في إشارةٍ واضحة وصريحة إلى شعب الثورة اليمنية المشتعلة، الآن، وثورات الشعوب العربية الشقيقة، قال الرئيس اليمني علي عبدالله صالح: quot;أن ما يجري في المنطقة العربية ليس إلا مجرد مخطط مسبق الصنع، تديره الولايات المتحدة، من غرفة عمليات في تل أبيبquot;!
هكذا، ولكي quot;لا يضحك أحد على أحدquot;، كما قال، يحلل الرئيس ما يجري في بلادٍ يحكمها منذ أكثر من 32 عاماً، ويفك لغز السياسة المغلقة، جنباً إلى جنب مع أخوانه في الكرسي، بمفتاح العمالة لquot;الخارجquot; وأميركا وإسرائيل(ها).
فالرئيس، يقفز على كلّ ما حواليه، من يمنٍ حقيقي، وما فيه من فقرٍ وجوعٍ، وبطالةٍ، وأمية، وفقدان للعدالة الإجتماعية، والحرية والديمقراطية، وفسادٍ ومحسوبية، وإدمان على الكرسي، واستفرادٍ بالسلطة، وقتلٍ وتهميشٍ وإقصاء للمعارضة الحقيقية، وسواها من حقائق يمنية كثيرة، معروفة للقاصي والداني. الرئيس، يترك كلّ هذه الحقائق، هارباً إلى أقرب quot;حقيقة خارجية غائبةquot;، لا وجود لها إلا في أذهان أولي الحكم وأهل الكرسي، العارفين بكل شيء، إلا بما يجري تحت كراسيهم.
فالرئيس لا يرى أنّ بلاده تكاد تحتل المرتبة الأولى عالمياً في إنتاج البطالة، حيث يصل معدلها بحسب تقارير الأمم المتحدة إلى ما فوق 35%، علماً أنّ النسبة بين صفوف الشباب، الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و28 سنة، تصل إلى حوالي 50%.
ولا يعرف الرئيس، الذي يقول أنه quot;سئم من السلطةquot;، أن نسبة السكان الذين يعيشون في يمن(ه) السعيد، دون خط الفقر، قد وصلت إلى 42.8% عام 2010، حسب تقرير برلماني يمني نشرته صحيفة الشرق القطرية. علماً أنّ تقارير أخرى تشير إلى ارتفاع نسبة الفقر بين اليمنيين إلى 47.6%. هؤلاء الفقراء من مواطني الرئيس، في quot;اليمن التعيسquot;، يعيشيون بدخل أقل من دولارين في اليوم.
والرئيسُ يغض الطرف عن تقارير دولية ومحلية، تشير إلى أن حوالي ثلث سكان اليمن غير آمنين غذائياً، أي حوالي ما نسبته 32.1%(يعادل ثلث اليمنيين أو 7.5 مليون نسمة من أصل 23.6 مليون وفقاً لتقديرات 2010) يعانون من الجوع، ولا يوجد لديهم غذاء كافٍ، حسب تقريرٍ كشفه مشروع الإستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي، الذي أعدته الحكومة اليمنية بالتعاون مع المعهد الدولي لأبحاث السياسات الغذائية IFPRI بواشنطن.
والرئيسُ لا علم له، بأن بلاده هي الأولى تقريباً، عربياً، في صناعة الأمية، التي تصل نسبتها بحسب إحصائيات رسمية، نشرتها صحف مختلفة أوائل فبراير(يُنظر، عالم واحد: 05.02.11) إلى 45.3% (29.6 بين الذكور، و61% بين الإناث)، و أنّ اليمن بحاجة إلى بناء 40 ألف مدرسة في المناطق الريفية والبعيدة، التي تواجه مشكلة في ضعف إقبال الفتيات على الإلتحاق بمقاعد الدراسة، حسبما جاء في تقريرٍ للبنك الدولي حول التعليم في اليمن، في أغسطس 2010. بعض المحللين يرَون، أن نسبة المصوّتين للرئيس اليمني وحزبه، في الإنتخابات، تعكس دائماً، نسبة الأمية في البلاد.
والرئيس لا تصله تقارير عن معدل الوفيات بين الأطفال، الذي يصل إلى 65.5 من بين كل ألف طفل قبل بلوغ العام الأول.
