علي محسنraquo; وقوات الحرس يقودها laquo;عزيز ملفيraquo;، وكلاهما من laquo;سنحانraquo;.

ومع أن laquo;الثورةraquo; في المكلا تدعم laquo;ثورة التغيير في صنعاءraquo; أكثر من دعمها خيار laquo;الاستقلالraquo; الذي تتصدره منطقة laquo;سيئونraquo;، فإن الوجود العسكري laquo;للثورةraquo;، يثير الخوف الحضرمي من laquo;اي اشتباكات مسلحةraquo; بين laquo;قوات صنعاءraquo; والجيش، وقد أطلق نشطاء المكلاّ تحذيرات من محاولة laquo;الثورةraquo; جر laquo;حضرموتraquo; الى دور يشبه دور laquo;بنغازيraquo; في ليبيا، ورفضهم ليس ناتجاً عن laquo;موقفهم من الحربraquo;، بل لأن تفجر حرب بين الثورة والسلطة في laquo;المكلاّraquo; يعني ادخال حضرموت في خيارات laquo;الصراع في صنعاءraquo;، الذي يخص laquo;دولة الوحدةraquo;، ولا يعنى بشعار laquo;الاستقلال أو الفيديراليةraquo; الذي كانت laquo;المكلاّraquo; من أوائل مدن الجنوب التي رفعته.

خروج تنظيم laquo;أنصار الشريعةraquo;، وهم حلفاء تنطيم القاعدة، لتَصَدُّر المشهد في محافظة أَبْيَن، كان على حساب laquo;نشاط الاستقلالraquo; و laquo;التغييرraquo; في وقت واحد، حيث تحارب الدولة هناك مسنودة بدعم دولي laquo;الأنصارraquo;، الذين وإن أعلنوا تأييد إسقاط النظام، فإنهم يقفون على طرف نقيض مع خيارات الثورة التي تتسابق مكوناتها، على إقامة علاقات مع المجتمع الدولي وبخاصة الولايات المتحدة الأميركية.

وكان التحاق laquo;شبوةraquo; بالحراك الجنوبي، والحشد الذي يعد الأكبر الذي جمعت به ساحة المنصورة في عدن، كل أنصار الاستقلال، أكبرَ فعالية يستعرض فيها شعار laquo;الاستقلالraquo;.

غير أن الحراك الجنوبي لا يزال متحالفاً مع laquo;ثورة الشمالraquo;، باعتبار وحدة الهدف، المتمثل في اسقاط النظام.

وهذا التحالف يُعبر عنه عبر كتل جنوبية، مع خيارات الدولة الواحدة، أو خيار الفيديرالية، غير أن الاحتكاكات التي تحدث بين مكوني الاستقلال والوحدة، المدعوم بشكل واضح من مكونات الثورة في صنعاء، يهدد بافتراق في الهدف الأساسي، قد تخسر معه الثورة في صنعاء الساحة الجنوبية، خاصة وأن الجنوبيين يشتكون من محاولات ثوار الشمال، والوحدة عدم الاعتراف بمكون الاستقلال، بل وحتى عدم تقديم أى تنازلات لصالح خيار الفيديرالية، فثوار الوحدة، والتغيير، ينظمون فعاليات موازية لفعاليات laquo;الاستقلالraquo;، للتغطية على العلم الجنوبي ومنع رفعه في تلك الفعاليات، والقول إن الجنوب laquo;هو مع دولة الوحدةraquo;، وإن معنى laquo;اسقاط النظامraquo; هو فقط laquo;رحيل الرئيس علي عبدالله صالحraquo;، وهو ما يرفضه الحراك الجنوبي، الذي يرى أن المسؤول عن معاناته هو تحالف حرب 1994، والمكون من الرئيس صالح واللواء علي محسن الأحمر والقبيلة الشمالية وحزب التجمع اليمني للإصلاح.

ومع أن هذا التحالف تبادل الاتهامات مؤخراً بشأن laquo;احتلال الجنوبraquo;، فإن الحراك يعتبر laquo;تبادل الاتهاماتraquo; محاولةً من كل طرف للتملص من مسؤوليته عن تلك الحرب وآثارها.

وقد اعلن أبرز المختارون من الجنوب للمجلس الوطني الذي شكلته المعارضة في صنعاء، رفْضَهم الدخول في المجلس ما لم يقر مبدأ المناصفة، وانسحبوا منه بعد يومين من تشكيله، وكان لرفض laquo;الثوارraquo; مطلب تيار الفيديرالية الجنوبي بالمناصفة، دوراً مهماً في توسع مناصري خيار الاستقلال.

غير أن الحراك الجنوبي يفتقد حتى الآن قيادة موحدة، وفقاً لخيارات ما صار يعرف بمجموعة بروكسل ومجموعة القاهرة. الأولى يترأسها آخر رؤساء اليمن الجنوبي علي سالم البيض، الموقع على دولة الوحدة والمقصي من منصبه كنائب لرئيس اليمن الموحدة عبر حرب 1994، ويرفض مطلقاً أيَّ خيار غير laquo;حق تقرير المصيرraquo;.

