لابد من أن تصل الرسالة واضحة وصريحة وبأسلوب هادئ ومتحضر الى مجلس النواب العراقي وأعضاءه الكرام لتحصين الاستقرار السياسي وتجنيب البلاد فوضى ألآوضاع المتأزمة . أقرار الحقوق له علاقة مباشرة بأقرارهم الدستوري لحقوق خاصة بهم وألغائهم لحقوق عامة لشعبهم . فما هو مُقرُُ ومُكتسب لهم بموجب الدستور والقوانين الصادرة ( لاحقاً ) لتُنظم أمتيازات خاصة لهم ، مُقرُُ ومُكتسب أيضاً لحقوق الشعب الأساسية الذي خولهم الأمانة ومنحهم السلطة لحملها بعدل وكرامة . أليس كذلك؟

وللتذكير ، كان quot;الحس الوطنيquot; لقادة المجتمع المدني في سنوات معارضة دكتاتورية صدام وزبانيته وسقوطه نظامه كلياً ، تُشير (لحقوق مُنحت ْ وحقوق أُجحفتْ ) ، بل وأُلغِيتْ عن الطبقات الاكبر التي سادها الغضب والثورة في جنوب العراق وشماله لرفع الظلم والمطالبة بالمساواة والعدالة ، الأمر الذي دفع بالشيعة السنة والاكراد والمراجع الدينية ومجموعات عسكرية الى محاربة النظام الفاسد للأسرة الواحدة .

وحين أرجعُ الى الماضي المرير للتذكير بالتضحيات التي قدمناها كعوائل عراقية والتشرد الذي عانى منه شعب العراق لنيل الكرامة وتعزيز الأخوة الوطنية ، ينتابني الأحساس بأن الغضب والثورة لرفع الظلم والقضاء على الفساد والمطالبة بالمساواة لم تترسخ بعد في أذهان من بدأَ يمنح لنفسه حقوق وأمتيازات ورواتب وحصانات وخدمات يومية ، يُمنع أستحقاقها على الطبقات الفقيرة.

بكل وضوح وأباء ، أقرارات الحلول الحكومية التي تأتي بأمتيازات وأكراميات من السجان (السلطة الحاكمة المُفوَضَة) الى السجين ( الشعب المُفوِض للسلطة ) مرفوضة لأنها صادرة من الجهة التي تلاعبتْ بدستور الدولة بأهوائها دون تدقيق - والأمثلة كثيرة - . وكما دعوتُ مخلصاً في مقال سابق نشرته quot;أيلافquot; : العراق : أخطاء دستورية ، برلمان متخلف ، وشعب فقيرquot; ، بأن الحل الأمثل والأفضل هو أعفاء الحكومة الحالية وحل مجلس النواب ونظامه الداخلي وقوانينه اللاحقة التي منحت حقوق وأحقيات لاعضاءها ، وأجراء أنتخابات عامة جديدة للنظر في أعادة بعض الصيغ الدستورية الخاطئة التي لم تُطبق منذ سنوات ، ونظراً لغض السلطة التشريعية والتنفيذية عيونها عن السرقات والفساد وتهريب الأموال أو واجهته بتراشق الأتهامات والتهديد فيما بينها ، دون محاسبة قضائية حقيقية للفساد وسرقة المال العام ، وهو ماستعبر عنه الطبقات الشعبية العراقية في جمعة الكرامة يوم 4 آذار بطرق سلمية دون تهديد أو تخريب.

ومن المؤسف ، أن الدعوات التي تصدر من القائمة العراقية ، تضع أصبعها على الألم دون عمل شيئ سوى المزايدة الأعلامية وتصريحات لامعنى لها كقول قياديّها (ان معاناة العراقييين كبيرة وكثيرة منها ما هو بسبب انعدام الخدمات وتوقفها وتراجع الاقتصاد وإزدياد البطالة والفقر والجوع ومنها القمع والتهميش والاقصاء والاعتقال ومنها القوانين المسييسة كقوانين المخبر السري والاجتثاث والارهاب ومنها ما هو مرتبط بالفساد المالي والاداري والغلاء فضلا عن تبني سياسات المحاصصات الطائفية السياسية والجهوية والحزبية البغيضة) .

