في معظم دول العالم التي طوت صفحات الدكتاتورية طويلة وورثت تركة ثقيلة وعاشت فوضى خلاقة للوصول إلى الكمال السياسي في قيادة تنبثق من الشعب عبر صناديق الاقتراع، عانت كثيرا من الفوضى بسبب الصراع الدائر بين جدلية التجديد بكل مفاصل الحياة وهذا يحتاج إلى وقت طويل، وبين مطالبات الشعوب في الحرية والاستقلال ودستور يكفل للجميع المساواة والعدل والرخاء وحرية التعبير والإعلام وتحقيق ابسط الخدمات والسعي إلى مجتمع مدني، والتي تريد انجازها بأقل وقت ممكن من الحكومة.

لذلك كان يعتقد البعض ممن يكتبون عن واقع العراق في موقع الفيس بوك أو التواصل الاجتماعي تحت مسميات مختلفة منها الثورة، ومنها التغيير، ومنها صداميون للأبد وبيانات هيئة علماء المسلمين وقنوات الرافدين والشرقية البغدادية أنهم قادرون على تنفيذ مشاريعهم المربية ودس العسل بالسم، فقد عكس ما شهدنها إن التظاهرة المليونية العفوية التي انطلقت في بغداد والمحافظات الجمعة الماضية لم تكن هي استنساخ وتكرار للتغيير لما حدث في تونس ومصر ويحدث في اليمن وليبيا والبحرين ألان ورفع شعارات متشابه، بل كانت انتفاضة شعبية من اجل الإصلاح، وكم كنا نتمنى أن لا يسودها العنف بين المتظاهرين والقوات الأمنية، لكن الذي حدث من تماس كان نتيجة طبيعية. لأننا كنا نخشى تكون لها غايات وأهداف لسنوات من القتل والترويع والانفجارات ومذابح القاعدة ونظام العهد القديم التي كانت من نتائجها انهار من الدم التي كانت بغداد والمحافظات مسرحا لها طيلة سنوات التي تلت سقوط الطاغية.

لذلك فان العراقيين اثبتوا التزامهم بوطنيتهم، وطبعا فاني لا أضع الجميع في سلة واحدة ولن أكون مشككا مطلقا في النوايا المخلصة التي تريد من هذه التظاهرات إطلاق صوت واضح وصريح لتحقيق المطالب، لان شريحة كبيرة من أبناء العراق تعرضوا للقهر والفقر والجوع ونقص في الخدمات والبطالة وآفة الفساد من بعض المتنفذين والسلطويين والحاشية وخاصة إذا فرقنا بأنه لا يوجد شعب فاسد بل هناك أشخاص فاسدون، مع أن الفاسدين معروفين للشعب العراقي، لكن المشكلة هي في غياب آلية لمحاسبتهم، ناهيك عن صراع الأحزاب والشخصيات المستمر في تتوارث السلطة قد ترك ندبة سوداء في تنظيم علاقة السلطة بالشعب الذي انتخبها، لكن من الواضح وبعد قراءة متأنية لبعض الأصوات وللأسف تريد أن تبث سموم الفرقة بكل أشكلها، يبدو إن هناك من يسعى للفوضى وليس للإصلاح المطلوب، ومن الواضح أن لدى البعض أجندات غير وطنية ولا تمت للوطن بصلة، ومن الواضح أن البعض حاول أن يتسلق على ظهر هذا الحراك غير المسيس لأجندات خاصة لأنهم ما زالوا يراهنوا على براءة وعفوية الإنسان العراقي بمطالبه الوطنية، نعم المصلحة الوطنية تتطلب من الجميع عدم الانجرار وراء الشعارات ووراء الفوضى، والمصلحة والإصلاح لنا جميعا، وان تكون القوات الأمنية الحامية لهم، وحتى نكون على قدر المسؤولية فأنني اكرر دعوتي إلى إخواني في كل المحافظات وشوارع بغداد، والى كل الذين ساهموا بانجاز تحقيق هذه التظاهرة السلمية الديمقراطية، والى كل المتضررين من السياسات القديمة والذين ما زالوا يدفعوا ضريبة مواقفهم الوطنية، أن تكون الأصوات والشعارات مسالمة تؤكد على حضارة وثقافة العراقي التي شوهت عقب الاحتلال الأمريكي، أن نكون موحدين بمطالبنا، وان تكون لدينا حركه حقوقيه لها تواصل مع الشارع، يجب أن نهتم بالحقوق ألاقتصاديه والاجتماعية ولكن دون إغفال الحقوق السياسية وان نرشد ألدوله بالسلبيات الموجودة والتي تترتب على أدائها خاصة، لان غياب الحكومة عن حل مشاكل المواطنين وخاصة في الخدمات وهو ما عرضها لحاله اختطاف أدواتها لأنها غابت عن الشارع في ذلك طويلا لكن إذا كانت هناك استخدامات أمنية بعد أن لعبت المجاميع الإرهابية ولا تزال في القتل المنظم والسيارات المفخخة، فان الواجب أن نقف معها بكل عزيمة من اجل القضاء على هذه الزمر.

لقد اختلفت الأمور عن السابق وبالتأكيد نحن نختلف أيضا عن تونس أو مصر وليبيا والبحرين، ألان لدينا برلمان ومجلس رئاسي ومجلس وزراء منتخب، ومن يريد أن يسقط هذه المؤسسات عليه بمجلس النواب وبطرق ديمقراطية معمولة، لدينا أيضا قوى مدنية وصحافة حرة وإعلام وتعبير وكلها تصب في خدمة المواطن، صحيح هناك أخطاء وطالما كنا حضاريين يجب أن نضع أهدافنا من منطلق وجود مشروع وطني وليس أهداف تريدها الجهات الممولة واهم الأهداف هي محاربه البطالة والفقر والمشاركة السياسية الواعية والمنظمة، مثلا يجب التركيز في الفترة القادمة على تقويه المجالس الشعبية المحلية من خلال وضع مشروع قانون يعطى للمجالس المحلية سلطات في ألرقابه على السلطة التنفيذية ومراقبه الاستخدام الأمثل للموارد وان تكون ألخطه ألعامه للدولة قادمة من القواعد الشعبية في صورة توصيات وحتى يتم ذلك يجب أن تدرك الدولة آن لديها أدوات هامه لتحقيق ذلك وهى الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني بما في ذلك أن ننشأ صندوق لدعم أنشطه المجتمع المدني ويمول مشروعاته بتمويلات وطنيه وتكون هناك قواعد عامه ترسخ للشفافية والمحاسبة على كل الأجهزة الموجودة في ألدوله.

لتكن حكومتنا جادة في التغير، وليكن للشعب مطالبه المشروعة، ويكفي تصريحات ووعود كلامية دون تنفيذ لان ذلك سترك الحجة قائمة فوق رؤوسكم، وقبل فوات الأوان، لان المتربصين كثر.