وفيما يقول ان الجنوبيين laquo;ليسوا ضد ثوار الشمالraquo;، فإنه يقول إنه غير معني بأي ترتيبات تتوصل لها laquo;صنعاءraquo; بين الدولة والثورة.

أما laquo;مجموعة القاهرةraquo;، ويتصدرها تحالف المهزومين من صراعات يناير 1986 الجنوبية، laquo;علي ناصر محمدraquo; وبعض أقطاب أزمة ما قبل حرب laquo;1994raquo; في الدولة الواحدة، منهم laquo;حيدر العطاسraquo;، فتحاول جمع الجنوبيين على laquo;تبنّي خيار فيدرالية من إقليمينraquo; بين ما كان يعرف بدولتي الشطر الشمالي والشطر الجنوبي لليمن.

وهذه المجموعة أكثر قرباً من laquo;الثورة الشماليةraquo;، غير أنه قُرْبٌ من طرف واحد، اذ لم يعلن الشماليون حتى الآن أيَّ خيارات مركزية للقضية الجنوبية سوى laquo;بعد سقوط النظامraquo;. وفي الداخل الجنوبي ينشط مستقلون شباب، يتشابهون الى حد كبير مع مكون المستقلين في ساحة الثورة العامة في صنعاء. ويجمع هذا التيار الجنوبي نشطاءَ سابقين في أحزاب المعارضة، الاصلاح أو الاشتراكي، مع القاعدة العريضة التي تضررت من سياسات دولة الوحدة.

وفيما أظهر تصاعدُ الثورة تياراً سلفياً قوياً في الحراك الجنوبي داعماً للاستقلال، يبقى التيار الديني laquo;الصوفيraquo;، الذي يعد هو المؤسسة التقليدية للثقافة الدينية في الجنوب، مراقباً، كما ينشط الجنوبيون الموالون للرئيس علي عبدالله صالح، فيما ينتظر النائب الجنوبي لرئيس الدولة laquo;عبد ربه منصور هاديraquo; التوافقَ بين السلطة والمعارضة ليتسلم المسؤولية الأولى للدولة.

laquo;اللقاء المشتركraquo;

يشكل تحالف laquo;اللقاء المشتركraquo;، وجه المعارضة السياسية والحزبية للرئيس علي عبدالله صالح. وهو يضم كل فرقاء الصراع بين دولة صالح وبين حلفائه الحزبيين الذين صاروا خصومه.

في 27 تشرين الأول 1978، أي بعد أقل من أربعة أشهر من تولي صالح السلطة، دفنت المؤسسة الأمنية والعسكرية قيادات التنظيم الناصري بعد محاكمات لم تطل بسبب محاولتهم الانقلاب، وأبرز وجوه تلك المواجهة كان اللواء علي محسن الأحمر، واللواء غالب القمش رئيس جهاز الأمن السياسي الحالي الذي قام يومها بمهمة الادعاء القانوني، فيما كان للأول فضل إيقاف الآليات العسكرية التي حاولت تنفيذ الانقلاب.

وبين ذلك اليوم، ويوم 7 تموز ( يوليو) 1994، جرت مياه كثيرة في وادي تحالفات وصراعات دولة صالح، توجت يومها بإقصاء شريك الوحدة laquo;الحزب الاشتراكيraquo;، في حرب أهلية هي الأشمل التي عرفها اليمن الحديث. وفي أول انتخابات محلية شهدها اليمن الموحد، في 2001، تكرس الفراق الميداني بين laquo;الصالحraquo; الرئيس و laquo;الإصلاحraquo; الحزب، بعد أن بدأ الفراق السياسي بينهما نتيجة نتائج انتخابات 1997، التي اتهم فيها laquo;الإصلاحraquo; شريكه في الحكم يومها بالعمل على تهميش قوته وتحجيمه. ولم يفلح تشاركهما في انتخابات 1999 الرئاسية التي رشح فيها الإصلاح صالح، في تجنب مزيد من الافتراق.

في تلك الانتخابات المحلية، حدثت أولى المواجهات العسكرية بين قوات صالح ومسلحي الإصلاح، في منطقتي الحيمة غرب صنعاء، وفي laquo;المنطقة الوسطىraquo; التي انطلق منها تحالفهما ضد laquo;الاشتراكيينraquo; منتصف الثمانينات. وتعمقت العلاقة السياسية بين laquo;الإصلاحraquo; وخصوم الرئيس السياسيين بانتخابات 2003، التي خاضها المعارضون تحت اسم واحد هو laquo;اللقاء المشتركraquo;، وتوج لاحقاً بالدخول في حلف يدعم المستقل فيصل بن شملان، مرشحاً باسم اللقاء المشترك لمنافسة الرئيس علي عبدالله صالح في انتخابات 2006 الرئاسية.

