'حقيقة ليكس' التي هزّت المجتمع السياسي في لبنان حملت توقيعها


بيروت- زهرة مرعي

'حقيقة ليكس' عنوان أطلقته قناة الجديد على سلسلة طويلة من التسجيلات الصوتية، التي حصلت عليها من عقر دار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، حيث بدأت بثها قبل حوالى الشهر. الفاتحة كانت بحلقتين بصوت رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، هزتا المجتمع السياسي اللبناني والعربي. ولا تزال 'الحقيقة' تتوالى فصولاً، مسلطة الضوء على ملف شهود الزور وغيره من الحقائق.
هذه الوثائق قدمها الجديد بتوقيع نائبة رئيسة التحرير في قسم الأخبار، كرمى خياط. ومعها كان لـ'القدس العربي' هذا الحوار:
هل كان ظهور ويكيليكس محفزاً ودافعاً لظهور حقيقة ليكس على شاشة الجديد، ومن ثم وثائق المفاوضات السرية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل على الجزيرة؟
ـ لم نكن بحاجة لويكيليكس حتى ننطلق في تقديم حقيقة ليكس. نحن معنيون بالبحث الإستقصائي، خاصة ما يتعلق بأمور مهمة في حياة لبنان، كما المحكمة الدولية. هذه الأمور تحظى باهتمامنا منذ انطلاقتنا. شاشة الجديد كانت الأولى في عرض موضوعات عن شهود الزور، وكذلك عن مجموعة الـ13. وفي تحقيق رحلة البحث عن محمد زهير الصديق، الذي كان يفترض أن يُسجن، لكن سجن بدلاً منذ زملاؤنا فراس حاطوم، محمد بربر وعبد خياط. هذا دورنا نقوم به على الدوام. كما أن الصحافة الاستقصائية أسلوبنا وطريقة عملنا. لم تكن ويكيليكس حافزاً، بقدر ما شكلت مصدر الوحي من الاسم نفسه. ومن دون شك كصحافيين نفتخر بما قامت به ويكيليكس. كما كنا ولا نزال إلى جانب جوليان أسانج في الشكوى ضده. هم أدوا بما نشروه إلى زلزال كبير في العالم سيكون له ترددات من دون شك.
مع أسلوب صحافة الكشف عن المستور وعبر الوثائق والصحافة الاستقصائية هل سندخل في مرحلة جديدة على صعيد الإعلام العربي، خاصة أنها تترافق مع ثورات شعبية؟
ـ لا شك أن الاعلام في مرحلتنا الحاضرة هو في مكان أجرأ مما كان عليه في الماضي. الجرأة قاعدة تأسسنا عليها كقناة لبنانية. ولم نتأسس على مبدأ آخر كدعم يأتينا من دول أو أحزاب. بظني أن قناة الجزيرة تتحلى بهذا النفس وهذا النوع من العمل المهني. الصحافة الاستقصائية تميز المحطات التلفزيونية. لهذا يخضع زملاؤنا لدورات مهنية متخصصة في العمل الصحافي الاستقصائي مع مؤسسة 'تومسون' ومؤسسة بي بي سي. نحن كمؤسسة تلفزيونية نحاول الاستفادة من كل تقدم على صعيد المهنة، لما فيه مصلحة بلدنا. وكمؤسسة إعلامية نستمد جرأتنا من جرأة الشعب. فلا يعقل أن يثور الشعب في تونس ولا يرافقه الإعلام. وبمجرد وجود نهضة لدى الشعب سيهب الإعلام إلى مواكبتها.
