كنت قبل اليوم الموعود، يوم جمعة الغضب، قد كتبت عن الحدث الموؤد محذرا من فخ جديد، و حينها لم اكن افرش على قارعة طريق ساحة التحرير خرزا ملونة و بعض حصى و محابس لاقرأ لدعاة التظاهر طالعهم، فقدكنت على يقين بأن ما سيحدث لن يسر صديق، و إن نفع غيره او اغاض كائدين.
و اليوم اود التذكير ببعض ما كنت كتبت فالوقائع قد اكدت صحة التحذير، لهذا ارى ان احذر مرة اخرى بأن ما يراد له ان يحدث انماو بغض النظر عن النوايا، انما هو اغتيال سياسى لجهد وطنى كاد ان ينضج ليكون فى صالح العراق و شعبه، اما السراب الذى يلوح للبعض فهو يقتل العطشى و لا يسقيهم لانه خداع. لذلك اجدنى احذر و بقوة الكلمات لا بقوة الرصاص الذى اوقع الشهداء والجرحى، فانا لا املك رصاصا ولن اسعى لامتلاكه الا للدفاع الشرعى عن النفس لانى من رجال السياسة العراقيين الوطنيين، لا من
سماسرة الدجل الطائفى و العنصرى و العشائرى، و لا من اعوان الطاغية المقبور، و لا من ادلاء المحتل و لا انا ارهابى دخيل و لا من تجار الحروب و الازمات و المخدرات....
فى بلاد الاخرين حيث تورق الديموقراطية و تزدهر، فأن الناس و فى اغلب الاحيان لا يتظاهرون احتجاجا او رفضا لاوضاع حياتية هى نتاج انهيار اخلاقى لنظام يقوم على الخداع و الكذب، فللناس هناك اعرافهم ونوابهم و ممثلوهم و مؤسساتهم الدستورية الفاعلة كما لهم حكوماتهم و كل يتداول سلطاته بمصداقية اخلاقية و انتظام كى تسير بلادهم فى هدى ثوابت وطنية راسخة و اجماع سياسى وطنى و قيم اجتماعية نافعة تراكمت من خلال تصرفات المسؤولين طوال سنين، اما فى عراق اليوم كما فى عراق الامس فالامر مختلف.
حين ذهب الناس يوم جمعة الغضب الى ساحة التحرير، فهم لم يذهبوا ليشاهدوا كرنفال فرح غاب عنهم منذ دهر من الزمن، انما ليستخدموا و ان فى حزن، حقا هو من حقوقهم الطبيعية، فقد ولدتهم امهاتهم احرارا، وليعلنوا رأيهم فى شؤون اساءت اليهم كمالغيرهم، مدركين تماما ان مجرد الاعلان عن الرأى حتى وان كتبوه على ورق من حريرفهو امر لا يرتضيه حكام اليوم كما حكام الامس لهذا جاءهم الرد بالرصاص لا بالثناء!!.
ان الاعلان عن الرأى هو حق طبيعى من حقوق الانسان، تأريخيا، و دوليا، و وطنيا،لا من عطايا الحكام و لا من مكارم دساتيرهم فهو ليس بحق مكتسب، فإن اراد الحكام المخادعون ان يوثقوه فى اوراقهم او ان ينكروه، فهذا من شأنهم.
دعونا نتسائل..لماذا ذهب الناس الى ساحة التحرير و مشيا على الاقدام قاطعين مسافات غدت دروبها شائكة و ملتوية بسبب اجراءات السلطة ( المنتخبة )، فهل كان لمجرد ان يعلنوا من هناك عن فساد لم يعد يطاق و ان يتساقط من اجل الاعلان شهداء و جرحى؟
بالرغم من ان الفساد لا يحتاج اليوم الى التظاهر فقد غطى الشمس من جهاتها.
من هم اغلب الذاهبين الى هناك؟ اليسوا هم من شارك فى انتخابات عام 2010 و عام 2005 و عام 2004 و اوكلوا عنهم نوابا ليمثلونهم؟
اللهم اشهد، فانا لم انتخب احدا.
