سركيس نعوم

أعلن الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، في حديث لصحيفة quot;الفيغاروquot; الفرنسية نُشر قبل يومين، ان quot;الحكومة (التي سيؤلفها) لن تقوم بمراجعة للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان من دون اجماع اللبنانيين ومن دون دعم عربي لذلكquot;.
التعليق الأول على هذا الاعلان هو ان فريق 8 آذار، بقيادة quot;حزب اللهquot; وبرعاية محور سوريا الأسد وايران الاسلامية، قرر ابعاد الرئيس quot;المُستقالةquot; حكومته عن سدة الرئاسة الثالثة لبسبب اساسي هو اهماله الموقف الذي أعلنه السيد حسن نصر الله قبل مدة، والذي أكد فيه ان التسوية قبل صدور القرار الاتهامي عن المدعي العام الدولي ممكنة، لكنها لا تعود كذلك بعد صدوره، وعدم ايلائه الجدية اللازمة لهذا الموقف، واستمراره في الرهان على ضغوط دولية واقليمية من شأنها تجنيبه تجرّع كأس quot;الالغاء اللبنانيquot; للمحكمة المذكورة. وهو أيضاً ان الفريق نفسه قرر ترشيح الرئيس ميقاتي لرئاسة الحكومة الجديدة اقتناعاً منه، ليس فقط بقوته السنية محلياً وإن اضعف نسبياً من القوة السنية للحريري، وليس فقط بعلاقاته الدولية والعربية التي تمكنه من تجنيب لبنان مواقف سلبية كثيرة في حال فك ارتباطه بالمحكمة الدولية، بل ايضاً لأنه هو الصديق المزمن للرئيس بشار الاسد والموثوق جداً منه سيضع فك الارتباط المذكور على جدول أعمال مجلس الوزراء في اقرب فرصة بعد نجاحه في تأليف الحكومة، معتبراً اياه مثل فريق 8 آذار أولوية بالنسبة اليه. والكلام الوارد في حديثه الصحافي الى quot;الفيغاروquot; الفرنسية لا يعكس
هذا الأمر.
والتعليق الثاني على الاعلان نفسه هو ان اجماع اللبنانيين على مراجعة موضوع المحكمة، علماً ان المقصود بها فك ارتباط لبنان بها، الذي يشترطه الرئيس المكلف لاجراء هذه المراجعة، لم يتحقق لا في مجلس الوزراء أي داخل حكومة الرئيس الحريري التي quot;استُقيلتquot; قبل مدة قصيرة باستقالة وزراء 8 آذار منها ووزير الثلث المعطل الذي كان محسوباً على رئيس الجمهورية. ولا يتوقع أحد أن يتحقق داخل هيئة الحوار الوطني رغم انها وفي أول اجتماعاتها بعد تأسيسها قررت وبالاجماع تبني موضوع المحكمة الدولية وتأييده. فالاستقالة quot;الفئويةquot; (سياسياً)، اذا جاز التعبير على هذا النحو، التي ادت الى اعتبار الحكومة كلها مستقيلة انما تسبب بها الانقسام حول المحكمة أولاً وبعدها حول كل القضايا الأخرى. أما عدم توقع نجاح هيئة الحوار في معالجة موضوع المحكمة فسببه فشل هيئة الحوار في اجتماعات عدة عقدت أخيراً في معالجة مشكلة سلاح quot;حزب اللهquot; ومقاومته. وهو فشل يعكس رفض فريق لبناني مهم هذا السلاح واعتباره اياه سلاحاً فئوياً يُستعمل في الداخل، وسلاحاً ينفذ أجندا خارجية من دون ان يمر بالشرعية اللبنانية. والاثنان، أي الرفض والاعتبار المذكوران، يعكسان بدورهما الخلاف الحاد مع quot;الحزبquot; وحلفائه حول quot;المحكمةquot; التي من شأنها، في حال استمرارها واستمرار التزام لبنان بها، تخليص الأخير من quot;الحزبquot; والدولة التي يُتهم بأنه اقامها داخل الدولة. وذلك كله يعني ان الكلام الوارد في quot;الفيغاروquot; غير قابل للتنفيذ.
