محمد عبد اللطيف آل الشيخ

ما جرى في مصر كانت حركة (وطنية) بامتياز، خلت من شعارات المراحل السابقة، لا في الهتافات، ولا في الشعارات المرفوعة، ولا في مطالبات أساطينها الشباب؛ قضيتهم مصر أولاً ومصر أخيراً؛ معاناة أهلها، الفقر، البطالة، طموحات الشباب، الحرية، رغبتهم الحقيقية في تنمية اقتصادية تنقذهم من واقعهم السيئ؛ لم تعد مصر كما كانت في السابق تتبنى قضايا الآخرين، وتشغل نفسها بما وراء الحدود؛ فلا (الأمة العربية) كان لها وجود في الخطاب، ولا (الأمة الإسلامية) كان لها محل في الشعارات؛ ولم يكن العدو الأمريكي، ولا حتى الإسرائيلي، ولا (التغريب)، وخزعبلات الإخوان السابقة، والتي صدروها إلينا، أي حضور.

ليس لدي أدنى شك أن مصر تعيش مرحلة جديدة تختلف في ثقافتها وفي قيمها وفي أطروحاتها عما كان سائداً من قبل في مصر وفي المنطقة في الماضي القريب. الوطنية لا (الأممية) هي الجذوة التي أشعلت التغيير في مصر، وهي التي كانت بمثابة العامل المشترك الذي جمع المصريين بمختلف أطيافهم وطوائفهم تحت العلم طيف واحد في غاية التجانس؛ كانوا يرفضون و(بحزم) أي محاولة لشرذمتهم وتفرقهم، لذلك نبذوا أي شعار حزبي أو فئوي أو طائفي يدعو إلى الفرقة؛ وهذا ما يلاحظه أي مراقب تابع عن كثب هذه الحركة التي تسعى إلى تغيير الواقع المصري.

هذا الاختلاف تجلى بوضوح في سقوط رموز الأمس، أو على الأقل تراجعهم إلى الصفوف الخلفية، وظهور رموز وطنية حقيقية ليس لها علاقة إطلاقاً بالمعارضة (الكرتونية) التي كانت في حقيقتها من صنائع النظام، والتي كانت رموزها تنطلق من منطلقات لا علاقة لها بالإنسان، ولا بتنميته، ولا بهمومه، ولا بما يعانيه من مآسٍ. يكفي أن تعرف أن الشاب المصري وائل غنيم (من مواليد 1980) هو أحد قواد الانتفاضة المصرية المعارضة، وأحد من صنعوا نجاحها عن طريق توظيف الإنترنت في التنظيم واستقطاب المناصرين وشحذ هممهم؛ اعتقله النظام لمدة 12 يوماً، ثم أفرج عنه تحت الضغوط التي توالت من كل حدب وصوب؛ وبمجرد أن أفرج عنه جمعت صفحة (أفوض وائل غنيم للتحدث باسم ثوار مصر) على الفيس بوك حتى صباح الأربعاء، وقت تحرير هذا المقال، أكثر من 148 ألف مؤيد خلال أقل من يوم واحد، ومن المتوقع أن يحقق هذا الرمز السياسي الشاب رقماً قياسياً من المناصرين لم يصله أي زعيم مصري بعد عبد الناصر؛ ما يعني أن وائل غنيم سيكتسح بلا شك كل التنظيمات السياسية التقليدية في مصر بجميع أطيافها من حيث الشعبية. وهو ما يشير من زاوية أخرى إلى تلهف الرأي العام المصري إلى زعيم سياسي جديد يتماهى مع متطلبات المرحلة، ويكون في مقدوره أن يقود الانتفاضة المصرية إلى خلق واقع جديد يتواءم مع طموحات الشباب، وما رفعوه في انتفاضتهم من مطالبات؛ التي هي في الواقع متطلبات الإنسان المصري البسيط، والبعيد عن الأدلجة والأحزاب.

الغريب أن مظاهرة قامت في الأردن لمناصرة الانتفاضة المصرية كانت ترفع شعارات الأمة العربية الخالدة الواحدة، وتدعم ما جرى في مصر من منطلقات محض قومية استوردتها من (التاريخ) القريب؛ وكأن المحتجين المصريين ما قاموا إلا لإعادة أحلام الأمة العربية، ومجدها الغابر، كما في الخطابات الأممية التي لم يعد لها وجود إلا في أحلام ما تبقى من القوميين.

إلى اللقاء.