مريم آل سعد
لماذا لم يعين مبارك شخصية قريبة من الشعب كنائب له ليصدقوا نيته للانتقال السلمي للسلطة..؟ ولِم اختار هذا النائب بالذات وهو الوجه الأكثر سوادا لمبارك، كونه رجل المخابرات الذي يفزع الشباب ويرديهم السجون ويعادي انتفاضتهم كجزء من وظيفته ويعتبرها خرقا للأمن العام..؟
ما أحلك الليل القادم إذا كان البديل لمبارك شخصية تنقبض لها النفوس المناضلة ولا تتواءم مع المرحلة الثائرة، quot;هل فضيت مصرquot;..؟ سؤال قاله بالعامية عمرو موسى عندما سأله مذيع البي بي سي عن الفراغ الذي سينتج بعد تنحي مبارك، وذلك أوائل الثورة وقبل تعيين نائبه. نعم، ألا يوجد بمصر رجال قريبون من الناس ومؤهلون للحكم جديرون بأن يكون أحدهم نائبا له..؟ وهذا العجيب.. ألم يجد مبارك من رتل الرجال الوطنيين والموجوعين بحب بلدهم، لدرجة الالتحام بالجماهير والتظاهر معهم، تعبيرا عن تضامنهم وفهمهم واستيعابهم للدور الباسل الذي يؤدونه لتحرير بلادهم من زبانية التخريب الاقتصادي والنهب من قوت الشعب وحقوقه، ألم يعجبه بينهم من يرقى ليكون نائبه وخليفته..؟ كيف انحصر اختياره في هذا المنظور الذي أفرز نائبه الحالي، أليس ذلك إلا لمعاداته الشخصية للثورة، ورغبته بإخمادها وليس إعطاء المتمردين، حسب اعتقاده مطلبهم بتنصيب شخصيات قريبة منهم، ولحاجته لأن يكون نائبه قريبا منه هو لا الشعب، متفهما لموقفه وضيقه لا عونا للملايين عليه، وسندا لحاشيته ومؤسساته المتآكلة بالخراب ليحميها من التداعي والسقوط.
مصر مزهرة برجالها العظام في جميع المجالات القانون والإدارة والطب والعسكرية والهندسة.. إلخ، أليس بين هؤلاء المحنكين وهم كثر شخصيات تحبها الجماهير وتثق بها وتتواصل معها، وفي الوقت نفسه تملك المرونة للتفاهم مع السلطة إلى أن يعجل الله بزوالها وتقلص نفوذها..؟ بلى ولكن كما أن الاتصال مقطوع بين السلطة والجماهير مما أدى للأزمة الحالية فهو مقطوع أيضا بينها وبين هؤلاء النخبة، فهم مبعدون ومهمشون ومزدرون ويعدهم النظام أعداء وخارجين عن الطاعة والوفاق.
والنظام عادة لا يرتاح ولا ينسجم مع المجموعات الطليعية، ويصنفها بالنفور والتمرد، ويعلن ترفعه عنها ويدير لها ظهره، ولا تستوعبها مؤسساته، ولا يستعين بها في أجندته ولا يعترف بوجودها نكاية بها.
هؤلاء المقربون من الجمهور والحاملون انعكاسه والمعبرون عن صوته مقموعون ومتجاوز عنهم فكيف يصعدون لمستوى النظر..؟ بل الأدهى والأمر أن النظام لا يمكن أن يتعاون معهم أو حتى يثق بهم أو يرتاح إليهم، وبصيغة أخرى فإنه لا يعتبرهم منه بل متمردون عن اتجاهه وخارجون عن توجهاته.
لذلك فإن مهمة التغيير أمام المتظاهرين صعبة فهي لن تنتهي بالنجاح بتنحية مبارك لأنه سيحل محله ألف مبارك، ولن يكون الحل لأزمتهم بإبعاده، ما دامت رموزه وبطانته وأدواته ومخلفاته وأسلوبه باقين مسيطرين جاثمين على أنفاس المؤسسات وعملها ووظائفها وروتينها وتفكيرها.
إن التغيير الذي يطالبون به لكي ينجح حقا لا بد أن يجتث جميع الطغمة والكراسي والشخصيات النافذة، ويقتلع الثقافة المدمرة التي استساغت الفساد لدرجة أنه تحول لثوب الحياة العصرية، والمسايرة الطبيعية، واللغة الدارجة التي لا يستنكرها أحد من المستفيدين، وهم المسيطرون والضاربون بالجذور حتى النخاع.
أمامهم المهمة الخلاقة والبناءة والجبارة بالقدرة على دفع الوجوه والعقول المتجددة إلى الواجهة وإلى المسؤولية، وفرضها على الصراع لتنقية المؤسسات من الطفيليات والسوس الذي ينخرها، والسعي الدؤوب والحازم لسن القوانين الإصلاحية المتحررة من القيود والتأثيرات المهزومة، وإشراك جميع فئات المجتمع في انتخابات حرة ومراقبة وآمنة من الانتهاك والتزوير.
التعليقات