عوني صادق

عندما أشعل محمد البوعزيزي شعلة ldquo;الماراثون العربي للتغييرrdquo; مطلع العام، خرج الشعب التونسي رافعاً شعار إسقاط النظام . راوغ ابن علي قليلاً، ثم ldquo;فهمrdquo; وهرب، تاركاً الشعب يقرر خطوته التالية . بعد تونس، تحرك الشعب المصري رافعاً أيضاً شعار إسقاط النظام . انحاز الجيش المصري إلى الشعب، وتسلم الدفة ldquo;مؤقتاًrdquo; . في ليبيا، رفع الشعب الشعار نفسه، فقرر معمر القذافي أن ldquo;لا يفهمrdquo;، وسأل الثائرين عليه: ldquo;من أنتمrdquo;، فانتهى إلى ما انتهى إليه! في المغرب، كان شعار الخارجين ldquo;إصلاح النظامrdquo;، وفي الأثناء، فهم الملك محمد السادس وقدم مشروع ldquo;التعديلات الدستوريةrdquo; في يونيو/ حزيران الماضي، وأجرى استفتاء عليها مطلع الشهر التالي، فرد عليه الشعب ب ldquo;نعمrdquo; كبيرة، وبنسبة وصلت إلى 5 .98%، كما قالت وزارة الداخلية التي أشرفت على الاستفتاء . وفي الخامس والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أجريت الانتخابات التشريعية على أساس تلك التعديلات وجاءت غير خالية من المفاجآت، وطرحت سؤالاً: ماذا بعد، وأين أصبح المغرب بعد الانتخابات؟

قبيل إجراء الانتخابات، اختلفت مواقف القوى والأحزاب السياسية . كان هناك من دعا إلى المشاركة فيها، كما كان من دعا إلى مقاطعتها، من رأى أن التعديلات الدستورية أحدثت ldquo;تغييراً جذرياًrdquo;، مثل حزب ldquo;العدالة والتنميةrdquo;، وrdquo;الكتلة الديمقراطيةrdquo;، وrdquo;تحالف الأحزاب الثمانيةrdquo; . لكن الشباب في ldquo;حركة 20 فبرايرrdquo;، وrdquo;جماعة العدل والإحسانrdquo; المحظورة رفضوا وقاطعوا الانتخابات .

نتائج الانتخابات جاءت على عكس توقعات المراقبين، تراجع ldquo;تحالف الأحزاب الثمانيةrdquo;، وكذلك ldquo;التحالف الديمقراطيrdquo; المكون من الأحزاب المغربية الثلاثة العريقة (الاستقلال، الاتحاد الاشتراكي، التقدم والاشتراكية)، وحاز حزب ldquo;العدالة والتنميةrdquo; وحده ربع مقاعد البرلمان الجديد، (107) مقاعد من أصل 395 مقعداً، وrdquo;حزب الاستقلالrdquo; حصل على (60) مقعداً، وحصل حزب الاتحاد الاشتراكي على (29) مقعداً، وحزب ldquo;التقدم والاشتراكيةrdquo; على (11) مقعداً . أما على صعيد نسبة المشاركة، فقالت وزارة الداخلية إنها وصلت إلى 45% من الكتلة الناخبة، واعتبرتها معدلاً مرتفعاً بالمقارنة مع نسبة المشاركة في انتخابات 2007 التي وصلت إلى 37% . لكن ldquo;حركة 20 فبرايرrdquo; رأت أن مقاطعة 55% ممن يحق لهم الانتخاب تمثل فوزاً لمن دعا إلى المقاطعة . وقال الناطق الرسمي باسم ldquo;جماعة العدل والإحسانrdquo; الإسلامية المحظورة، إن نسبة المشاركة لم تتجاوز 3 .24% من مجموع الناخبين، إذا ما احتسبت الأوراق الفارغة والملغاة . وقد رأى ldquo;المعهد الديمقراطي القوميrdquo; الأمريكي، الذي شارك في مراقبة عملية الانتخاب، أن ldquo;نقص حماسة الناخبين، والدعوة إلى مقاطعة الانتخابات، والعدد الكبير للأصوات الباطلة والملغاة، تشير جميعها إلى اهتمام المواطن وتطلعه إلى إصلاحات أوسعrdquo; .

في ضوء نتائج الانتخابات، كلف الملك زعيم ldquo;حزب العدالة والتنميةrdquo;، عبد الإله بن كيران تشكيل الحكومة، وفوراً بدأ مشاوراته، وكان قد أعلن قبل ذلك أنه يميل إلى التحالف مع ldquo;الكتلة الديمقراطيةrdquo; . من جانبه، أعرب الأمين العام لحزب الاستقلال، عباس الفاسي رغبة حزبه بالمشاركة في الحكومة الائتلافية التي سيشكلها حزب العدالة والتنمية، ومثله أعلن نبيل بن عبدالله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، لكن النقاش ما زال مستمراً داخل الأحزاب الثلاثة . بعد ذلك تبقى الأسئلة الصعبة: كيف ستواجه الحكومة الجديدة المشكلات الكثيرة في ميادين الاقتصاد والسياسة التي تنتظر حلولاً عاجلة؟ وأين ستجد المعارضة المغربية نفسها بعد هذه الانتخابات؟

لن يتوافر الآن جواب عن السؤال الأول، ولا بد من الانتظار إلى ما بعد تشكيل الحكومة الجديدة وإعلان برنامج العمل الذي ستعلنه، علماً بأن ابن كيران ldquo;طمأنrdquo; الجميع، في الداخل والخارج، على سياسته المقبلة، لكن التحديات التي تنتظر الحكومة الجديدة كبيرة . في الوقت نفسه، يبدو أن المعارضة لن تغادر الميدان لأن الأمور، في رأيها، لم تتغير كثيراً . ومنذ البداية كانت مطالب ldquo;حركة 20 فبرايرrdquo; تتلخص في ldquo;ملكية دستوريةrdquo;، ldquo;برلمانيةrdquo;، إلى جانب ldquo;محاربة الفسادrdquo;، كمؤشر لإصلاح الدولة والمجتمع، وإصلاح الاقتصاد والسياسة . بعد ظهور نتائج الانتخابات، أكدت الحركة أن فوز ldquo;العدالة والتنميةrdquo; لن يثنيها عن مطالبها في التعددية والديمقراطية، على أساس أن ldquo;الحزب الفائز لم يقطع مع الماضي، وهو جزء من النظامrdquo;، بحسب ما قال القيادي في الحركة غسان وائل لصحيفة (السفير- 28/11/2011) اللبنانية . أما الأحزاب المحتملة للمشاركة في الحكومة الجديدة، فهي نفسها التي كانت تتناوب على رئاسة الحكومة خلال العقود الماضية .

لقد كان واضحاً أن هدف النظام مما أقدم عليه من إجراءات هو احتواء موجة الاحتجاجات، والمحافظة على الاستقرار، ويبدو أنه نجح في تحقيق هدفه حتى إشعار آخر . لكن ذلك لن يوقف الاحتجاجات ما دامت أسبابها موجودة، وما لم تنجح الحكومة القادمة في إزالة تلك الأسباب .