وفي الأيام الأولى لخروج laquo;النشطاءraquo; إلى الشوارع للمطالبة برحيل الرئيس علي عبدالله صالح في تعز وصنعاء في شباط، كان اللقاء المشترك يعيش أزمة أخرى مع صالح، أساسها انعدام الثقة بين الجانبين، وفيها رصيد من الصراعات الشخصية والعامة، وهي الأزمة التي أفشلت التوصل إلى اتفاق شامل كان يمكنه تجديد laquo;العهدraquo; لدولة الجمهورية اليمنية برئاسة علي عبدالله صالح، والعودة إلى الظروف التي عرفها اليمن الشمالي حين أُعلن تأسيس المؤتمر الشعبي العام.

لم تقم تلك الاتفاقات على إلغاء الأحزاب، بل على laquo;السيطرة التوافقيةraquo; على الانتخابات، قبل الاتجاه نحوها. وفي ما بقي الطرفان يراوحان مكانهما في الحوار والاتفاق والاختلاف، وعطل الخلاف اتفاقين مهمين، كان أحدهما إصلاح الآلية الانتخابية، فيما كان الثاني عبارة عن laquo;صياغة النظام السياسيraquo;، وذلك قبل أن يفاجئ الربيع العربي الجميع، ويعطل التفاوض الذي كان الحزب الحاكم يسعى من خلاله لإعادة انتخاب علي عبدالله صالح لولاية جديدة، كثمن لأية تنازلات جوهرية في تغيير شكل النظام وفقاً لتصورات المعارضة.

حاول laquo;اللقاء المشتركraquo;، من البداية الحد من اندفاع laquo;الثورةraquo;، وفيما رمى بثقله الشعبي في دعمها كفاعليات. غير أنه سرعان ما انخرط في الثورة، وإن تجنب الظهور كمسؤول عنها، ودخل في منافسة مع القوى التي انضمت إليها، من منافسيه التقليديين، من القبائل والحوثيين وحتى المستقلين.

شكل اللقاء المشترك لجنة تنظيمية لساحات الثورة، من شباب الساحات، لكنه بقي ممسكاً بتمويل الأنشطة المركزية لها، وكان لشباب التجمع اليمني للإصلاح الدور الأبرز في المزاوجة بين النشاط الحزبي والساحات.

ففيما تبنى اللقاء المشترك، الذي ترأسه أمين عام الحزب الاشتراكي قرارات تبقي العمل الحزبي، بعيداً من الساحة، فإن فروع التجمع اليمني للإصلاح الميدانية، كانت تنظم شكل مشاركة أعضائها في الساحات التي تحولت إلى laquo;منصات وبرامج ومخيماتraquo;.

ووجد laquo;المشتركraquo; نفسه ممثلاً للثورة، باعتباره يشكل المعارضة في مجلس النواب، وترسخ هذا بإعلان دول الخليج، مبادرتها لحل الأزمة اليمنية، والتي رسمت طرفي الأزمة: الرئيس علي عبدالله صالح وحزبه، و... laquo;اللقاء المشتركraquo;.

المجلس الوطني لقوى الثورة

في سياق التقارب، بين قوتي المعارضة، القبلية والحزبية، لمواجهة الخلافات مع الحزب الحاكم، أعلن عن تشكيل laquo;لجنة الحوار الوطنيraquo; في 18 تموز (يوليو) 2010، لتوسيع جبهة المعارضة.

غير أن اللجنة التي تحول فيها اللقاء المشترك إلى مجرد laquo;طرفraquo;، تحولت إلى laquo;استشارية مستقلةraquo;، ليس لديها قوة ميدانية، ولكنها تملك الدعم المالي والقبلي الذي يوفره رجل الأعمال والشيخ الحاشدي laquo;حميد بن عبدالله الأحمرraquo;، ولهذا ترأستها شخصية مستقلة هو laquo;محمد سالم باسندوهraquo;، وهو أحد الشركاء السابقين للرئيس صالح في السلطة المدنية.

ومع تفاعلات الثورة، ودخول لاعبين جدد على الساحة العامة، وضغط المكون المستقل في الساحات من أجل تشكيل قيادة سياسية للدولة، بخاصة بعد الإعلان عن نقل الرئيس علي عبدالله صالح وقيادة حكومته وبرلمانه، إلى خارج اليمن لتلقي العلاج اثر محاولة الاغتيال في 30 حزيران(يونيو) 2011، أعلنت لجنة الحوار الوطني التي يشغل الأحمر منصب أمينها العام، تشكيل laquo;المجلس الوطني لقوى الثورة في 18 آب (أغسطس) 2011.

غير أن المجلس سرعان ما تعرض للتصدع المعنوي، اثر تتالي الاستقالات منه، لعدم استيعابه خريطة القوى المختلفة في الساحات، وللطريقة التي شكل بها، وهو ما أدى إلى عودة اللقاء المشترك إلى الظهور كممثل سياسي، وإن برفقة رئيس المجلس الوطني وهو نفسه رئيس لجنة الحوار، المستقل حزبياً، والوزير الأسبق في حكومات الرئيس صالح محمد سالم باسندوة