ناجي صادق شراب

أقف بداية عند صورتين، الأولى للواء حسن البرويني قائد المنطقة العسكرية المركزية بالقاهرة وهو يقبل رأس أحد المحتجين من الشباب في ميدان التحرير، والثانية للتحية العسكرية التي أداها المتحدث الرسمي للجيش وهو يلقي البيان الثالث على روح شهداء الحرية في سابقة عسكرية هي الأولى في تاريخ الجيش المصري، وما لهاتين الصورتين من عمق في الدلالة على العلاقة العضوية والوطنية التي تربط بين المؤسسة العسكرية المصرية وبين الشعب، وفي هاتين الصورتين تلتقي إرادة الشعب مع إرادة المؤسسة العسكرية حول أمن واستقرار مصر وفي تأكيد على اعتراف الجيش بالمطالب المشروعة للشعب في التغيير السياسي وبناء شرعية دستورية جديدة .

تعود هذه العلاقة المتينة إلى تاريخ طويل يعود إلى تاريخ تأسيس الجيش المصري العصري في عهد محمد علي والذى وصلت قوته وقتها إلى مشارف الدولة التركية ما دفع بالدول الكبرى حينها لتقزيم هذا الدور، ومن يومها تدرك هذه الدول أن قوة الجيش المصري فيها قوة ليس فقط لمصر، بل للمنطقة العربية كلها، وتقوم هذه العلاقة منذ البداية على أن الشعب يعتبر المؤسسة العسكرية ملكاً للشعب، وليس للنظام، وإدراك الجيش أن قوته يستمدها من هذا التأييد الشعبي . ولعل المكانة الكبيرة التي حظيت بها المؤسسة العسكرية تعود إلى أن هذه المؤسسة يفخر بها الشعب المصري لأكثر من سبب، أولاً لأن هذه المؤسسة أثبتت أنها أداة تغيير مهمة جداً، وأنها القادرة على حفظ هيبة الدولة وكرامتها الوطنية، وأنها القادرة على حفظ التوازن والاستقرار السياسي في مصر والتي نأت بنفسها عن كل فساد . وبالتالي بات هناك إقرار وقبول شعبي، بل شرعية شعبية لدور تقوم به المؤسسة العسكرية . والجيش على مدار تاريخه كان الضمانة القوية لما يشعر به المواطن المصري من أمان وافتخار وطني بأنه يملك أكبر وأهم مؤسسة عسكرية في المنطقة العربية وعلى المستوى الإقليمي .

لذلك ومنذ ثورة 1952 التي قام بها الجيش أولاً ثم احتشد والتف الشعب من حوله وهو ما يتكرر اليوم من تلاحم بين الجيش وثورة الشباب المصري العظيم الذي قدم نموذجاً راقياً حتى هذه اللحظة في التعبير السلمي، وفي إدراك حجم المخاطر التي تحيق بمصر من استهداف خارجي عبر هذه الثورة . إذن هذه المؤسسة تمثل مؤسسة القدرة على الفعل والحدث .

وبقراءة تاريخ المؤسسة العسكرية المصرية نجد أن هذه المؤسسة يرتبط بها كل انتصار تم تحقيقه على مستوى مصر كدولة . وأول هذه الانتصارات العظيمة التي حققها الجيش المصري هي ثورة يوليو عام 1952 التي نقلت مصر من مرحلة إلى أخرى، من النظام السياسي الملكي إلى النظام الجمهوري الرئاسي، وبما نادت به هذه الثورة من مبادئ الاشتراكية والعدالة الاجتماعية، والحرية، والتنمية .

اليوم يقوم الجيش بدور وإنجاز سياسي غير مسبوق في تاريخ مصر المعاصر، وهو دور الحامي والضامن لأي تغيير ديمقراطي، ولعملية إصلاح سياسية بدأت ملامحها تلوح في سماء مصر السياسية، وهذا الإنجاز أو الانتصار الثالث هو انتصار للديمقراطية، وانتصار لاستعادة دور مصر المركزي والمحوري في المنطقة، ومن دون هذا الدور الذي يقوم به الجيش المصري ستدخل مصر في مرحلة من الفوضى السياسية . وليتذكر الجميع بمن فيهم الشباب أن القوى التي تتربص بمصر كثيرة، وتريد تخريب وتدمير قوة مصر كدولة وحضارة وتاريخ، لتفقد هيبتها كدولة كبيرة . ومنذ بداية الاحداث يدرك الجيش دوره وحدود هذا الدور، وعلى الرغم من التسليم بدور الجيش في الحياة السياسية، فإن المؤسسة العسكرية قدمت نموذجاً فريداً ومتميزاً من بين نماذج العلاقة بين المؤسسة العسكرية والسلطة المدنية . فهذا النموذج ومع التسليم بدور المؤسسة العسكرية سياسياً، لكن هذه المؤسسة لا تشجع على الاستبداد، وتقف ضد الفساد بكل أشكاله، وهي التي تقدم الضمانة إلى جانب الضمانات السياسية والدستورية والقانونية لأي إصلاحات ديمقراطية، ولإقامة نظام سياسي ديمقراطي يعيد لمصر دورها ومصداقيتها .

لقد أكد الجيش على هذا الدور من خلال تأكيده على لسان المتحدث الرسمي باسمه أن الجيش يدرك المطالب الشرعية للشباب في التغيير والإصلاح وهذا يؤكد أن الجيش يريد الإصلاح والتغيير وبطريقة تحفظ لمصر هيبتها وكرامتها الوطنية، ولا ينتقص من ثورة الشباب في أن تتم عملية نقل السلطة بطريقة سلمية آمنة، حتى تكون في المستقبل مرشداً لأي تغيير سلمي . واليوم أمانة الحكم والسلطة هي في يد الجيش المصري الذي وقف منذ اللحظة الأولى وانحاز إلى جانب الشعب المصري، وإعادة بناء النظام السياسي المصري على أسس من الديمقراطية الجديدة .

ما حدث هو ثورة شعبية سلمية وليس انقلاباً وهذا ما يدركه الجيش المصري منذ البداية، والسؤال كيف نحافظ على روح هذه الثورة السلمية؟ هذا الانجاز للجيش في حاجة إلى تكاتف جميع القوى الفاعلة الآن في مصر وفي مقدمتها الشباب الذين عليهم أن يدركوا حدود دور المؤسسة العسكرية، وأن يساعدوها على إكمال إنجاز هذا الانتصار .