محمد عبد الجبار الشبوط
ما بين 28 شباط الى 2 اذار من عام 1977 عقد الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي الذي وصل الى السلطة بانقلاب عسكري عام 1969 مؤتمر الشعب العام في مدينة سبها جنوب ليبيا. في نهاية المؤتمر تم الاعلان عن ولادة ldquo;الجماهيرية الشعبية الاشتراكية الليبية العظمىrdquo;، وبزوغ عصر الجماهير، الذي سوف يسترشد بالنظرية العالمية الثالثة، التي كتبها القذافي عبر ثلاثة اجزاء من كتيبه الصغير المسمى ldquo;الكتاب الاخضرrdquo;.
لاحقا حرص القذافي على القول بان كلمة ldquo;الجماهيريةrdquo; لا تشير فقط الى اسم دولة، انما هي ايضا اسم نظرية، كما نقول ldquo;الماركسيةrdquo; او ldquo;الوجوديةrdquo; للاشارة الى نظريات ومناهج فكرية وسياسية واقتصادية. القذافي كان يريد من المتلقي ان يتعامل مع ldquo;الجماهيريةrdquo; كما يتعامل مع الماركسية مثلا، وبالتالي ينظر الى القذافي شخصيا كما ينظر الى ماركس وسارتر على سبيل المثال. خلاصة ldquo;النظريةrdquo; الجديدة ان السلطة والثروة والسلاح يجب ان تكون بيد الشعب، لا بيد الدولة، بل ان الجماهيرية هي اعلان عن نهاية الدولة بمعناها التقليدي الذي عرفت به منذ ظهورها في تاريخ البشرية.
بعد 34 سنة من اعلان ldquo;الجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية العظمىrdquo;، تصل رياح التغيير الثورية الشعبية الى البلاد العربية. واذا اردنا استخدام مصطلحات ldquo;الكتاب الاخظرrdquo; فان شمس ldquo;عصر الجماهيرrdquo; اخذت بالشروق على العالم العربي انطلاقا من تونس الجارة الغربية الصغيرة لـ ldquo;الجماهيرية العظمىrdquo;، ليكون الرئيس التونسي زين العابدين بن علي اول رئيس عربي مزمن تتم ازاحته عن السلطة بفعل الجماهير التي كان القذافي يبشر ببزوغ عصرها الجديد.
كان من الطبيعي ان يبارك القذافي، المبشر سابقا بعصر الجماهير، بثورة الجماهير في تونس، ولا حقا في مصر. لكنه اتخذ موقفا مضادا من هاتين الحركتين الجماهيريتين، ووجه اللوم الى الشعب التونسي والمصري على ما فعلاه برئيسيهما. ولما اكتشف الشعب الليبي ان عصر الجماهير لم يبزغ بعد على الارض الليبية، اخذ شبابه بالنزول الى الشارع. مرة اخرى كان من المفروض بالمبشر بعصر الجماهير ان يبارك لشعبه النزول الى الشارع. لكن ما حصل كان العكس، بل ان ldquo;المبشرrdquo; استدعى القبائل وحذرهم من ldquo;عصر الجماهيرrdquo;.
ما ينبغي ان يدركه ldquo;المبشرrdquo;، بعد 42 سنة قضاها في قمة السلطة، ان عهد الرئاسات المزمنة او الرئاسات مدى الحياة يشارف على الانتهاء، بعصر الجماهير او بدونه، وان عليه ان يعيد حساباته، فاما هو فعلا مع عصر الجماهير واما ضده. واذا كان مع عصر الجماهير، فان الوقت قد حان بان يقر بان من حق الجماهير ان ترى اكثر من رئيس يتناوبون على السلطة دوريا، عبر انتخابات سلمية دورية لتداول السلطة لعدد محدود من المرات. وان الوقت ربما قد حان لأن يتنحى عن السلطة، تاركا شعبه يختار زعيما دوريا جديدا له. وما لم يفعل ذلك، فان عصره الذي بشر به ليس، في الحقيقة، سوى عصر سلاطين مدى الحياة بطبعة كانت جديدة قبل 34 سنة!!
التعليقات