محسن الهاجري

لقد كشفت لنا الثورات العربية المباركة في مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا مجموعة من الحقائق التي كان يزيّفها الإعلام العربي دهوراً من الزمن، ولقد أسهمت تلك الثورات في كشف أوراق العديد من الحكام العرب وأسقطت عنهم تلك الأقنعة التي كانوا يلبسونها ليضللوا بها شعوبهم مستعينين بأجهزة إعلامية حكومية ورسمية أشبه ما تكون بسحرة فرعون الذين كانوا يضلون الناس بسحرهم.. تقرّباً إلى فرعون وإلى بلاط القصر الحاكم في كل وقت ومكان.
لقد كشف لنا النظام السوري عن وجهه القبيح الذي ظل دهوراً من الزمن يتغنى بالعروبة والقومية وهو منهما بعيد كل البعد بغدره وخيانته لأبناء وطنه وبسفكه لدمائهم وهتكه لأعراضهم الأمر الذي يجعلك تجزم بأنه لا يمت إلى العروبة ولا إلى القومية بصلة وإنما هو إلى البربرية والتترية والمغولية أقرب وألصق، وكما اتضح لنا عبر مسلسل الوقاحات التي يصرّح بها أعوان النظام السوري وأنصاره في العراق ولبنان، اتضح بما لا يدع مجالاً للشك في أن الولاء الحقيقي لذلك النظام ولتلك العصابة من القتلة والمجرمين هو الولاء الطائفي والعنصري البغيض لإيران التي كشفت لنا هي الأخرى عن وجهها القبيح وعن مخططاتها ومآربها التي تصبو إليها من خلال إشعالها للتوترات في دول الخليج العربي وبقية دول العالم العربي ومن خلال إشعالها نار الفتنة الطائفية في العالم العربي والإسلامي من خلال إرسالها لطلائع الغزو المذهبي المحارب لهذا الدين في أصوله ومصادره الثابتة، ولعلنا في العالم العربي والإسلامي تساهلنا كثيراً في التقارب مع الدولة الفارسية دون الدخول معها في جدل عميق وجاد حول نواياها المستقبلية ودون الخوص معها في برامجها النووية وما تسعى إليه من وراء تلك البرامج المقلقة في المنطقة حتى أننا جلسنا نتفرج على الآخرين وهم يجادلون إيران في برنامجها النووي حيناً ويفرضون عقوباتهم نحوها حيناً ويهددونها حيناً آخر دون أن يكون لنا أي اهتمام معهم ودون أن يكون لنا دور ريادي في تحريك المجتمع الدولي ضد أي برنامج يهدد أمننا وخطرنا سواء كان مصدره إيران أو كان مصدره إسرائيل.. الأمر الذي يفتقد إلى التوازن والعقلانية، فكما أن إسرائيل هي معقل الشر ومكمن الخطر لدى دول العالم العربي والإسلامي، فإيران كذلك قد اتضح لنا بما لا يدع مجالاً للشك بأنها تمثل خطراً قادماً إلى دولنا وإلى شعوبنا وإلى ثقافتنا وإلى ديننا بشكل لا مداهنة فيه، وكفانا ضحكاً على بعضنا البعض عندما نخفف من حدّة العنصرية الفارسية والمد الشيعي وننعتها بالمذهب أو نحوها من الألفاظ التي تدلل على الاختلاف والتكامل بينما هو في واقع الأمر لا يشكل مذهباً أو حزباً أو تياراً يحمل الولاء والوفاء لهذه الأمة العربية والإسلامية وإنما هو كيان أيديولوجي يعتمد على quot;إبادةquot; الآخر بأي طريقة كانت، حتى وإن استلزم ذلك سفك الدماء والاعتداء على المناهضين لهذه العقيدة المنحرفة، وهو ما لمسناه كثيراً في تصريحات قادتهم في إيران والعراق وسوريا ولبنان، أو من خلال حرب الإبادة الجماعية للمخالف لتلك العقيدة المنحرفة والتي بدأتها إيران على أرضها عندما أعدمت الناس في الشوارع والميادين زيادة في التعذيب والتنكيل والتهديد والإرهاب للمخالف لها، وهي الآن تمارس نفس الدور من خلال quot;عرائسهاquot; المتحركة في العراق وسوريا ولبنان حيث حزب quot;اللاتquot; أقصد حزب الله الذي يتسمى بهذا الاسم بينما يفعل ما يبرأ منه الله ورسوله في جسد الأمة العربية والإسلامية.
لقد كشفت لنا هذه الثورات مدى سذاجة القول بأن إيران أو حزب الله في لبنان أو النظام المجرم في سوريا كانوا في عداء واضح مع العدو الصهيوني، وتبين لنا أنها لعبة قذرة يحيكها الشياطين مع أوليائهم في إسرائيل بهدف إحكام السيطرة على العالم العربي والإسلامي من خلال نخره من الداخل على يد أولئك المنافقين الذين يتشبهون بنا في ظواهرهم ويكيدون لنا كيداً في بواطنهم وعند إخوانهم من الشياطين في المشرق والمغرب، ومما يجعلك تؤمن جازماً بأنهم يشتركون مع أعداء الأمة في تضليلهم للناس وضرب معتقداتهم والإساءة إلى أنبيائهم، عندما أفتى إمامهم بقتل سلمان رشدي لإساءته للأنبياء في رواية quot;آيات شيطانيةquot; ثم وجدنا أنهم كاذبون ومنافقون في إظهارهم الدفاع عن الأنبياء وعن هذا الدين، فمنذ خروج تلك الفتوى حتى وقتنا الحالي أي ما يزيد على خمس عشرة سنة ولم نسمع بمحاولة واحدة لاغتيال سلمان رشدي من أتباع ذلك الإمام الذي يطيعونه في كل أوامره ونواهيه، كما أن ظهور الكثيرين منهم ممن يتطاولون على الأنبياء والصحابة وأمهات المؤمنين من بين ظهرانيهم يجعلك تدرك بأن سلمان رشدي كان ملاكاً طاهراً بالنسبة إليهم.
إننا نحتاج في عالمنا العربي والإسلامي كحكام وشعوب وعلماء ومثقفين وقادة رأي إلى أن نساهم في توجيه وتوعية الرأي العام بتلك المخاطر التي تهدد عالمنا العربي والإسلامي وفق المتغيرات الجديدة التي ظهرت لنا من بعد أحداث تلك الثورات المباركة التي أزاحت عن أعيننا الغمام قبل أن تزيح عن الشعوب العربية استبداد بعض الحكام، فإن معرفة الأعداء في الداخل والخارج هو السبيل للبدء في إصلاح ونهضة الشعوب، آملين أن تتوجه الجهود الآن لإسقاط الصنم السوري الذي تدعمه بكل خبث وحقد إيران ومن معها من أذيالها هنا وهناك، وعلينا أن ندرك جيداً أن في زوال هذا الطاغية المجرم بداية النهضة لأمة غفلت عن أعدائها في الداخل حتى تتفرغ لأعدائها في الخارج على حد سواء.