محمد عاكف جمال


نشر موقع laquo;الوسطraquo; (على الإنترنت)، نقلاً عن مصادر ذات صلة بمكتب رئيس الوزراء العراقي، أنه laquo;تلقى نصيحة من بعض مقربيه بضرورة التراجع عن الوعد الذي قطعه علناً بعدم الترشح لولاية ثالثة، حيث أخبروه بأن الشعب العراقي لن ينتفض، وأن بعض الإجراءات البسيطة يمكن أن تنهي ما حدث في الأيام الاخيرة في بعض المدن من تظاهراتraquo;.

وكان رئيس الوزراء العراقي قد صرح في أجواء التوجس والقلق الذي أشاعه ما جرى ويجري في أكثر من عاصمة عربية، ومنها العاصمة العراقية، من ثورات واحتجاجات على الفساد والقهر والظلم وسوء الأوضاع، بأنه لن يترشح لولاية ثالثة لرئاسة الوزارة، كما أعلن في سياق الأجواء نفسها عن التنازل عن نصف راتبه الشهري وإعادته إلى خزانة الدولة.

وفي الأجواء نفسها، أدلى مسؤولون آخرون في الدولة العراقية بتصريحات وصفوا فيها المتظاهرين بأنهم مجموعة من المشاغبين، وفي تصريحات أخرى وصفوهم بأنهم مأجورون لإرادات خارجية، أو أنهم من أذناب النظام السابق أو أنهم من القاعدة، وغير ذلك من التهم الجاهزة.

وقد تُوجت هذه الاتهامات للمتظاهرين بالتهمة التي وجهها رئيس الوزراء نوري المالكي، في الكلمة التي ألقاها في الرابع والعشرين من فبراير المنصرم، قبل يوم واحد من موعد انطلاق تظاهرة يوم الغضب العراقي، حين وصف التظاهرة المزمع انطلاقها بأنها مشبوهة تتحكم في مساراتها جهات غير بعيدة عن النظام السابق وعن تنظيم القاعدة وعن العناصر الإرهابية، متجاهلاً أسبابها الحقيقية.

ما ذهب إليه رئيس الوزراء العراقي في كلمته هذه، يعتبر إعلاناً عن قرار اتخذه بالتصدي لهذه التظاهرة ومنعها بالقوة. والحقيقة أن هذا القرار الخطير الذي يدشن مرحلة جديدة في العراق أبرز سماتها الانفصام، شبه التام، بين النظام القائم وبين الجمهور المحبط الذي لم يجد سوى الشارع منصة لعرض مظلمته، لا يمكن النظر إليه بمعزل عن دور المستشارين الذين يحيطون برئيس الوزراء.

المراقب للشأن العراقي يجد نفسه حائراً غير متفهم لجدوى السياسات المتبعة، وجدوى النصائح التي يقدمها المستشارون، متسائلاً أين يعيش المالكي ومستشاروه، أفي العراق أم خارجه؟ وأية خبرات يتمتعون بها؟ وأية معلومات يمتلكونها عن ذاكرة الشارع العراقي وانتفاضاته؟ وأية وسائل في حوزتهم للحصول على المعلومات الدقيقة عما يجري من أحداث في المدن العراقية المهملة؟ وأية نماذج تحليلية يستخدمونها للتنبؤ بما قد تتمخض عنه هذه الأحداث من تداعيات؟ وأية قدرات لديهم لإدارة الأزمات؟

على مستوى المعلومات المتاحة للجميع، لا أكاد أفتح موقعاً إخبارياً إلا وأفاجأ بأن هناك تظاهرات واحتجاجات في مدن العراق من شماله إلى جنوبه، ووقوع تصادمات مع الأجهزة الأمنية وسقوط ضحايا. تظاهرات في الموصل والسليمانية وأربيل والديوانية والكوت والرمادي والفلوجة والبصرة.. و.. و.. وأتوقف عن تعداد الأماكن التي تشهد شوارعها وطء أقدام عراقيين محرومين، يطالبون بحقهم في الحياة بكبرياء وكرامة، لكثرتها.

