بينة الملحم

تنظيم القاعدة منذ تأسيسه وهو يتحرك وفقاً للتضاريس الجغرافية الملائمة لحركته؛ منذ أفغانستان وإلى اليمن، فهو من التنظيمات الحركية التي تزحف تلقائياً تبعاً لمناسبة الجغرافيا، وحين يجد أرضاً خصبة للتمركز ينسج التنظيم عشه في تلك البقعة ويبدأ بالتمدد والتحرك وإدارة الأعمال الحركية؛ وحين نقرأ تحولات تنظيم القاعدة خلال السنوات العشر الماضية، نرى أنه يمر بتحول من حيث المركزية الجغرافية، ففي الوقت الذي يعاني التنظيم في أفغانستان حالة التشتت والملاحقة، يوزع مراكزه بين الساحل الأفريقي واليمن، يجد التنظيم غايته في الوقوف على أرضٍ جغرافية ملائمة لقيادة تحركاته الحركية من جهة، وتكون المنطقة جذابةً أكثر حين يكون النسيج الاجتماعي المحيط بتلك الأرض نسيجاً مفككاً يعاني من الترهل والفقر، أو انتشار العرقية والجهل، والفاقة والضياع.

مع الأزمة الليبية الحالية أعادت خطابات معمر القذافي الأسئلة عن وجود القاعدة في ليبيا، وإمكانية تمددها في حال سقط نظامه، الإدارة الأميركية غير مقتنعة أساساً بوجود قيادة مركزية للقاعدة في ليبيا، مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون أفريقيا، جوني كارسون يعتبر أن القاعدة:quot; لم توسع نشاطاتها في الماضي لتصل لليبياquot;. أما من الناحية الميدانية لا يوجد تنظيم مركزي للقاعدة في ليبيا، وتخوف هيلاري كلينتون من quot;استغلال القاعدة للفوضى الليبيةquot; لا يعني أن القاعدة هي التي تدير الحالة الشعبية الليبية ضد نظام القذافي. تحتفظ القاعدة من خلال حركتها منذ تأسيسها بسلوكيات مكررة، فهي تدخل على الأحداث بعد أن تنشب محاولةً أن تقتنص فرصة التأثير أو الغلبة، لكنه دخول غامض لا يمكن القطع بوجوده في الأحداث الليبية على وجه خاص.

كانت سنة 2009 من أكثر السنوات التي نشط خلالها التنظيم في منطقة صحراء الساحل، الممتدة من الجزائر وموريتانيا ومالي والنيجر وذلك بسبب الحرية التي تمنحها إياه الجغرافيا؛ فلدى القاعدة مساحة تصل إلى أربعة ملايين كيلو متر مربع، تمتد من موريتانيا إلى دارفور إلى أن تصل بوركينا فاسو ومالي والنيجر والجزائر وتشاد وليبيا، وهي مساحة خصبة للتمدد والانتشار وإعادة مركزية التنظيم، ويمكن للقاعدة من خلال ذلك الاستغلال لتلك المساحة بأن تعيد تشكيل انتشارها في مكانٍ حيوي من أفريقيا. إنها محاولات من قبل القاعدة للتمركز، لكن تهويل انتشارها إلى درجة تضخيم دورها في أحداث ليبيا غير مبرر..

وواقعياً ذلك صحيح أن التنظيم غرس جزءاً من جذوره منذ سنة 2009 في المناطق القريبة من ليبيا، لكن، وحتى الآن لم تصل به القوة إلى أن يدخل أو يشاغب مع نظام القذافي.

إذا كانت القاعدة قد فرحت بهذه المنطقة الخصبة جغرافياً واجتماعياً لتمديد حركتها، فإن ثمة تحديات تعيق تمددها المستقل في تلك المنطقة، وسأكتفي هنا بذكر عاملين اثنين، أولهما: أن المنطقة التي تريد أن تستثمرها لمشروعها الحركي مأهولة بالعصابات المحترفة، هناك خطط من أجل النفوذ والتوسع لكنها ليست خططاً كبيرة، ربما يحتاجون إلى وقتٍ كبير حتى يتغلبوا على نفوذ متواصل من قبل العصابات لتأسيس مركزهم في الساحل وهذا يحتاج إلى زمن ليس بالقصير.

ثاني التحديات: أن التنظيم ليس متشجعاً أن يكسب الأفارقة ليصلوا إلى مستوى القيادة، حيث يحصر التنظيم المناصب القيادية بالعرب الخُلّص، وهذا يضعف من شعبية القاعدة لدى سكان تلك المناطق المشبعة بالنزعات العرقية، حيث أثبتت الأحداث المتلاحقة أن خلافات quot;عرقيةquot; تحدث أحياناً بين أعضاء تنظيم القاعدة، وفي تقرير كارنيجي نقرأ أن القاعدة تناضل: quot;من أجل إثبات التزامها أفرقة الجهاد من دون أفرقة بعض قياداتهاquot;.

تلك الحالة من التمركز واللاتمركز من قبل التنظيم تجعلنا نصل إلى أن ادعاء وجود دور محوري وجوهري من قبل القاعدة في أحداث ليبيا الأخيرة هو اتهام سياسي ليس له مبررات واقعية وميدانية، فهو يبقى في إطار سنّ الرماح ضد المتظاهرين، القاعدة في تلك المنطقة تحاول أن تزرع نفسها بهدوء، ولم تصل قدرتها إلى تهديد الأنظمة أو قلبها، إنها تكتفي بالتواجد في منطقة جغرافية طالما سحرت التنظيم!