وهي مؤسفة عندما تكون كدعوة مماثلة أطلقتها رئاسة مجلس النواب بالتحقيق والمطالبة بالأصلاحات الفورية المرتبكة ومقاضاة الفاسدين والمنتفعين والمهربين وخلط التهم والمحاسبة الشديدة المرتقبة ، ليست كافية و لن تمر بتصريح النجيفي ودعوته quot; الحكومة الى فتح تحقيق في سقوط ضحايا من المتظاهرين وتلبية مطاليبهم في البيان الذي تلقته quot;إيلافquot; نسخة منه وجاء فيه quot; دعم مجلس النواب الكامل للمتظاهرين في المطالبة بحقوقهم داعيا الحكومة الى تحمل مسؤولياتها في حماية المتظاهرين والحفاظ على ارواحهم وعلى الممتلكات العامة والخاصة مؤكدا ان حق التظاهر مكفول للجميع quot;.
خطابات ودعوات ترقيع وتطبيب مثل هذه ، تُطلقُ بين الحين والحين ، كبالونات هواء من المشرعين الذين لايشرعون ، ويتجاهل فيها الجميع بأن المطالب الشعبية للتغيير الحقيقي تدعوهم لحل مجلس النواب الحالي لنفسه ، لتبرأه من اليمين الدستوري والتعهد بخدمة الشعب أولاً.
فهؤلاء هم كمن أكتشفوا أستخدام البارود لأول مرة في تاريخ العالم .... ومقاعدهم البرلمانية هي تكريس لعبارات ديمقراطية تُطرش الاذان دون العمل والألتزام بمفاهيم الديمقراطية والحياة المدنية الحرة . المظاهرات الشعبية التي طافت شوراع المدن خرجت بشكل سلمي للتعبير عن أحتجاجها على الفساد الفاضح والنية في محاصرته بالطرق السلمية بعد أن سقط القناع عن دولة الفساد والتخريب الأجتماعي التي تحتل المرتبة الثالثة في أكثر الدول العالم فسادا، وأفهام المنفاقين منهم بأنه لاتوجد مرجعية في النظام الديمقراطي غير مرجعية الشعب نفسه.
وبمقارنة تصرفاتهم بسقوط بعض سلاطين القادة العرب ، يستطيع الأنسان أن يقرأ نوع الأصلاح المرتبك الذي يدعون أليه ، أصلاح أعلامي كلامي مؤقت وليس أصلاحاً أو تغييراً جذرياً عادلاً . فمبارك تنازل أولاً عن بعض صلاحياته ، ثم كل صلاحياته ، ثم تركه البلاد بخزانة مصر وأموالها ، والقذافي يطلب الى الشعب المذبوح أن يغني ويرقص ليوم النصر، ورئيس النظام اليمني يتهم أبناء شعبه بأنهم quot; الجبناء والمرتدون والذين أثروا وفسدوا ونهبوا وهم يشتغلون بشرائح متعددةquot; ، وأمير الكويت تبرع من أمواله لشعبه ، وملك البحرين اصدر مرسوماً تم بموجبه إجراء تعديلات في مناصب رئيسة وإلغاء منصب ودخول وجه شيعي جديد انيط إليه مهمة وزارة العمل وتخفيض أسعار السكن ب %25 . ونحن نراقب ونقول : أين الدستور وأين ممثلو الشعب وبرلمانيه ، وماالحاجة لهم وأنتخابهم أذا كان السلطان الفرعوني يَقرُ ويمنحُ من خزين أمواله ، ويُشرع التشريعات بشخطة قلم ؟
في العراق الديمقراطي ستتم المطالبة سلمياً بأحقاق الحقوق للأحق والأولى ، فقد تَخَلفَ عن أحقاقها سلطة مُسلمة ظالمة .

باحث سياسي وأستاذ جامعي
لمراسلة الكاتب :
[email protected]