و اليوم...اين اولئك النواب؟؟
ماذا يفعلون؟
هربوا الى اين؟
الم يكن بين اولئك الشهداء من كان انتخب واحدا من نواب اليوم او من نواب الامس؟
بلى... و رب اللات والعزى!!
لماذارفض النواب مشاركة ناخبيهم فى التظاهرات؟ فما من احد منهم اختفى،و ( ما اختفى النواب يوما )، و ( باطل )من قال بأختفائهم، فهم احياءعند منافعهم يرزقون.
نعم. لم يختفى منهم احد.فنحن نجدهم و هم يتقيؤون فى صحون الفضائيات فى الليل و النهار،و يهذون دون تعب ساعات طوال امام شاشات التلفاز،و يلوكون قصصا خرافية عن الانس و الجان فى جلسات مرحة تنقلها و سائل الاعلام اللعينة، و لهم تصريحاتهم اناء الليل و النهار، الا يتعبون؟ الا يشغلهم شاغل؟ الا ينامون؟
نجدهم يسرعون لاستلام ( اتعابهم ) من رواتب و مخصصات و امتيازات خيالية كما حددوها لانفسهم، فهم امناء على مسؤوليلتهم،، نجدهم عند بنوك دمشق و عمان و بيروت و القاهرة و الخليج و طهران و لندن و غيرها يودعون فيها اكياس نقود، هل ادلكم عليها؟
نجدهم فى المطارات يحملون حقائبا فيها كل ما ( تشتهى الانفس )الا حقوق المواطنين.أفلم يعطل هؤلاء البلاد و الدستور و مصالح المواطنين لسنة كاملة و هم يتحاصصون ليضمن كل منهم حصته و مقعده الوثير فى دهاليز احدى الرئاسات الثلاث.
اليسوا هم الناعقون صباح مساء؟
عمً يتناعقون؟
ربما تسلى البعض من الناس فى لحظة ازدراء بالحياة ليقول بان النواب اولئك رفضوا تمثيل ناخبيهم، فقد حدث هذا طوال كل تلك السنين العجاف التى اعقبت رحيل بول بريمر،و الى اليوم، لكن لا احد من النواب قال ذلك.إفاذا كان الرفض من حقهم،فمن يمثلون اذن؟عن من يترافعون؟ و ( النائب ) عن من ينوب؟
نعم، انه ينوب عن طائفته،عن كتلته، عن حزبه، عن مرجعياته لانها هى التى جاءت به،اما صناديق الاقتراع فهى لم تكن اكثر من صناديق القمامة.
لنصفق لهم فقد جاءوا بفرية ما جاء بها احد من قبلهم.
النيابة يا اهل ساحة التحرير، عقد بين الناخبين ومن ينتخبونه، فالنائب يتعامل لصالح ناخبيه لا لصالح جيبه، فاذا اخل بواجبه، توجب عزله.فلماذا لا يعزلون و لماذا لا يحاكمون؟
لماذا الاحتفاظ بهم؟
حين افتقد الناس نوابهم، و جدوا فى الذهاب الى هناك ضرورة فكان ان تساقط منهم عشرون شهيد و لكن لماذا تخلى النواب عن ناخبيهم، و لم يتخلوا عن جنسياتهم الاجنبية؟
لماذاتساقط من الناس شهداء ابرار و لم يسقط من النواب قتيل؟
لا ادرى من اين جاء اولئك الناخبون، بهؤلاء النواب؟ حتى وجوههم لا تشبه وجوه العراقيين.
فى كانون من عام 1948 تظاهر العراقيون الاباة ضد معاهدة بورتسموث مع بريطانيا و ضد وزارة صالح جبر فاسقطوهما و تساقط منهم ثلاث شهداء فقط برصاص حكومة الخيانة فى بغداد، فاستقال احتجاجا على بطش الحكومة عبد العزيز القصاب و كان حيذاك رئيسا لمجلس النواب كما استقال معه اكثر من عشرين عضوا من اعضاء المجلس إ و اليوم يتساقط عشرون شهيدا و اكثر من مائة جريح و النواب الغيارى منشغلون بمجلس السياسات الا ليت الزمان يعود يوما فاخبره بما فعل الاذلاء فى الواقع، فانا لا ارى عيبا فى اؤلئك النواب،فقد خلقهم الله كما هم عليه و لله فى خلقه شؤون، انما ارى العيب كله فى من انتخبهم، و اعاد انتخابهم مثنى وثلاث.
