قاسم حسين

تقريران مهمان سيدخلان تاريخ البحرين السياسي، الأول صدر فجأةً في منتصف العام 2006، على حين غفلةٍ من الناس، والثاني بعده بخمسة أعوام، على حين تيقظٍ وترقبٍ من الجميع. كلاهما كان قنبلةً فراغيةً، أثار وراءه زوبعةً يطول دويها في الأفق.
التقرير الأول حطّم أسس الثقة التي بنيت خلال خمسة أعوام، والثاني قدّم مادةً أوليةً قد تساعد من يحاول بناء جسرٍ من بين ركام الثقة المهدّمة.
التقرير الأول ترك دويّاً كبيراً، واستمرت الصحافة تتحدث عنه لمدة ثلاثة أسابيع، حتى تم العثور على مخرج قانوني لمنع تناوله، بعد تحويله إلى قضية مرفوعة أمام القضاء. أما التقرير الثاني فقد تمر أسابيع حتى يمتصّ صدمته الرأي العام المتردّد بين مصدّقٍ ومكذب.
صبيحة اليوم الأول للتقرير الجديد، اهتمت أربع صحف بتغطية حفل إطلاقه، وبدا الأمر كما لو كان هناك اتفاق غير معلن لانتقاء مقتطفات مختارة منه، على طريقة laquo;لا تقربوا الصلاةraquo;، بينما اختصت الصحيفة الخامسة المستقلة بنشره في ملحق خاص، ليكون وثيقةً بين أيدي القراء. ففي عصر الانترنت والفضاءات المفتوحة، لا يمكن تضليل الرأي العام أو استغفاله بحجب المعلومات عنه. وأفضل ما يمكن أن تقوم به الصحافة أن تعرض الحقائق والمعلومات، وتترك حرية التقدير للناس، من دون فرض وصايةٍ، أو حجب معلومات مهمة، وتقديم أخرى أقل أهمية. هذا هو أوضح دليلٍ على مهنية أية صحيفة، وعلى احترامها لقارئها، وعلى تكريس نفسها للحقيقة.
اهتمام الصحف الأربع بالتقرير يتبين من خلال حجم التغطيات، التي تراوحت بين 18 و16 و11 و10 صفحات، نصفها تغطية خبرية والنصف الآخر مقابلات مع شخصيات تتكرر وجوهها في غالبية المناسبات. الصحيفة الخامسة صدرت في 104 صفحات، (وهي من الحالات النادرة في صحافة البحرين)، خصّصت منها سبع صفحات للتغطية الخبرية الرسمية (تصريحات كبار المسئولين ووزيري الداخلية والعدل)، بينما أفردت 68 صفحة لنشر التقرير حرفيّاً ومن دون حذف أو تغيير أو انتقاء.
هذه الإطلالة السريعة على صحافة البحرين في اليوم الأول من صدور التقرير، تعكس جو الصدمة الأولى، ولا تكتمل الصورة إلاّ بمرور سريعٍ على مقالات الرأي. غالبية مقالات أمس يغرّد في السرب القديم، ويكرّر ما دأبت على تكراره خلال الأشهر الستة الماضية، فلم تعد بحاجةٍ إلى قراءة الصحف إلا مرة واحدة في الأسبوع، فقط لتعرف الاتجاه العام. ربما لم يتسع الوقت لتحديث غالبية المقالات ومراجعتها، لتتساوق مع المستجدات التي يطرحها بسيوني، وإن كانت هناك نسبة 15 في المئة منها كُتب بعد التقرير، وتتضح في ثناياها حالة الصدمة وعدم التصديق. في المقابل هناك مقالان في الصحيفة الخامسة، أحدهما بعنوان: laquo;معاً لفتح صفحة جديدة في تاريخ البحرينraquo;، مفتاحه الإنصاف والمساواة ورفع المظالم وتهدئة النفوس ليعيش الجميع في محبة ووئام؛ بينما المقال الثاني بعنوان: laquo;تقرير بسيوني... القبض على مواضع الألمraquo;، يسجل مراحل عمل لجنة بسيوني وما رصدته من انتهاكات وتعذيب وقطع أرزاق للآلاف، فضلاً عمّا فعله الإعلام من تمزيقٍ للنسيج الاجتماعي.
التقرير بحاجة إلى قراءةٍ متأنيةٍ بلا شك، وإن كان الكثيرون تكفيهم الخلاصات التي قدمها بسيوني في كلمته، فهو قدم الزبدة وترك التفاصيل لمن يحب التوسع والإطناب.
سيختلف البحرينيون على التقرير الجديد، بين مادحٍ وقادحٍ، إلا أن من أهم ما جاء فيه قراءة بسيوني للحدث البحريني غير المنبَتِّ عن محيطه العربي، فقد أشار إلى أنه حدثٌ مستوحى من حراك الربيع العربي، بعد ثورتي مصر المحروسة وتونس الخضراء