سيد أحمد الخضر


الغرب لا يهتم بغير مصالحه ودائماً يتآمر ضد الشعوب العربية، والغرب أيضا حامٍ للدكتاتوريات العربية، وأميركا وأوروبا مصدر الشر كله عاجله وآجله.. هكذا زعم الذين يؤمنون بالمؤامرة ويهمهم أن يُلقوا بالفشل على عوامل خارجية وغير مرئية في كثير من الأحيان.. إنها صناعة الكسل فقط: نقول إن قوىً عظمى لا تريد لنا الحرية والديمقراطية ثم نخلد للراحة ونألف الاستكانة لأننا لا نريد التضحية ولم نبحث يوما عن الكرامة.
يجب أن نتذكر أن العلاقات الدولية قائمة أساسا على المصالح المشتركة وليس من المعقول أن تفرط دولة ما في علاقتها بأخرى لصالح الحرية والديمقراطية، ولعل الإحسان مفردة لا وجود لها في معجم السياسة الدولية، لذلك لم تضغط الدول الغربية في تاريخها على الحكام الخالدين من أجل إصلاح الأوضاع العربية وتوفير الحرية فما يعني هذه الدول في المقام الأول هو مصالحها وتبقى أنظمة الحكم شأنا داخليا على الشعوب أن تحسمه.
ولا يجوز القول: إن تدخل الغرب في أوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية لدعم الديمقراطية يناقض هذا المبدأ لأن الأنظمة هناك ظلت تعمل على تقويض مصالح العالم المتقدم، بينما أصحابنا وكلاء معتمدون للغرب ورهائن وأسارى للبنك والدولي. ليس هناك من داعٍ للتدخل إذن وليس سرا، كما أسلفنا، أن ما يهم القوى العظمى هو حماية مصالحها وضمان نفوذها. هذا تحصيل حاصل فالغرب لم ولن يدعم الديمقراطية ولن ينحاز لخيارات الشعوب لتشجيع الفضيلة وإشاعة الحسنى وأي مطالب من هذا القبيل تظل جهلا بمنطق الأمور وتجاهلا لطبيعة العلاقات الدولية البالغة التعقيد. الغرب إذن ليس مع الشعوب العربية لكنه ليس ضدها، وليس من أولويات أميركا والاتحاد الأوروبي ضمان بقاء التخلف والاستبداد في الشرق الأوسط ولا حتى في إفريقيا.
عندما يريد العرب السير في دروب الحرية وتحطيم الأصنام ليس بوسع العالم المتنور إلا أن يكون سندا لهم؛ لأن قيم الغرب وفلسفته قائمة على الحرية والتعددية، ولهذا لم يجد الرئيس الفاهم جدا زين العابدين بن علي ملجأ ولا مغارة هناك رغم أنه خدمهم 20 سنة. ففي الساعات الأولى من فجر الحرية في قرطاج أعلنت أوروبا البراءة من زين العابدين وجمدت جميع البنوك الغربية حساباته وأهله ثم التزمت لاحقا بإعادتها للشعب التونسي العظيم. وفي اللحظة التي برهن فيها شعب تونس على جدارته بالكرامة وتحديه لقيود الظلم سارعت فرنسا وأميركا للاعتراف بشرعية الثورة وأعرب المسؤولون هناك عن تقديرهم لمطالب الشباب، وليس هذا فحسب، بل قال الرئيس الأميركي: إنه معجب بشجاعة الشعب التونسي ورقيه في الوقت ذاته، وأعربت كندا وبلجيكا وسويسرا عن عدم رغبتها في استضافة أقارب الرئيس الهارب ومستشاريه لأنها لا تريد الإساءة لثورة تونس.
وعندما وصلت عربة البوعزيزي للقاهرة كان الغرب أكثر انحيازا لشعب مصر منه إلى نظام مبارك، ففي كل يوم يتكلم رئيس الولايات المتحدة عن حق الشعب المصري في تقرير مصيره بنفسه، وأدانت فرنسا وبريطانيا قمع الثورة المصرية. يجب علينا الاعتراف بأن أميركا وأوروبا تقفان إلى جانب الشعب المصري البطل ولن يجد مبارك ملاذا آمنا خارج المنطقة العربية التي يُؤمن فيها جناب القضاء ويُداس فيها حقوق الإنسان.
ما نريد قوله هو أن الغرب ليس عائقا أمام تحرر ورفاه الشعوب العربية؛ لأن العالم الحر لا يعقل أن يكون ضد المبادئ التي قامت عليها الحضارة الحديثة. فقط على شعوب الأمة المجيدة أن تتخلص من الخوف وتتحدى الطغاة الذين يسومونها الفقر والذل والهوان ولن يكون العالم إلا سندا لهم، وعلينا إذن أن نميز بين مصالح الغرب وبين قيمه.