و اذ رأت كليوباطرا الانتحار فجاءت بافعى، و ما ادراك ما الافعى،لتسرح فوق صدرها بحنان و لتلدغها و لتموت. فهذا هو شأن الافاعى تلدغ اصحابها، فليشرب الاصحاب نخب الافاعى لكن لم جاء الناخبون بالافاعى؟
من وصف لهم تلك الافاعى، انها ذات الاجراسمرجعياتهم هى التى وصفت تلك الافاعى؟ حسنا، فليستريحوا و يرقدوا بسلام كما رقدت كليوباطرا.
و اذ اضاغت كليوباطرا سحرها فقط، فقد اضاع اولئك العراق و شعبه،كما فعل غيرهم من قبلهم.
لربما ظن البعض، و ان بعض الظن اثم، بانى ادعوا الى استبدال اولئك النواب باخرين غيرهم،فبعض الظن هنا صحيح
و اليكم ما اعنيه...
حين جرت الانتخابات الثلاث فى السنوات، 2004، 2005، ثم فى 2010،فانها اعتمدت سياقات خطرة، مشبوهة، مدمرة، و ملتوية و انتهجت سبلا معتلة،و شاذة، و منحطة، و انحصرت بين نخب لطوائف عرشت فوقها عصبيات و مرجعيات آثمة طائفية و عنصرية و عشائرية و اقصيت عنها قطاعات واسعة و كبيرة و مؤثرة من العراقين و بتهم شتى و جرت تحت عباءة المحتل و وفقا لمقاسات تلائم اعوانه و مصالحه و اتخذت من الارهاب حجابا ليغطى حقيقة المستفيدين منها و لم يكن لفرسانها الملثمين سياسيا اية برامج وطنية على الاطلاق لا سياسيا ولا اقتصاديا و لا امنيا و لا اجتماعيا و لا تحرريا و لا ثقافيا لانها اصلا لم تكن تهدف الى معالجة الاوضاع المتردية انما لتغزل نسيجا مزيفا لشرعية انتخابية فقط لنظام ولد من رحم احتلال لا من ثورة وطنية او انتفاضة جماهيرية، و لهذا جاءت بمن جاءت به من صبايا بلا لباس و من اسماء ملوثة بعارها السياسي و المالى و بمن لا يملك شيئا من التأريخ الوطنى العراقى.
لذلك فان اية انتخابات قادمة، مبكرة ام دورية، انما ستأتى و بحكم طبيعة الاشياء بنفس الاوحال ما لم تنقلب كل الارضية التى استندت عليها سابقا، فان لم تتغير فلن ينتج عنها من هم افضل من هؤلاء.
لقد كان هذا هو رأينا من قبل و ما يزال غير اننا أثرنا فى حينه الانسحاب السلمى فى ظرف امنى وسياسى ردئ و سئ رأينا فيه مرتعا للارهابيين المجرمين و لاذناب الطاغية المقبور،لذلك جنحت موازين القوى لصالح اهل النظام الحالى.
و اذ نرى اليوم من يدعوا للتظاهر فانما لكونهم يعانون من التواء فقرات عمودهم السياسى، فهم اصلا من اهل النظام و من خلانهو مريديه و ما انفصلوا عنه لصحوة وعى وطنى ينقذهم من ظلمات درب ساروا فيه دون هدى و قادهم الى ضلال، فما من احد منهم القى بعصاه ليلقف ما صنع ساحر من سدنة الطائفية اللعينة، لهذا بقيت هوياتهم السياسية مختبئة خلف حجاب ومجهولة النسب ان الولاء للوطن العراقى هو اسمى من كل ما هو دونه من ولاءات طائفية و عنصرية و عشائرية جاهلية و متخلفة.و الوعى الوطنى هو الذى يقطع رأس الافعى. لنلتقى فى مقالة اخرى.