طارق العامر

فلسفة التغيير والتي تأتي نتيجة اي حركة احتجاجية هي امر حتمي وطبيعي وصحي, في اي مجتمع ديمقراطي, وهو الثمن الذي تدفعه دائما الديمقراطية من جيبها الخاص, فإذا أردنا أن نفخر, فيحق لنا ان نفتخر بالحالة البحرينية التي استطاعت التأكيد على انها حالة متفردة ونموذجية, من خلال تعامل السلطة مع الحركات الاحتجاجية والتي دخلت اسبوعها الرابع, كدولة ديمقراطية اتاحت لمواطنيها التعبيرعن مطالبهم بمنتهى الحرية وبحكمة وروية, رغم ان هذا الحراك المجتمعي باعتصاماته واحتجاجاته بعضه مخالف للقانون, استخدم فيه المندسون كل الوسائل, وضرب هذا الاحتجاج غير القانوني باطنابه كل مجالات الحياة وتسبب في عرقلتها, علاوة على الخسائر الكبيرة التي مني به الاقتصاد الوطني, لكن كل ذلك لم يرعب الحكومة.
دعونا من ذلك ولنعيد الحديث عن مربط الفرس الا هو فلسلفة التغيير, والتى يمكن تلخيصها في انتشال مطلق من واقع ما قبل الى واقع ما بعد, يسعى الى الاستفادة من عثرات الماضي ليغدو الى مرحلة جديدة, فالحركات الاحتجاجية, وأمام اي نفس احتجاجي تسعى الى احداث تغيرات تصب ارهاصاتها من حالة يشوبها العديد من الاخفاقات الى مرحلة اخرى تتطلع الى النهوض والاصلاح.
في كل حركة حدثت وما زالت في طور الحدث او حركة احتجاجية شبيهة لحركة الشارع البحريني, هناك ايجابيات كما ان هناك سلبيات, اي ان هناك اطرافا laquo;مواطنينraquo; ستحصد ثمرة المكاسب, وهناك اطراف laquo;مندسينraquo; ستدفع الفاتورة خسرانا بينا, فأمام اي حراك في الشارع يكمن افتراض وحلم يتطلع له الشارع, ويسعى عبر الاعتصام والاحتجاج الى تحقيقه, لكن في بعض الاحيان قد يتحول الى ضروب من الخيال يصطدم برفض القيادة السياسية للتغير laquo;ذلك يحدث في دول اسلامية عديدة ينتخب فيه رئيس الجمهورية الاسلامية عن طريق صناديق الاقتراعraquo; مثل تلك الدول لا تتوانى عن مواجهة حركة الشارع بكل اصناف القمع والاستبداد, اما الحالة البحرينية فهي متفردة, احترمت رغبة الشارع بمكوناته الاساسية, وما ميزها هو تلاقي رغبة القيادة في حتمية التطوير والتغير, مع رغبة حركة الشارع, لتتحول مطالب الشعب من عالم الممكن الى عالم التحقيق, وليس من عالم الممكن الى عالم الخيال.
الثابت والمتحول في صلب هذه الحالة يؤكد ان البحرين ما قبل 14 فبراير ستختلف بشكل جذري عن البحرين ما بعد 14 فبراير, لكن ماهي التبعات التي سيجنيها الشارع والمجتمع من مثل هذه الحركة الاحتجاجية؟
مستعد ان ارهن نصف عمري والتأكيد على هذا التحول, فهذه النتائج ليست حتمية لما حدث فقط بل ضرورية, ان الحركات الاحتجاجية تأتي بالمتغيرات, كذلك الحركات الاحتجاجية تأتي بمثل هذه التغيرات, بل اكاد اجزم ان هناك تغيرا جذريا على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي ستواكب عملية الانتقال الى المرحلة الجديدة وبشكل سريع, وان عملية التغير والتطوير والتي سيقودها صاحب السمو الملكي ولي العهد ستطال الجميع وتشملهم, ولن يكون هذا الوطن مرتعا للفساد من جديد, ولن يترك الحبل على الغارب, ولن يكون هناك تعاط مع مشكلة الاسكان على انها مشكلة ثانوية, يقيني ان مقدرات الدولة ستصب نحو توفير ضرورات الحياه ومنها زيادة المرتبات, وسبل العيش الكريم لكل مواطن, وخلق المزيد من فرص العمل, والقضاء على الفقر, وتحقيق التوازن في التعامل مع كل المواطنين..صدقوني عجلة الاصلاح ستدور بسرعة ودون توقف.
لكن الثابت والمستقر لتحويل عالم الممكن الى عالم التحقيق, يبدأ عبر التفكير فى صياغة المستقبل, بدلاً من الاستغراق في مستنقعات الماضي, وكلما تأخرنا او تباطأنا عن الالتقاء على طاولة الحوار, كلما دخلنا في عقود تراجع إنساني وحضاري بغيض يهيج الشارع ويستدعي المكونين الرئيسين نحو تمزيق النسيج الذي احتواهم عشرات السنين.