سيطرت على العالم مراكز قوى تحكمت بما تكشفه وما تحجبه لزمن طويل. بعد ثورة ويكيليكس هل انتهى عهد التستر على الوثائق والأخبار؟
ـ لا شك ان هناك تأريخ لما قبل وما بعد ويكيليكس. من جهتنا كإعلام علينا القيام بدورنا المهني. وفي الوقت نفسه يجلس القضاة والسياسيون في العالم متفرجين. إذ ليس من دور الإعلام أن يضع الناس في السجن، ولا محاسبة الاطراف السياسيين الذين يرتكبون أخطاء لا حصر لها. دورنا أن نفضح هؤلاء، والمحاسبة متروكة للقضاة أو للشعب. لكن نبقى في خشية من أن يذهب عملنا جميعه في مهب الريح، بحيث يكون دوره موضعياً، وفي اليوم التالي يصار لنسيان ما كشفناه من وثائق. إنما تبقى الفضائح التي كشفها الإعلام في الفترة القصيرة الماضية كبيرة جداً. ومنذ فضيحة ووترغيت لم تكن هناك فضيحة بهذا الحجم حتى بدأت وثائق ويكيليكس بالظهور.
الإعلام كما الثورة هدفه التغيير وإن بشكل غير مباشر. أليس من مهمات الوسيلة الإعلامية التركيز على مسألة ما حتى تؤتي ثمارها؟
ـ لن يكون الإعلام منبراً خطابياً لأن الناس ستمله. دوري يتمثل في تقديم الوقائع والحقائق والإثباتات. وهذا ما نقوم به. من بعدنا يجب أن يتلقف أحدهم ما قمنا به وأن يتابع الطريق.
حدث تغيير سياسي كبير لبنانياً هل كان لحقيقة ليكس دور في ذلك؟
ـ كان هدفنا الأساسي عرض حقائق موجودة بحوزتنا. قد نكون تركنا أثراً في التغيير الحكومي الذي أسفر عن رئيس غير سعد الحريري. لكننا لم نكن نهدف لتطيير رئيس حكومة والإتيان بسواه. ما يهمنا أن يصار لمحاسبة المسؤولين سواء كانوا من 8 اذار أو من 14 اذار. كما أننا نهدف للعدالة. ونحن اللبنانيين لم نكن مسرورين برؤية شاهد الزور زهير الصديق يتحدث مع رئيس حكومة بلدنا بهذا الأسلوب الذي يظهره شريكاً في تلك اللعبة القذرة. أقول هذا بغض النظر إن كنت أتفق سياسياً أو لا، مع هذا الرئيس. كيف سينظر إلينا غيرهارد ليمان عندما يرى رئيس حكومتنا في جلسة حميمة مع نصّاب وكذّاب؟ حجم ما كشفه الجديد يجب أن يتخطى التغيير الحكومي الذي ليس هدفنا. هدفنا محاسبة كل من يخطئ بحق بلدنا. كمؤسسة إعلامية ليس لدينا الأهداف السياسية التي لدى الأطراف السياسيين. أهدافنا هي محاربة الفساد، وكشف المستور ومعالجة المشكلات المتكاثرة في بلدنا.
تم ربط حقيقة ليكس بكلام سابق للسيد حسن نصر الله حين صرح بوجود مستندات لدى المقاومة، وان أخرى عرضت عليهم بأسعار مختلفة من قبل لجنة التحقيق الدولية؟
ـ لدى المقاومة قناتها التلفزيونية فلماذا تتخلى عن وثائق مهمة لصالحنا؟ صحيح أننا بدأنا بقضية شهود الزور وعادوا هم لتبنيها كطرف سياسي، وعرض هذه الوثائق على شاشتهم كان مفيداً جداً لهم، فلماذا يتخلون عنها لنا؟ ولو لم يكونوا راغبين بعرض تلك الجلسات على المنار لماذا عادوا إلى عرضها من بعدنا؟ ونحن بدورنا ومن خلالكم نطلب من حزب الله المستندات والوثائق التي تحدث عنها السيد حسن نصرالله لعرضها. ونحن على استعداد للتدقيق بمصداقيتها. حتى أننا على استعداد لعرض وثائق يزودنا بها الرئيس سعد الحريري بعد التدقيق بصحتها. أهمية وثائقنا هي بمضمونها. وأهميتها أننا قمنا بدورنا المهني وتأكدنا من صحة الصوت. المهم في الموضوع أنه كان بحوزتنا تسجيل لرئيس حكومتنا يجالس شاهد زور، وأخرى فلت فيه لسانه من عقاله بحيث تناول كل المقربين منه. وإن سألنا عن عرضها أو عدمه؟ تأتي الإجابة بضرورة العرض.
