عبدالله جمعة الحاج

رغم ما تشهده سوريا حالياً من عنف يجعل البلاد غير مستقرة وكثير من الأمور فيها غامضة، فإن اللعبة الدولية منها مستعرة، وتسعى العديد من الأطراف إلى تحقيق مصالحها في بلد يعد الاستقرار فيه أحد المفاتيح الرئيسية لتحقيق السلام في المنطقة العربية. فالإدارة الأميركية الحالية سعت منذ توليها السلطة إلى زيادة الحوار مع النظام الحاكم وأرسلت العديد من المبعوثين الرسميين إلى دمشق.


وقبل الانتخابات النصفية الأخيرة التي خسر فيها quot;الديمقراطيونquot; الأغلبية في مجلس النواب قامت نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب السابقة بزيارة إلى سوريا عام 2007 صاحبها صخب إعلامي كبير رغم اعتراض البيت الأبيض عليها. وهذا يعني أن الحكومة الأميركية لديها توجهات نحو إقامة حوار وعلاقات مع سوريا تحظى بتأييد قوي من قبل كافة الأطراف الداخلة في اللعبة السياسية.
وإلى ما قبل الأحداث الجارية كان النظام السوري يحاول تحسين سمعة سوريا الخارجية، لكن سوريا تبقى دولة ضعيفة على المستوى الدولي، فهي لا تستطيع منع الدول الأخرى القوية، بما في ذلك إسرائيل من تنفيذ عمليات عسكرية ضد الحدود السورية، ففي السنوات الأخيرة قامت القوات الأميركية في العراق بشن غارات على قرى سورية في شرق البلاد لمهاجمة شبكات مسلحة يعتقد بأن لها علاقة بتنظيم القاعدة. وشنت إسرائيل عام 2007 هجوماً على موقع سوري يعتقد بأنه تجرى فيه نشاطات تتعلق بالأسلحة النووية.

مثل هذه الحوادث وغيرها تدل على أن النظام الحاكم غير مهيأ من الناحية العسكرية للمناورة الاستراتيجية على الساحة الدولية خاصة عندما يتعلق الأمر بحالات عالية الحساسية منها خطر على البلاد.

من جانب آخر تعتبر علاقات سوريا بالعراق غير طبيعية نتيجة لما يعتقده العراقيون من تدخل سوري في شؤونهم الداخلية، وتدعي السلطات العراقية بأن سوريا تأوي مسلحين موالين للنظام السابق، وبأنهم يجتازون الحدود بين البلدين لتنفيذ عمليات خطيرة في داخل العراق. وأيضاً فإن التاريخ السوري المتعلق بإبراء تنظيمات عسكرية خارجية يعد حافلاً، فهي تأوي قيادات من quot;حماسquot; وquot;حزب اللهquot; وربما تنظيمات أخرى، هذا إلى جانب رفضها تسليم مطلوبين أمنياً من قبل دولهم، ما يثير تساؤلات كثيرة حول نوايا النظام في علاقاته مع الخارج. والغريب في الأمر هو أنه لا توجد أي من التنظيمات الخارجية في سوريا وهي غير معروفة أو مراقبة أو غير مصرح لها بالتواجد من قبل النظام، وهو أمر يثير العديد من التساولات لدى العديد من الأطراف.

موقف سوريا من الصراع مع إسرائيل لم يطرأ عليه تغيير، فسوريا تطالب باستعادة هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، وفي مقابل ذلك تقول بأنها ستقوم بتطبيع العلاقات مع إسرائيل وتوافق على عقد اتفاقية سلام شاملة معها بما في ذلك ترسيم الحدود الآمنة. أما الجار الآخر لسوريا وهو لبنان فإن العلاقات معه لا زالت راكدة منذ الانسحاب العسكري السوري منه عام 2005 وذلك في أعقاب الضغط الدولي الشديد الذي مورس على سوريا في أعقاب مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري. وأخيراً تبقى علاقات سوريا بدول مجلس التعاون الخليجي التي تشهد شداً وجذباً منذ انتهاء حرب تحرير الكويت، وهي لم تشهد تحسناً أو طارئاً جديداً نتيجة لتقاطعها في نقاط كثيرة مع علاقات سوريا بإيران التي تلقي بالعديد من الظلال الداكنة على علاقات سوريا بدول المجلس ودول عربية أخرى. إن علاقات سوريا بإيران موضوع شائك بالنسبة لمصالح دول المجلس وحلفائها في المنطقة، ولها نصيب من التحليل سنجريه في مقام آخر. لكن سوريا تواجه الآن مأزقاً كبيراً في علاقاتها مع العالم الخارجي والتي تأخذ حالياً مسارات تضيف أعباء كثيرة عليها نتيجة لما يحدث على صعيد بيئتها الداخلية.