لايزال العالم کله يتذکر المؤتمرات الصحفية المثيرةquot;للسخريةquot;وquot;القرفquot;لوزير إعلام النظام البعثي محمد سعيد الصحاف والتي کان يطلق خلالها جملا و عبارات و أمورا و تهديدات مختلفة لو کان قد صح 10% منها، لما کان قد حدث ماحدث، لکن الصحاف الذي کان في الاساس موظفا أجيرا بدرجة وزير إعلام لدى الدکتاتور المقبور صدام حسين، لم يکن في وسعه أبدا أن يقوم بشئ غير ذلك الذي يرضي غرور و غطرسة الدکتاتور و يمنحه قدرا أکبرا من راحة البال و النفس.

محمد سعيد الصحاف، الذي بدأ نجمه بالسطوع في مستهل العقد السابع من القرن المنصرم عندما تم تعيينه رئيسا للمؤسسة العامة للإذاعة و التلفزيون و أبلى هناك بلائا حسنا لفت إليه الانظار خصوصا من حيث إبداعه و إجادته في مختلف أنواع الرياء و التملق و التزلف لأولياء نعمته، يروى عنه أنه کان أيضا ذو روح مرحة و له طلعاتquot;کما يقول العراقيونquot; متميزة به، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، أن مطربا عراقيا يدعى عباس جميل، بثت له أغنية کانت تسمى(أنطيني کلبك خلي أحبه)، وأثناء بث الاغنية من تلفزيون بغداد، صادف أن شاهدها الصحاف حيث کان المطرب يردد: أنطيني کلبك خلي أحبه، فکان کورس رجالي يجيبه: أنطيه إياه أنطيه إياه، ولهذا الحوار الغنائي أکثر من معنىquot;خاصquot; ولاسيما لدى العراقيين الظرفاء، فهاتف الصحاف تلفزيون بغداد قائلا باللهجة العراقية الدارجة: أوکفوا الاغنية لو صدك أنطيه إياه!، أي أوقفوا الاغنية وإلا سوف أعطيه إياها بجد، و الحق أن هذا المثال برغم ظرافته يحمل بين طياته الکثير من المعاني أهمها الحس الخاص للصحاف و حرصه على سمعة و اعتبار المؤسسة العامة للإذاعة و التلفزيون العراقية أمام الشعب العراقي، و يروى أيضا أن الصحاف کان يتابع و عن کثب الکثير من البرامج و المسلسلات و الاعمال الدرامية أثناء العمل بها و عند البث و ترك الرجل آثار بصماته الواضحة في ذلك المرفق المهم حيث قدم خدمة کبيرة للنظام البعثي في تلك الايام و التي ساهمت مساهمة قوية في إبقاء النظام و ترسخه في العراق لأکثر من ثلاثة عقود.

محمد سعيد الصحاف، تذکرته وانا أتابع الاعلام الليبي الخاضع لسلطة القذافي، وهو إعلام يثير الضحك و السخرية الى أبعد الحدود، إعلام تفوق على الاعلام التونسيquot;أيام زين العابدين بن عليquot; و الاعلام المصريquot;أيام حسني مباركquot;، و الاعلام العراقي أيام صدام حسين و أم معارکه و العلوج الذين باغتوه و الذين خسئوا و ردوا على أعقابهم کما کان يؤکد وزيره الصحاف، بل أن اعلام القذافي قد إجتاز و تجاوز کل الحدود المألوفة ولم يعد يهمه شئ سوى إرضاء غرور قائد الثورة فقط و ماعداه فلاأهمية له، والمتتبع لما يبث و يذاع عبر وسائل الاعلام القذافيةquot;ولا أقول الليبية أبدا لأن ليبيا براء منهquot; يصادف و يشاهد و يسمع من خلالها الاعجب من العجيب و الاغرب من الغريب، فجأة تجد المعارضين السابقين يتهافتون على القنوات و الاذاعات التابعة للنظام و يبدأون بسرد ماضيهمquot;المخزيquot;و حاضرهمquot;النضاليquot;!! و يوجهون نصائحم و إرشاداتهم القيمة من خلال تجربتهم الفذة للشعب الليبي المدمن على حبوب الهلوسة و المغرم فجأة بتنظيم القاعدة و العمالة لأمريکا و اسرائيل!! تارة تسمع:quot;طز في العربية و الجزيرةquot;، تارة تسمع:quot;سيعرف العالم کله کم أخطأ بحق ليبيا (أي نظام القذافي)quot;، و تارة أخرى تسمع بأنه لم تعد سوى سويعات و يعود کل شئ الى عهده الاول او بحسب قاعدة مترنيخ(وزير خارجية النمسا أيام نابليون بونابرت)، إرجاع القديم الى قدمه!

لله کم أنت بائس و هزيل أيها الاعلام الممجد لشخص ضد شعب بأکمله، وکم أنت صغير و ضئيل أمام حقيقة و واقع أکبر من دکتاتورك بکثير، لکن أجد من الامانة الاعتراف بأن أعلام معمر القذافي قد هزم فعلا مدرسة الصحاف و جعلها صفحة مطوية في ذاکرة النسيان وان المهازل و النوادر التي سوف تروى في مجال هذا الاعلام و في هذه الايام بالذات، بعد أن يفرغ الشعب من أمر نظام القذافي، سوف تبقى للبشرية جمعاء کتراث هزلي ساخر في ظاهره لکنه مؤلم في باطنه وقطعا فإن هذا الاعلام هو حاصل تحصيل ذلك الدکتاتور او کما يقول المثل: ان هذا الشبل من ذاك الاسد!