والتعليق الثالث على كلام ميقاتي اياه المشترط الى اجماع اللبنانيين دعماً عربياً للقيام بمراجعة للمحكمة الدولية هو: ماذا يعني الرئيس المكلف بالدعم العربي؟ هل يريد دعماً عربياً جماعياً؟ والاجماع العربي على هذا الموضوع مستحيل. هل يقصد دعم المملكة العربية السعودية ومصر؟ والسعودية أعلن عاهلها عبد الله بن عبد العزيز تخليه عن مسعاه مع سوريا لمعالجة المحكمة مع الحريري وحكومته قبل اعتبارها مستقيلة. فضلاً عن انها منشغلة بصحة كبار أمرائها، وبالاختلافات في ما بينهم حول السياسة الاقليمية للمملكة وخصوصاً المتعلقة منها بلبنان وسوريا. كما انها منشغلة بمتابعة quot;التغييرات المفاجئةquot; في المنطقة التي لا يحول شيء دون انتقالها اليها. اما مصر فقد بدأت تشهد، منذ quot;25 ينايرquot; الماضي انتفاضة أو ثورة شعبية جعلتها عاجزة عن القيام بأي دور اقليمي. علماً انها قبل ذلك كانت منكفئة عن أي دور من هذا النوع رغم موقفها المعروف بسلبيته من سوريا وايران وحليفهما quot;حزب اللهquot;. وهل تستطيع دول عربية أخرى أقل حجماً ووزناً ودوراً تأمين الدعم الذي يطلبه ميقاتي لمراجعة موضوع المحكمة؟ وهل تستطيع قطر، التي تقوم ومنذ سنوات بأدوار تفوق حجمها الجغرافي وتوازي ثرواتها الضخمة، أن تؤمّن الدعم المطلوب؟ وهل يكون دعمها
كافياً؟
والتعليق الرابع على كلام ميقاتي نفسه هو: هل يكفي الاجماع اللبناني وحده لمراجعة موضوع quot;المحكمةquot; أو الدعم العربي وحده؟ والجواب ان الاجماع الوطني يكفي لكنه مستحيل. والدعم العربي يُغطّي في صورة عامة المراجعة المطلوبة، لكن يفترض فيه ان يكون قوياً وقادراً على توفير الحماية والرعاية وخصوصاً في الاوساط السنية اللبنانية.
والتعليق الخامس على الكلام اياه هو: هل ان مواقف ميقاتي هذه، وقد كررها اكثر من مرة، التي ترمي الى طمأنة السنة والى الامساك بزمامهم نابعة منه وحده، أم انها تحظى بموافقة وحماية من الفريق الذي دعمه للوصول الى رئاسة الحكومة؟ والمقصود تحديداً هنا هو سوريا ذلك ان quot;حزب اللهquot; ومعه ايران مصران على معالجة موضوع quot;المحكمةquot; وفي سرعة. وهل هدف سوريا من الدعم في حال وجوده تقوية ميقاتي فقط، أو دفع الجميع في لبنان من حلفاء لها وخائفين منها ومنهم الى الاستجارة بها لحمايتهم (من بعضهم فقط)؟ وهل يستطيع ميقاتي ان quot;يلبط رجله في الارضquot;، كما يقال في العامية اذا استمرت الصعوبات تواجهه من حلفائه ومن أخصامهم سواء تعلقت بالاستيزار أو quot;بالمحكمةquot; وأن يصرّ على quot;الحكومةquot; الانسب للبنان وله ولحلفائه؟
واذا كانت quot;لبطته في الارضquot; ذاتية المنشأ والقرار فكيف سيرد عليه المتضررون منها محليين كانوا أم أقليميين؟
في اختصار ليس المقصود بالتعليقات المذكورة تصعيب الامور على الرئيس المكلف، أو دفع حلفائه للضغط عليه بغية تجاوبه مع اجندتهم او ابرز بنودها الذي هو quot;المحكمةquot;، أو ايقاع اخصامه في quot;الاحباطquot; واليأس، او دفع حليفه الاقليمي الأول الى التشكيك فيه وتالياً الى وضعه تحت المراقبة، أو إضعاف التأييد العربي والدولي له، رغم كونه خجولاً، بل المقصود هو شرح الاوضاع للرأي العام المستقل اذا وجد، وللرأي العام المنحاز الى 8 آذار، والثالث المنحاز الى 14 آذار وببساطة كلية، كي لا ينخدع بألاعيب الجميع، وكي يتجنب الانزلاق الى أي فتنة جراء شحن ما أو حسابات خاطئة أو مبالغة في
تقدير القوة.