سيد أحمد الخضر
الرئيس من قصره إلى قبره.. تلك سجية العرب في زماننا هذا وفي التاريخ البائد أيضا، فقبل أن يؤذن لملك الموت يظل التغيير ضربا من المستحيل، اللهم إلا إذا حل القضاء وهو هنا الانقلاب أو الثورات التي أدرجت قبل أسابيع في معاجم ودواوين العرب.
يصعب عليك تخيل الأسباب التي تدفع هؤلاء للعض على الكراسي حتى آخر ثانية من حياتهم بعد أن أمسكوا بمقاليد الحكم ثلاثين أو أربعين سنة وخلفوا بنين وحفدة جميعهم أثروا على حساب الرعية، ويصعب أن تتصور حرص هؤلاء على البقاء في مواقع المسؤولية بعد أن بلغوا من الكبر عتياً وعاثوا في الأرض فساداً فأهلكوا الحرث والنسل وأذاقوا الرعية مرارة الفقر وظلمة السجون.
البعض يُرجع تمسك أصحابنا بالسلطة للوبيات النظام الذين يحمون ثروتهم ونفوذهم ببقاء هذا الرئيس أو ذلك، وعادة ما تكون علاقة أصحاب المصالح بالسلطان يطبعها الولاء الزائد حتى إذا ما زيّنوا له سوء عمله رآهُ حسناً، وعندما يدرك هؤلاء أن الرئيس خُدع فيهم فأصبحوا سمعه وبصره قالوا له: إن بقاءك ضرورة لحفظ البلد، والبديل هو الفوضى، فيبقى ليُبقي لهم ما كسبوه من مال وما ضمنوه من جاه.. ذلك جانب له حظ من الاعتبار، وهناك رأي آخر يرى أن بقاء أصحابنا في القصور تمليه ضرورات الخارج، فالرئيس مسيّر لا مخيّر، وهو في الغالب على ثغر حساس من مصالح الغرب وإسرائيل. وطبقاً لهذا الرأي ليس من المعقول أن تأذن أميركا لفخاماتنا بالتقاعد بعد أن خبرت ولاءهم وأيقنت من إخلاصهم في أوقات الرخاء والشدة، ولعل هذا الاتجاه فيه كثير من الوجاهة، حتى وإن كان أصحابه يفرطون في اعتناق مبدأ المؤامرة، فكثيرا ما نسمع أصواتاً تقول: إن في تخلف شعوب العرب مصلحة للغرب الذي يخاف نهوض المسلمين، لذلك أوكل إلى هؤلاء القادة العمل على إطالة أمد التخلف في ربوع المنطقة.
لكن هناك سببا آخر يبدو أكثر منطقية وتدعمه القرائن وكذلك الوقائع، إنه غموض مصير القادة بعد زوال الحكم، وهنا لا نقصد أن الرؤساء العرب لا يملكون مؤهلات سياسية ولا إنسانية تمكنهم من المشاركة في الحياة العامة وخدمة المجتمع مما يحيلهم إلى المهمش ويُسكنهم في عالم النسيان. إطلاقاً، ليس هذا ما قصدت، فالجميع يعلمون أن ولاة أمورنا ليسوا بخيرنا، وأنه لولا مشيئة القدر لكانوا نسيا منسيا، ومن الطبيعي أن يركنوا إلى الضياع بعد ذهاب نعمة الملك أو نقمته.
إن القادة معذورون في التمسك بالحكم؛ لأنه لا عاصم لهم ولا أمان بعد زوال سلطانهم، والسبب أن تاريخهم في تصريف الأمور والتنكيل بالعباد يجعل بقاءهم في الوطن خطرا على حياتهم، ولن يرحب بهم أحد وراء الحدود.
إن الجرائم التي اقترفها السادة والكبراء تجعل إقامتهم في الخارج عارا على شعوب العالم وتلويثا لسمعة القضاء الذي مكّن له القانون هناك في المساواة بين القوي والضعيف. بالأمس رأينا منظمات حقوقية في ألمانيا تتصدى لمحاولة الهروب التي يعكف محمد حسني مبارك على تنفيذها، قال المحامون: إن مبارك سيودع السجن بمجرد أن تطأ قدماه برلين وأكناف برلين، حيث يسود القانون وتوفى كل نفس ما عملت، وقبل أيام جابت طائرة زين العابدين بن علي أرجاء المعمورة فلفظته الأرض حتى كاد يحترق في السماء فلم يحصل على الوقود إلا بعد كثير من الاستجداء.
وفي الأسبوع الماضي كتب أحدهم أن زهير بن أبي سلمى لم يكن حكيما ولا قريباً من الحكمة عندما قال: laquo;سئمت تكاليف الحياة ومن يعِشْ ثمانين حولاً لا أبا لك يسأمraquo; بدليل أن مبارك جاوز الثمانين وقد شبّت فيه خصلتان: السلطة والتسلط. قد يكون الكاتب على صواب، لكن المؤكد أن الشنفرى كان حكيما عندما قال: وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى.. وكان دقيقا أيضا: وحده الكريم.
التعليقات