ياسر الزعاترة


عندما يقول أحد الوزراء الإسرائيليين إن الرئيس المصري يشكل laquo;ذخراً استراتيجياً لمصرraquo;، فإن المسألة ليست عادية بأي حال، وعندما يصرّح أحد الرموز المعروفين في الساحة السياسية المصرية، وأحد المقربين من دوائر السلطة (رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشعب، مصطفى الفقي) بأن الرئيس المصري القادم laquo;يحتاج إلى موافقة أميركا وعدم اعتراض إسرائيلraquo;، عندما يصرّح مثل هذا الرجل بذلك، فإن الأمر ليس عاديا بأي حال، ولا تسأل بعد ذلك عن خمسة لقاءات بين الرئيس ونتنياهو خلال عام واحد.
منذ شهور، وربما أكثر من ذلك، والدوائر الإعلامية والسياسية في الغرب والكيان الصهيوني منشغلة بالوضع في مصر، لاسيَّما بعد التحولات الأخيرة في صحة الرئيس المصري لجهة تدهورها المضطرد، وبالتالي قدرته على الاستمرار في الحكم لولاية جديدة، اللهم إلا إذا آمنت الحاشية المحيطة به بعدم إمكانية ترتيب الأوراق لتوريث الرئاسة لنجله جمال في الوقت الراهن.
في هذا السياق تنهض قضيتان، تتعلق الأولى بمدى إمكانية حدوث التغيير في ظل الأوضاع الراهنة، بخاصة بعد دخول البرادعي على الخط كمرشح محتمل للرئاسة (موت الرئيس وحلول شخص من الجيش أو مدير المخابرات مكانه لا يعد تغييرا في واقع الحال)، بينما تتعلق الثانية بأسباب انشغال الدوائر إياها بهذا الموضوع.
في السياق الأول لا يبدو من المتوقع أن يؤدي أي مسار دستوري في إحداث التغيير في مصر، ليس فقط لأن احتمالات أن يستوفي البرادعي شروط الترشيح لا تزال محدودة، بل أيضا لأن أي شخص سيخوض الانتخابات في مواجهة الرئيس أو في مواجهة نجله لن يفوز بأي حال.
نقول ذلك لأن لعبة التزوير بكل أشكاله في مصر باتت تقليدية بعد تاريخ laquo;مجيدraquo; على هذا الصعيد، فضلاً عن أن طبيعة الحزب الحاكم من حيث كونه شبكة واسعة من المصالح لا تسمح بذلك، إلى جانب مؤسسة الأمن والجيش التي يمكنها التحكم بالوضع بالطريقة التي تريد، وهي مؤسسة لم تعد مستقلة بحال، إذ إن عقود الرئيس الثلاثة في القيادة، قد مكنته وحاشيته من اختراقها والسيطرة عليها عبر لعبة الامتيازات المعروفة.
في هذا الأمر تفصيل طويل، لكن الخلاصة أن التغيير الدستوري ليس وارداً بحال حتى لو ألقى الإخوان المسلمون بكل ثقلهم خلف البرادعي رغم عدم قناعتهم به كرمز للتغيير، خاصة أن خياراته السياسية، بخاصة في بُعدها الخارجي لا تبدو مقنعة بحال، بل لا يبدو أنها تختلف كثيرا عن خيارات الرئيس الحالي، وهو أمر بالغ الأهمية في واقع الحال، ليس لمصر وحدها (قضايا الأمن القومي)، بل لسائر أبناء الأمة العربية والإسلامية.
من هنا، فإن المسار الأفضل للتغيير هو ذلك الذي يتجاوز الأطر الدستورية برمتها، ويحاكي بعض التغييرات في أوروبا الشرقية، أعني النضال السلمي الذي يتصاعد بالتدريج وصولا إلى العصيان المدني الذي يحيّد قطاعات الجيش ومؤسسة الأمن مثلما حصل في الدول المذكورة، وقبل ذلك في إيران على سبيل المثال، وهي مسيرة قد تتطلب بعض الوقت، لكنها مؤكدة النجاح، أما المسيرة الدستورية عبر الانتخابات فقد ثبت أن النظام المصري وسائر الأنظمة العربية قد استوعبتها، لاسيَّما بعد حصولها على غطاء من الغرب والولايات المتحدة لتفريغها من أي مضمون حقيقي للديمقراطية.
في السياق المتعلق باهتمام الغرب والدولة العبرية بما يجري في مصر، وهو الأهم بالنسبة إلينا، فإن الأمر يبدو واضحا إلى حد كبير، إذ إن الثقل العربي يكمن في مصر، ومن دون بقاء هذه الدولة في الفلك الغربي، وضمن خيارات التصالح مع الدولة العبرية، فإن مصير هذه الأخيرة سيكون موضع شك، إلى جانب الحفاظ على المصالح الغربية التي تكمن في وضع عربي مفكك تسهل السيطرة عليه. هكذا تبدو مصر هي الداء وهي الدواء، فمن دونها لا يمكن للوضع العربي أن ينهض، كما أنه من دون حدوث التغيير فيها لصالح الانتصار للإرادة الشعبية، فإن الوضع العربي برمته سيبقى ضمن إطار البؤس القائم، والذي يتوزع بين تغييب شامل للإرادة الشعبية، وبين ديمقراطية ديكور لا تسمن ولا تغني من جوع، وفي الحالتين يتعزز مسار التحالف بين السلطة والثروة ضد إرادة الناس ومصالحهم في آن، وضد خياراتهم على صعيد السياسة الخارجية في مواجهة الكيان الصهيوني والتبعية للغرب أيضاً.