ياسر الزعاترة

فعلها المصريون الأبطال. فعلوها وحرروا القاهرة من قيد الطغاة الفاسدين المفسدين، ووضعونا على موعد قريب مع تحرير القدس. هل نغرق في الأحلام إذ نقول ذلك أم أن في حديثنا قدراً من الواقعية؟
كواحد من أبناء الشتات الفلسطيني، أبناء اللاجئين الذين باع محمود عباس حقهم في وطنهم من دون أن يرف له جفن بدعوى أنهم مرتاحون في أماكن عيشهم. كواحد من هؤلاء لم أجد طوال مسيرة اللجوء مناسبة تستحق الفرح أكثر من مناسبة الانتصار المصري، ولم يكن ذلك نتاج قناعة فردية بمفصلية الحدث، بل نتاج قناعة جماعية شاعت في أوساط الفلسطينيين في الداخل والخارج.
ليس هذا سقوطاً لنظام كامب ديفيد كما ذهب البعض، فمعاهدة كامب ديفيد لم تكن تنص على تقديم النظام المصري كل تلك الخدمات الأمنية والسياسية، فضلا عن الاقتصادية (صفقة الغاز مثالا) لدولة الاحتلال، لكنها التبعية التي انتهجها النظام من أجل التوريث، ومن أجل أن يُمنح الضوء الأخضر لقمع المعارضة.
نظام حسني مبارك لم يكن يمارس الفساد والإفساد في الداخل فقط، بل كان يفرّط في الأمن القومي المصري، والأمن القومي العربي أيضا. ففي السودان تهاون في الأمن القومي المصري والعربي، فكانت النتيجة نظاما متصهينا جديدا يتلاعب بمياه النيل في جنوب السودان، وفي العراق فعل ذات الشيء، وفي فلسطين كان العنوان الأبرز لذلك التفريط.
في الملف الفلسطيني باع النظام القضية حين وضعها بيد زمرة فاسدة من الفلسطينيين (لم يكن لمحمود عباس أن يرث ياسر عرفات والسلطة وفتح ومنظمة التحرير من دون الدعم المصري)، وما كان لمحور الاعتدال أن يتشكل من دون مصر، وهو محور وضع العرب رهن المطالب الإسرائيلية، بدءا بمبادرة سياسية شطبت حق اللاجئين في العودة، وليس انتهاءً بجرأة السلطة على اقتراف تنازلات لم يتصورها أحد (كشفتها الوثائق الأخيرة التي نشرتها الجزيرة)، وقبل ذلك المضي في برنامج سلطة تخدم الاحتلال ويجري تحويلها إلى شبه دولة على نصف الضفة الغربية ذات نزاع حدودي مع جارتها لا أكثر ولا أقل.
الآن، وبعد الثورة المصرية سيشطب ذلك كله، وقد كانت تسيبي ليفني، زعيمة المعارضة وحزب كاديما صادقة حين قالت إن شعبها يعيش حالة من الخوف وعدم اليقين بسبب الأحداث التي تجري من حوله.
بعد ثورة مصر سيدخل العرب زمنا جديدا، ولن يكون للغة التنازلات مكان في الوعي الجمعي للأمة، ولن يجرؤ نظام على التلاعب بمفردات القضية التي يُجمع عليها العرب والمسلمون، وكثيرا ما تتقدم حتى على المطالب الداخلية للجماهير.
بعد ثورة مصر، ستتحرر الشعوب العربية، وحين يحدث ذلك لن يكون ثمة مكان للغة التسوية، ولن يجرؤ لا محمود عباس ولا سواه على المساومة على القدس أو سواها من أراضي فلسطين، وإذا فعل فستلاحقه اللعنات، وسيكون ذلك محطة في اتجاه انتفاضة جديدة وخطيرة في آن.
اليوم سيبذل النظام العربي الرسمي، أو ما سيتبقى منه كل جهد ممكن من أجل عدم استفزاز الشعب الفلسطيني، وحتى لا تندلع انتفاضة جديدة في الضفة الغربية يدركون تمام الإدراك أنها لن تهدد سلطة أوسلو فقط، بل ستشعل النار في جنبات المنطقة، وستسقط بعض الأنظمة التي لم تنلها حمّى الثورات الشعبية لهذا السبب أو ذاك.
لكن ذلك كله لن يؤدي إلى تغيير مسار الأحداث، فالشعب الفلسطيني الذي كان سيد الثورات، وهو الذي نشر بين الجماهير العربية ثقافة المقاومة والتضحية والاستشهاد، بخاصة خلال الألفية الجديدة، هذا الشعب لن يكون بمنأى عن نيران الثورة، وهو سيكون على موعد جديد معها، وحينها سيكون المحتلون في مواجهة ثورة لا يحاصرها العرب، بل تدعمها جماهيرهم بكل ما أوتيت من قوة وعطاء، ما يجعلها قادرة على الانتصار بإذن الله.
ليس ذلك حلما بأي حال، بل هو أقرب إلى التحليل السياسي، ونحن عندما قلنا إن المقاومة في العراق ستندلع، وستُفشل مشروع الاحتلال، وكذلك الحال في أفغانستان لم نكن نحلم، وها نحن الآن أكثر إيمانا بأن الثورة الفلسطينية قادمة حتى لو تأخرت بعض الشيء ريثما تتساقط أنظمة أخرى تقف على قائمة الانتظار.