عبدالله خليفة الشايجي
اليوم هو الاثنين 14 فبراير 2011 ويصادف مرور شهر على سقوط نظام بن علي في تونس. وخلال شهر من عصر الشارع العربي الذي انطلقت شرارته من تونس سقط نظامان عربيان، ولم يكن أحد يتوقع في أكثر لحظات تفاؤله أن تحدث كل هذه التغييرات. إنها قوى الشجاعة والأمل والقدرة على التغيير، إنه تدشين لفجر عربي ونظام شرق أوسطي جديد تغيرت تضاريسه ومعالمه ومستقبله، على نحو يُدخل العرب في صلب المعادلة الإقليمية كلاعب هو الأهم والأكبر. وسيسحب مشروعنا ودورنا الصاعد البساط وزمام المبادرة من تحت الأطراف الإقليمية غير العربية. فالكل اليوم يقف مذهولاً من هول الصدمة والترويع العربي، بما فيه نحن العرب أنفسنا وجيراننا غير العرب الذين لطالما صالوا وجالوا وتسيدوا الساحة الإقليمية.
لقد كنت أتلمس في مقالاتي السابقة ذلك النظام العربي الجديد وسط أحوال عربية آيلة للسقوط بسبب الحالة العربية المنكسرة وأيام الغضب العربي المريرة. وقد علقت مؤخراً أن quot;مخاوفنا كبيرة في عام 2011 الذي بدأ بزخم خطير وغير مسبوق من تراجع أوضاعنا في أكثر من دولة.. ولكن أمل التغيير يبقى قائماً. إنها بداية لعام جديد بتطورات وأحداث مهمة ومؤثرة وبالتأكيد سيكون لها ما بعدها في حالة العرب الصعبة!quot;، ويا لها من تغييرات لم يتوقعها أحد!
لم نكن نتوقع أن نشهد هذه التغييرات وتأثير قوة الشارع الجامحة التي أطرتها وشكلت رافعتها في سياق من المطالب والصرخات ضد الفقر والفساد والقمع وامتهان الكرامة وحالات الطوارئ والتسلط. وكان وقودها ثورة المعلومات الرقمية والفضائيات التي نقلت وكشفت وكانت بدورها لاعباً من غير الدول، بل بمثابة السلاح المهم الذي جعل دولاً كبيرة وأنظمة راسخة وممسكة بزمام الأمور تفقد قدراتها على التحكم. وفي ذلك دروس وعِبر بأن قوة الشارع وقوة الإعلام والثورة الرقمية والقوة الناعمة للشعوب أثبتت أنها أقوى من قوة الأنظمة الخشنة والصلبة والدبابات والعسكر.
والراهن أن جيل تسونامي التغيير العربي وقواه الجديدة لم يأتيا على ظهور دبابات القوى الكبرى من أميركية وأوروبية كالحالة العراقية التي أسقطت نظام صدام في ثلاثة أسابيع بحملة quot;الصدمة والترويعquot;، كما سماها وزير الدفاع ألأميركي حينذاك رامسفيلد. وقد ثبت لاحقاً فشل تلك الوصفة الأميركية بسبب الانتكاسات التي يعيشها العراق وآلام المخاض المستمرة. أما الوصفة والنسخة العربية من الصدمة والترويع فهي حتى الآن ذات أفق مختلف، بانتظار خواتيمها في تونس ومصر.
لقد أطاح الشارع العربي خلال شهر بنظامين قويين مركزيين حكم الأول ربع قرن والثاني ثلث قرن وسقطا خلال أربعة أسابيع. ولأول مرة نجح المصريون والتونسيون، ومعهم العرب، في إحداث تغيير مسالم بعيداً عن استخدام العنف والرعب والفوضى وتدخل الآخرين كمحرضين أو ملهمين كما يود بعضهم الادعاء. ولأول مرة أيضاً يقدم العرب مثالاً للتغيير عن طريق الشارع وبشكل quot;سلميquot; كما قال أوباما ونطقها بالعربية. وفي ذلك انتكاسة ليس فقط للمشروع الأميركي الفاشل في دمقرطة المنطقة، ولكن فيه أيضاً فشلاً لـquot;القاعدةquot; وقوى التطرف التي تدعو للتغيير عن طريق العنف والقوة.
إن الجميع اليوم يراقبون لاستشراف القادم من الأيام صعب ومعقد إزاء استحقاقات شعوب ارتفع سقف مطالبها. وتواكب الآن موجة الصدمة والترويع؟!
التعليقات