إياد الدليمي

لم يكن يوم الجمعة الماضي إلا يوما مكملا في سلسلة أيام العرب التي بدأت منذ أن نجح الشاب التونسي محمد البوعزيزي أن يغير معادلة الشعوب والحكام في البلدان العربية، فلقد شهدت تلك الجمعة تظاهرات واسعة في العديد من العواصم العربية رفعت في أغلبها مطالب لتغيير تلك الأنظمة التي اعتقدت أنها ستبقى جاثمة على صدور الشعوب العربية بلا استيقاظ، ولعل واحدة من تلك التظاهرات ما جرى في عموم العراق، نجح من خلالها العراقيون في لفت أنظار العالم لهمومهم ومعاناتهم التي طالت واستطالت، حتى اعتقد البعض أن العراقيين دجنوا.
تظاهرات العراقيين نجحت في تعرية ما يعرف بالديمقراطية العراقية التي طالما تشدق بها الأميركان ومن خلفهم أبواقهم الساكنون في المنطقة الخضراء، فلقد شاهد العالم كيف تعاملت أجهزة رئيس الحكومة نوري المالكي مع المتظاهرين، رغم كل التضييق والحصار والترهيب الذي مورس على تلك التظاهرات. نجحت تلك التظاهرات في جعل المالكي وحكومته والمسؤولين الفاسدين في مواجهة مباشرة مع الشعب العراقي، مواجهة أراد لها العراقيون أن تكون سلمية، إلا أن أرباب العملية السياسية في العراق المحتل ضاقوا بها ذرعاً وارتعبوا حتى أراقوا دماء العراقيين، لتكون جمعة حمراء بامتياز.
الاستخدام المفرط للقوة من قبل قوات الحكومة لم يكن غريبا على العراقيين، خاصة أولئك الذين اختاروا صف المواجهة، ولكنه كان غريبا هذه المرة لأنه استهدف مدنيين رفعوا شعارات مطالبة بالإصلاح، فلم يرفع أحد من منظمي تلك التظاهرات -قبل الجمعة- أية شعارات تطالب بتغيير النظام السياسي ككل، ولكنهم وبعد أن شاهدوا طريقة القمع التي عوملوا بها، رفع سقف المطالب ليتصدرها تغيير النظام السياسي.
الغريب أن هذا الاستخدام المفرط للقوة لم يقابل بأية إدانة ورفض من قبل الإدارة الأميركية التي ما زالت قواتها التي تتجاوز الخمسين ألف جندي-وفق المعلن- تتواجد بالعراق، وأقصى ما صدر عن تلك الإدارة رفض استخدام القوة ضد الصحافيين.
أمام العراقيين فرصة كبيرة وكبيرة جدا ليتمكنوا من استعادة بلدهم الذي صادرته قوات الاحتلال والأحزاب العاملة معها، أمامهم فرصة ليضعوا العراق على سكة قطار الديمقراطية الحقة، وذلك من خلال استمرار التظاهرات المنددة بهذا النظام القمعي. ليس صعبا على العراقيين أن يغيروا نظامهم، وليس صحيحا أيضا أن هذا النظام مدعوم من أميركا، فلقد أثبتت الثورات العربية من تونس وحتى طرابلس أن أميركا لا تطبق وبشكل حرفي شعار laquo;لا توجد صداقات دائمة وإنما توجد مصالح دائمةraquo;.
المالكي الذي ما زال يسارع في اتخاذ خطوات لترضية العراقيين، يخشى من أن تصل هذه التظاهرات إلى منطقته الخضراء وتهدد وجوده، فهو يعرف أكثر من غيره أن نظامه يعاني من تصدعات داخلية كبيرة جدا، ولا يحتاج سوى لهزة شعبية واضحة من أجل أن يسقط.
الديمقراطية الحقة تقتضي أن يكون الشعب مصدر السلطات، لا أن يكون الشعب هدفاً لنيران القوات الحكومية، ناهيك عن الجماعات الأخرى التي تستخدم من قبل أطراف حكومية من أجل الاقتصاص من كل من نظّم وأسهم بشكل فاعل في تظاهرات الجمعة الماضية.
استقالات المحافظين أو المجالس البلدية المحلية لا يمكن لها أن ترضي العراقيين، فهي في النهاية مجرد ديكورات لنظام أعم وأشمل، نظام ينخره الفساد والمحاصصة التي سئمها العراقيون.
لا يمكن للعراق أن ينهض من كبوة سنوات الاحتلال الثماني، إلا بتغيير حقيقي يكون نابعا من داخل الشعب، وبغير ذلك فإن العراق سيبقى مسلوبا لإرادات شتى تتقاذفه يمينا وشمالا.