قبل حقيقة ليكس قدمتم سلسلة تحقيقات عن المحكمة الدولية. كم تشكل قضية بالنسبة لكم؟
ـ منذ بدايات المحكمة بدأنا نلاحق الموضوع، وكنا كما يقول المثل 'مثل أم الصبي'. وعندما نكون حيال تسجيل من هذا النوع لن نقول له لا. وهنا أقول بأن البحث عن مصدر التسجيل ليس هو الأهم، بل الأهم هو في أن تبحث المحكمة الدولية عن الخرق الحاصل في بنيتها. كيف وصلنا إليها ليس مهماً المهم أنها تسجيلات موجودة في أدراج المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. وقبل أن تصدر تلك المحكمة بياناً بحق محطتنا، ليتم البحث في كافة التسريبات الحاصلة وبكل تأكيد من قبل شخص من داخل المحكمة، أو تم الحصول عليها لقاء بدل مالي، أو هي وصلتنا عبر طرف سياسي.
حددت المصادر في هذه الاحتمالات؟
ـ هي احتمالات منطقية لكل محقق. ويضاف إليها إمكانية الخرق الإلكتروني. وفي كل تلك الأحوال لدى المحكمة الدولية دور عليها القيام به. هم اكتفوا فقط بإرسال بيان لنا. وبدورنا نسألهم لماذا لم تُسأل بقية وسائل الإعلام، من 'سي بي سي' الكندية التي تحدثت عن القرار الظني بحرفيته، وصحيفتي 'لو فيغارو' و'دير شبيغل'.
إلى جانب بيان بلمار هل تلقيتم ردود أفعال أخرى بعد نشر تلك الوثائق؟
ـ ردود الأفعال كثيرة جداً. ومن الواضح أن رئيس الحكومة لم يكن معجباً بما نشرناه. لكننا بكل صراحة لم نتلق أي ضغط. وفي 'يوم الغضب' الذي نظمه تيار المستقبل نزل الغضب على مراسلينا جميعهم. ومراسلنا في طرابلس مالك الشريف نجا مع الزملاء في قناة الجزيرة بأعجوبة من الموت. جرأة مخابرات الجيش في الوصول إليهم تحت الرصاص هي التي أدت لسلامتهم. الجرأة هي التي تدفع زملاءنا للنزول إلى الأرض التي تبقى غاضبة في أحيان كثيرة. لكن في 'يوم الغضب' الأخير لم يتمكن الجيش من ضبط مجموعات كثيرة من 'الغاضبين'. هكذا كان رد الفعل على فعل مهني قمنا به. وهذا بالطبع ليس مقبولاً إلى جانب الرسائل اليومية التي تصلنا 'بدنا نعمل بدنا نساوي' ومهددين أسماء محددة في الجديد أنا واحدة من تلك الأسماء.
أخذت حقيقة ليكس على عاتقك وحملت توقيعك هل تخشين من انتقام ما؟
ـ سبق وقلت اننا نعيش والجرأة معا في قناة الجديد. ولا يحق لي الامتناع عن عرض معلومات حصلت عليها لأني أخشى على حياتي. الأعمار بيد الله وهو الحامي. عمري المكتوب هو لي لن أموت قبله ولا بعده. هذا واجبي المهني والحياة لا تساوي شيئاً من دون موقف. قد يكون أحدنا حذراً لكنه غير قادر على المبالغة في الحذر، الأمر الذي يمنعه من العمل.
ما هو التالي بعد حقيقة ليكس؟
ـ نتابع حقيقة ليكس لنصل إلى مكان تكون فيه المحكمة الدولية قد كشفت قرارها الظني مثلاً، أو قامت بخطوة أخرى. حالياً مستمرون ونأمل بعرض المزيد.