مرعي الحليان
من المهم أن تبقى شعلة الحوار موقدة ونحن نضع قضية الشباب العربي على قائمة الاهتمام، ومن المهم جدا أن يصحو الوطن الكبير باكرا بعد اليوم على صوت الشباب، فهذا الشباب المكبوت المكمم الفم، ثروة قيمة من منظور مختلف الأبعاد والسياقات، فالأمة حينما تجدد نفسها، وتريد أن تعيش حالة من الانتعاش، يجب عليها أن ترفع من موجة صوت الشباب، ولكي تدغدغها الحيوية لا بد وأن ترتكن إليهم، وإلا فإنها ستشبه السلحفاة العجوز التي تموت أثناء ذهابها إلى البحر.
كنا نقول بالأمس إن التغافل الذي استهدف به الشباب طيلة العقود الماضية، صار يراكم مسؤوليات عظاما اليوم على الأمة ومصيرها المستقبلي بالذات، هذه المسؤوليات لا يجب التعامل معها على أنها ظهرت فجأة، أو أنها انعكاس لحالات خاصة، أو فردية، فليست laquo;ثورة البوعزيزيraquo; في تونس، إن جازت تسميتها بذلك، وليست ثورة شباب ميدان التحرير في القاهرة، العاملين الأوحدين اللذين أشعلا فتيل الانتباه إلى مثل هذا الأمر، ولكن لوجود قائمة طويلة من التراكمات ومن التأشيرات التي كانت تقول إن هذه الأمة بدأت تئن تحت عجز شيخوختها، وان شبابها المقصى والمحال باكرا على التـــقاعد عنوة، هو الأساس الذي يشل حركاتها.
في العقود الأخيرة، كان هناك شعور عربي عارم بأن وجودنا كأمة بات سبة، بل ولعنة، وكلما مرت علينا الأحداث العاتية وجدنا أنفسنا مدانين بالتخلف والتراجع وبالخضوع والخنوع، ووصل بنا الحال إلى الاعتراف بهذا العجز والتسليم به أمرا واقعا.. ارتكست فينا الأحلام والطموحات، وفشل فينا اليقين في الصدور، من أنه لا قومة بعد اليوم لهذه الأمة التي سادت حضارتها التاريخ والأمكنة، وكانت في يوم ما تزين الدنيا ببيارقها.. ارتكسنا نتيجة وضع السلحفاة العجوز، ووصل بنا العجز والانكفاء وعقاب الذات إلى سب ذواتنا وقـــــدراتنا وإراداتنا، ثم بدأنا نبصق تلك الاتهامات على كل شيء في الطريق يخصنا، وجئنا على حـــــال الشباب، فقلنا إنه شباب هش، شباب مغيب ومخدر بثقافة الاستهلاك، شباب مستلب، شباب مقلد، شباب أبلغ ما يشغله لون شعره ورموش عينيه.. فقأنا عين الحقيقة في شبابنا، ونحن نسلخ ذواتنا ونعاقبها على تردي أوضاع الأمة. وبدل أن تتوجه الشعلة لإنارة الطريق المظلم، صرنا نحرق بها أنفسنا لنداري قلـــــيلا من ذلك العجز.
نعيد اليوم تدوير الحوار، ويجب أن يبقى الحوار قائما، ويجب أن تبقى طاحونته مستمرة في الدوران لكي تعيد الماء في مجراه الصحيح.. شباب الأمة ليس مصابا بما نعتقد ونوقن من أوهام.. هناك صوت، وهناك طاقة عظيمة، قادرة أن تعيد للأمة روح العنفوان.
هذا يفرض علينا أن نحطم التابوات التقليدية.. وأن نتخلص من عقدة الخوف من صوت الشباب وحيويته، علينا أن نفتح المزيد من المنابر والمنصات للجيل القادر على صناعة الواقع ومستقبله، لأن المنطق الطبيعي لصحوة الأمة يفرض متطلباته واستحقاقاته ولأن ديدن الحياة في طبيعتها يذهب في هذا الاتجاه لا سواه. لا تشيخ الأمة ولا تهرم، إلا عندما يُطمس شبابها وينتكس ويهزم، وتمارَس ضده الشيخوخة والعجز القسريان.
التعليقات