يوسف البنخليل

عانت البحرين كثيراً طوال عقود ماضية من هيمنة قوى سياسية متشددة حاولت الصعود إلى قمة النظام السياسي بشتى الوسائل سعياً لاكتساب النفوذ الأكبر والتحول إلى قوى سياسية نافذة. هذه الحالة السياسية لا تمثل أي إشكالية باعتبار أن التحول الديمقراطي الذي شهده النظام طوال عقد من الزمن يتيح لكافة القوى السياسية ومكونات المجتمع المنافسة في إطار العملية السياسية وفقاً للآليات الدستورية والسعي للفوز بالنفوذ السياسي لحماية مصالحها، وتنفيذ مشاريعها التي تعتبرها بمثابة مشاريع وطنية يجب تنفيذها في الدولة حسب القناعات والأيديولوجيات السياسية التي تؤمن بها. لكن الإشكالية التي نقصدها هنا أن تظهر علينا قوى سياسية متشددة تؤمن بمشروع سياسي متطرف، وترى ضرورة تنفيذه بمعزل عن أي مشاريع سياسية أخرى، أو حتى القناعة بضرورة أن تتوافق مع القوى السياسية الأخرى بما تحتاجه عملية التوافق من تقديم تنازلات ومساومات. ومثال ذلك ما شهدته البلاد خلال الصيف الماضي عندما حدثت مماحكات ومواجهات حول حوار التوافق الوطني. قوى التشدد لسنا بحاجة لها في هذه المرحلة السياسية، ولا يقصد بذلك عدم حق القائمين عليها في التعبير عن آرائهم في حرية الاعتقاد. ولكن هذه القوى يجب أن يتم تحجيم أدوارها ونفوذها السياسي حتى لا تقود الدولة إلى مرحلة حساسة من الفوضى والانهيار السياسي البطيء كما كنا عليه خلال شهري فبراير ومارس الماضيين. قوى التشدد أيضاً موجودة لدى مختلف مكونات المجتمع، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال تجاهلها، أو عدم الاعتراف بوجودها. ولكن حالة التشدد تعكس درجة الوعي السياسي والثقافة السياسية السائدة لدينا، وهي ثقافة مازالنا لا نعرف شكلها أو ملامحها بشكل علمي دقيق. وهي مسؤولية ملقاة على عاتق الدولة ومؤسساتها التي ينبغي التحرك سريعاً لدراسة ثقافتنا السياسية وتحديد كيفية تشكل هذه الثقافة التي تقودنا إلى ممارسات سياسية عنيفة انتهت الآن إلى حالة من الانقسام الطائفي الشديد ليس متوقعاً أن تنتهي قريباً أو سريعاً. مواجهة قوى التشدد تشبه كثيراً مساعي الدول لمحاربة القوى الإرهابية في مختلف أنحاء العالم، ولذلك عندما يوصي تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق إلى إطلاق مشروع وطني للمصالحة الوطنية، فإن ذلك يعني استحداث برامج وآليات فعّالة تضمن التعايش السلمي بين مختلف مكونات المجتمع، وضمان قبولها للاختلاف المقبول في إطار القانون والثوابت الوطنية الأساسية. الهدف من عملية محاربة قوى التشدد هو ضمان ألا تتعرّض مكونات المجتمع إلى قيادات سياسية تؤثر في تشكيل اتجاهاتها العامة، وآرائها المختلفة، وتتحول إلى قوة سياسية أكبر من قوة الدولة نفسها، فهذه الحالة ليست مقبولة تماماً وهي بلاشك دليل ضعف من الدولة، ونحن بحاجة ماسة لمعالجتها دون تأخير.