بسام البدارين

مطحنة تحقيقات الفساد يعلو ضجيجها فوق كل الأصوات في الأردن حاليا وتلتهم وستلتهم لاحقا نخبة من أبرز رجالات النظام والدولة في السنوات العشر الماضية.
وأطرف ما سمعته بالخصوص هو تعليق تقدم به سياسي ونائب مخضرم على هامش جلسة خاصة.
اقتراح الرجل بسيط للغاية ويتمثل في العودة لقراءة التصريحات الرسمية التي صدرت في الماضي ونشرت على لسان المتهمين بالفساد حاليا أو من سيتهمون لاحقا من طبقة كبار الموظفين والمسؤولين سابقا.
عند القراءة سنكتشف جميعا بأن هؤلاء {نافقوا} بطريقة غير مألوفة وهم يعرضون على الرأي العام الأردني تضحياتهم الجسام واستعدادهم لإفتداء الأردن والنظام وسيدنا{يقصد الملك} ..بعضهم اليوم أتيحت له فرصة ممارسة هذه التضحية وإظهار ولائهم الحقيقي وليس الكاذب ليس في الدفاع عن النظام والملك ولكن بجزئية بسيطة وهي دفع ثمن أخطائهم وفسادهم شخصيا.
إذن على هؤلاء التوقف عن إلقاء المحاضرات على الشعب الأردني والإلتزام بالموجب القانوني والدستوري والخضوع بحماس للقضاء العادل لان أحدا في الدنيا لا يستطيع إتهامهم بشيء لم يقترفوه، ولان الفرصة التي يتحينونها لممارسة الولاء قد حانت فعلا.
وصاحب الفكرة يقترح على الفاسدين وتحديدا المزاودين بينهم إثبات نظرياتهم عن الولاء للأردن والقيادة والنظام عبر قبول فكرة أن يلفحهم النظام الذين قالوا لنا أنهم يفتدونه بالدم والغالي والنفيس ..يلفحهم قليلا حتى يهدأ الرأي العام ويعبر الوطن وكذلك النظام الذي صنعهم وأصبحوا قططا سمانا بسببه من الأزمة.
إنه إذن إختبار حقيقي ونادر لكل إسطوانات الولاء والإنتماء وهو إختبار يقوم على الحق والحقيقة فجميع من حوسبوا أو سيحاسبون لاحقا من اللصوص لا يتهمهم أحد بما لم يفعلوه لكن النظام الذين فسدوا بإسمه ومارسوا الطغيان تحت مظلته يقوم اليوم بعملية تطهير.. إذن لماذا يغضب الأخوة الفاسدون فهم في أقل تعديل يقومون بجزء من واجبهم تجاه المؤسسة التي أرهقوا الدنيا وهم ينافقون لها في الوقت الذي يراكمون فيه الإمتيازات على حساب النظام والشعب معا.
هؤلاء لم ينتبهوا للنظام وهو يعلن عدة مرات بأنه لا أحد فوق القانون ويلفت نظر الأردنيين لانه لا توجد جهة قرار في البلاد إسمها { توجيهات من فوق}.. ألا يحتمل أن تلك كانت الإشارة الأولى من النظام للفاسدين من رموزه وأبنائه بأن يتقوا الله في الجميع ويعلموا بأن يوم الحساب في الدنيا قريب.
حتى لو كانت أخطاء هؤلاء ناتجة عن {توجيهات من فوق} فالمعادلة بسيطة لان{فوق}هو الذي يوجه اليوم أيضا بضرب الفساد ومحاسبة الفاسدين والدستور قالها مبكرا للجميع فأوامر القصر الشفوية والخطية لا تعفي الوزير من المسؤولية وبالنسبة للناس وللمصالح العليا لا زال النظام أهم كثيرا من جميع رموزه.
والسبب بسيط في الواقع فخيارات عدم تمرير الاجتهادات والمشاريع الخاطئة متاحة إداريا وبيروقراطيا ودستوريا حتى لو كان التوجيه فعلا {من فوق}.. هذا حصريا ما يقوله الدستور .. ومن لا يستطيع الإعتراض أو إقناع جماعة {فوق} بالتراجع عن توجيهاتهم كان أمامه الطريق الأسلم للنجاة وهو الإنسحاب من المشهد والإستقالة فلا أحد في الأردن يجبر أحدا على البقاء في سدة الوظيفة.
شخصيا تحيرني دوما مسألة محددة على شكل سؤال: لماذا يهتم أصلا رجل- أي رجل- واسع الثراء بالوظيفة ؟.. ما هي القيمة التي سيضيفها للمجتمع رجل أعمال ناجح للغاية ومليونير عندما يصبح وزيرا أومسؤولا؟.. أخيرا وبكل صدق لماذا يهتم الأثرياء بجمع المزيد من المال الفاسد بعد المليون الأول؟
وشخصيا أتذكر الصديق الفاضل إبراهيم عز الدين الذي لم يأمن يوما قشاط النظام وخرج من كل مساحة الإشتباه حيث كان يصر على توقيع الأوراق الرسمية في كل المواقع التي شغلها بقلمه الشخصي وليس حتى بقلم الدولة المصروف له من إدارة اللوازم حتى لا يأتي ديوان المحاسبة يوما ويسجل عليه أي ملاحظة.
لذلك دخل عز الدين الوزارة والوظيفة نظيفا وخرج نظيفا وإن كان قد بالغ في الحرص وتشدد بالتعفف لكنه قبض الثمن اليوم سمعة نظيفة وسجلا طاهرا.. النظام في النهاية أي نظام-هو مجوعة من البشر ليست خارقة للعادة والطبيعة وهؤلاء البشر يتعرضون كغيرهم للتضليل والتشويه والتشويش ويتم أحيانا تزيين الأخطاء لهم ولا يوجد حاكم يحكم فعلا ومباشرة بل يمارس الحكم عبر مجموعات بشرية تشكل أركان النظام.
لذلك ورغم قلقي من نتائج ما يجري اليوم في بلادي تحت عنوان الحرب على الفساد التي ستأكل بعض أبناء النظام إلا أن الخطوة جريئة جدا وتاريخية فالنظام الذي يستدرك ويعترف بصراحة وجرأة باخطائه ويسعى بإخلاص للتطهير يستحق الإحترام والتقدير أما ضحايا الخطوة فأحيلهم لاقتراح صديقنا في مفتتح الكلام على أننا جميعا ينبغي ان نكون قد صفعنا بالدرس التاريخي فالدستور الأردني واضح وضوح الشمس في هذه المسألة ويبلغ كل وزير ومسؤول دوما بعدم وجود شيء إسمه {فوق}.