عائشة المري

في الرابع من يونيو 2009 ألقى الرئيس أوباما في جامعة القاهرة خطاباً قال فيه: quot;لا يمكن لأية دولة، ولا ينبغي على أية دولة، أن تفرض نظاماً للحكم على أية دولة أخرىquot;، وإن أميركا تحترم حق جميع من يرفعون أصواتهم حول العالم للتعبير عن آرائهم بأسلوب سلمي يراعي القانون، حتى لو كانت آراؤهم مخالفة لآرائنا، وسنرحب بجميع الحكومات السلمية المنتخبة، شرط أن تحترم جميع أفراد الشعب في ممارستها للحكم.

لقد أثار الموقف الأميركي من الثورة الشعبية المصرية تساؤلات عدة حول وضوح الرؤية الأميركية للأوضاع في العالم العربي خاصة بعد أن ظهر جليّاً تناقض التصريحات الرسمية وتضاربها وغموضها في أحيان عدة فغلب عليها الترقب والتوجس، فيما تغيرت التصريحات الرسمية تدريجيّاً. ويجدر هنا التوقف عند بعض المحطات الرئيسية في الخطاب الأميركي:

25 يناير: وزيرة الخارجية كلينتون تقول إن الولايات المتحدة تعتبر أن quot;الحكومة المصرية مستقرةquot; على رغم الاحتجاجات التي تدعو إلى تنحي الرئيس المصري. 27 يناير: واشنطن تحث السلطات المصرية على تطبيق إصلاحات سياسية واقتصادية. 30 يناير: البيت الأبيض يعلن أن أوباما أكد تأييده لانتقال سلس للسلطة في مصر إلى حكومة تحقق تطلعات الشعب المصري. أي أن الإدارة الأميركية تعلن أنها مع تغيير الحليف مبارك ولكن بانتقال سلس للسلطة لنائبه آنذاك عمر سليمان مع بعض التغييرات الشكلية، أي الحفاظ على النظام مع مسحة تجميلية ضرورية.

5 فبراير: كلينتون تقول في ميونيخ إن بلادها تدعم انتقال السلطة في مصر بشكل منظم quot;لكن بأسرع ما يمكنquot;. والناطق باسم الخارجية الاميركية يقول إن دعوة مبعوث أوباما إلى مصر quot;فرانك ويزنرquot; لبقاء مبارك في السلطة لإنجاز التغييرات المطلوبة للتحول الديمقراطي تعبر عن وجهة نظره الشخصية.

لقد وضعت ثورة 25 يناير المصرية الإدارة الأميركية على المحك بين دعم quot;الاستقرارquot; و مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولكن مع تسارع الأحداث وإصرار المتظاهرين في ميدان التحرير، وقمع التظاهرات بالعنف، سرعان ما تخلت الإدارة الأميركية عن حليفها التقليدي في المنطقة، إذ قال أوباما في خطاب له في 10 فبراير: إننا نشهد تاريخاً يتشكل أمامنا. ويؤكد quot;نريد من كل المصريين أن يعرفوا أن أميركا ستعمل كل ما في وسعها لدعم عملية انتقال حقيقية إلى الديمقراطية في مصرquot;.

ومن الواضح أن زلزال ثورة 25 يناير فاجأ الإدارة الأميركية، لكن التعاطي اللاحق مع الأحداث كان براغماتيّاً بامتياز. اليوم هناك حاجة لخطاب أميركي جديد للشرق الأوسط، سياسات أكثر واقعية ترمي أنقاض السياسات القائمة على دعم الديكتاتوريات التقليدية ومحاربة الإرهاب الإسلامي. إن الجيل الذي حرك ثورة الياسمين وثورة 25 يناير ليس المعارضات التقليدية من أحزاب يمينية أو يسارية، إنه جيل خارج عن الأطر التقليدية والتصنيفات الكلاسيكية. والسياسة الأميركية اليوم بحاجة لإعادة صياغة تخرجها من القوالب القديمة. لقد تغير الشرق الأوسط إلى الأبد ولا ينفع أن تستعير الإدارة الأميركية أدوات تحليلية لا تتوافق مع الحاضر.

إن ثورات الشباب طالبت بالديمقراطية، بالحرية، بحكومة منتخبة، بتفعيل المحاسبة، بفرص عمل، فلم تحمل عبارات مناوئة لأميركا، ولم يحرق العلم الأميركي، وبدا واضحاً من خلال تصريحات الشباب وأصداء التظاهرات، أنها ثورة على الأوضاع الداخلية في المقام الأول، ثورة جيل جديد على أوضاع قديمة. فرصة لإعادة الحسابات السياسية للولايات المتحدة. لقد قال الرئيس الأميركي في كلمة مقتضبة بعد خطاب التنحي: quot;لقد تكلم شعب مصر، وأصواته قد سمعت، ومصر لن تكون كما كانت أبداًquot;.