وعلى مستوى التنبؤ بمسارات هذه الانتفاضات، لا أحد يمتلكك قدراً من الحصافة، يستطيع الاستهانة بها ويغامر بالرهان على أنها ستنتهي دون أن تهز أركان النظام القائم، خاصة أن هذا النظام غير قادر على تلبية المطالب المطروحة في الحدود الزمنية التي تسمح باحتواء الغضب الشعبي العارم، ومنع الوضع من الانحدار نحو الانفجار الشامل.

والحقيقة أن النصائح التي تلقاها رئيس الوزراء العراقي من بعض مستشاريه بخصوص التظاهرات والموقف منها، تستوجب التوقف، لأنها تكشف عن طبيعة الأجواء التي تسود ما يعرف بالمطبخ السياسي، حيث تُصاغ السياسات وتصدر القرارات. وهذا يقودنا للحديث عن الدور الخطير الذي يقوم به المستشار، في صناعة قرار قد تترتب على تنفيذه قضايا كبيرة تعرض الأمن القومي للبلد إلى خطر، وقد تتسبب في إهدار أموال الشعب والتفريط في حرية أبنائه، وقد تنهي الحياة السياسية لمن تُسدى له هذه النصائح.

المستشار شخص على درجة كبيرة من الأهمية، فهو قد لا يكون معروفاً على نطاق واسع، لأنه يقبع خلف كواليس المسارح السياسية ويمارس عمله من خلف الستار، وهو غير معرض بحكم طبيعة وظيفته للمساءلة والحساب أمام المجلس النيابي. فما هي المواصفات التي ينبغي أن يتحلى بها المستشار لمسؤول كبير في الدولة، مثل رئيسها أو رئيس وزرائها؟ سواء كان هذا المستشار للشؤون السياسية أو الاقتصادية أو الأمنية أو أي شأن آخر.

المستشار يكون عادة شخصا واسع الخبرة وواسع المعرفة في المجال المختص به، وعلى اطلاع واسع على تجارب الدول الأخرى، يتسم برجاحة العقل والاستقلالية في التفكير، مراقب عن كثب لما يجري على المستوى الدولي والإقليمي والمحلي، وعلى مستوى أخلاقي وقيمي رفيع.

الواجب الرئيسي للمستشار هو التحري عن المعلومات التي تقدم إلى صاحب القرار، والتحقق من دقتها واستبعاد الغث منها، ووضع خيارات متعددة ممكنة للتصرف بها ووفقها، مع تقديم الجوانب الإيجابية والسلبية التي تترتب على الأخذ بأي من هذه الخيارات، وتقديمها للشخص المسؤول في الوقت المناسب. قد يعرض المستشار رأيه في ترجيح أحد الخيارات دون غيره، وقد يجد من الكياسة، في بعض الأحيان، أن لا يفعل تاركاً ذلك لصاحب القرار.

كما أن من مهام المستشار أن ينقل للمسؤول بدقة وأمانة ردود الأفعال الحقيقية لدى الشرائح المختلفة من الشعب، عن السياسات المتبعة، الخارجية منها والداخلية، دون تحريف أو تزويق أو مجاملة. ومن الضروري أن تكون المشورة واضحة دقيقة، بعيدة عن العموميات وخالية من الالتباسات، تتناسب مع ما هو مقبول في الأعراف والتقاليد المجتمعية، ومراعية لقدرات الدولة الاقتصادية ولقدرات الأفراد على مختلف انتماءاتهم الطبقية، كما ينبغي أن يكون الدافع الأساسي للمشورة هو تحسين صورة المسؤول وتحسين علاقاته مع المجتمع، دون الإضرار بالمصالح العامة.

يتخذ الرؤساء في الدول الديمقراطية مستشارين بعيدين عن الأجواء البيروقراطية السائدة في مؤسسات الدولة، ويكونون مستقلين لا ينتمون إلى الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس ولا لأي حزب آخر، وذلك لضمان الحصول على استشارة غير متأثرة بموقف أيديولوجي أو سياسي.

فهل ما وقع في الخامس والعشرين من فبراير المنصرم في شوارع وساحات المدن العراقية، يدلل على رجاحة العقل الاستشاري في طاقم رئيس الوزراء العراقي أم خطله؟ سؤال نترك الإجابة عنه لرئيس الوزراء نفسه.