كان الأولى بالرئيسُ المجتهد في اتهام شعبه بquot;العمالةquot; لغرفٍ في البيت الأبيض وإسرائيل، أن يقرأ كل هذه الحقائق اليمنية الكارثية، وأن يبحث مع من حوله من جيوش المستشارين والمريدين، في سبل معالجتها، وإيجاد الحلول الممكنة لها، للدفع بيمَن(ه) نحو سعادةٍ فقدها منذ زمانٍ كثيرٍ مضى، لا أن يخرج علينا، كما خرج أخرون من قبله، غاضباً، يزجّ الداخل في عمالةٍ جاهزةٍ، لخارجٍ تجاوزته الشعوب الشرق أوسطية، هذه المرة بالمرة، وفاقت قياماتها كلّ التوقعات والتصورات والتحليلات، في إدارتها الذاتية المستقلة، لثوراتها المتنقلة من شارعٍ إلى شارع، وميدانٍ إلى ميدان، ومكانٍ إلى مكان، ومن ديكتاتورية إلى أخرى.
كلنا نعلم، أنّ quot;مصر ما قبل 25 ينايرquot; لم تكن مصر مزعجة، بالنسبة لأميركا وإسرائيل والغرب عموماً، أو من يسميهم الرئيس بquot;مشعليquot; نيران ثورات الشرق الأوسط، ومدبّريها. فأميركا وإسرائيل، هما اللتان صنعتا quot;مصر كامب ديفيدquot;، منذ 1978، وأبقتا على استقرارها الضروري في المنطقة، لتكون برداً وسلاماً على مصالحهما، وحصل ما كان يجب أن يحصل، أميركياً وإسرائيلياً بشكلٍ خاص، وغربياً بشكلٍ عام، طيلة ثلاثة عقودٍ ونيف، بدءاً بأنور السادات، وانتهاءً بحسني مبارك.
فأيّة مصلحةٍ هي لهاتين في ثورةٍ شعبيةٍ، غير مضمونة النتائج والعواقب، قد تطيح بquot;إستقرارٍquot; استمرّ لعقودٍ من الزمن؟
ذات الشيء يمكن سحبه على نظام زين العابدين بن علي، فقد كان نظاماً مرغوباً به في الغرب، لدرجة كان يُحتذى به كثيراً في محافلهم ومؤتمراتهم وقممهم، على أنه النظام quot;الأكثر ديمقراطيةًquot;، عربياً.
أما النظام الليبي، فهو الآخر كان quot;نظاماً فكاهياًquot; لا يُلام، من منظور أميركا وغرب(ها)، فلم يكن لرأسه القذافي، إلا الكلام في الهواء والنفخ فيه، على طول إفريقيا(ه) وعرضها. أما الغربيون من أهل المصالح، فكانوا يعرفون جيداً، كيف ومن أين تؤكل كتف quot;ليبيا القذافيquot;.
كل هذه الأنظمة العربية الشقيقة لquot;يمن الرئيسquot;، التي سقطت، ولا تزال، لم تكن تشكل quot;خطراًquot; على مصالح الغرب، لكي تعدّ أميركا العدة لquot;ثورات شعبيةquot; ضدها، وتخطط لها، ثم تديرها في quot;غرفة عملياتquot; بإسرائيل.
الرئيس يعلم أنّ الدولة العربية الأكثر بروزاً، لعرض عضلاتها، في مواجهة quot;العداوة المفترضةquot; مع إسرائيل وأميركا، هي سوريا، ولكن حتى هذه، وبشهادة أكثر من مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى، هي quot;دولة صديقةquot; لإسرائيل أكثر من أن تكون عدوة، وذلك لسبب بسيط جداً، وهو جبهتها الباردة معها كالصقيع، والمعطلة إلى أجل غير مسمى، أو إلى quot;وقتٍ مناسبquot;(والتوصيف لمسؤولين سوريين)، لن يأتي بأيّ حالٍ من الأحوال، فضلاً عن أن الإسرائيليين لن يجدوا رئيساً لجارتهم سوريا، quot;أضعفquot; من رئيسها الحالي بشار الأسد.
والرئيسُ اليمني نفسه، لا يختلف من حيث المبدأ، على مستوى صداقته الحميمية مع quot;أميركا العدوةquot;، عن أخوانه الآخرين. فهو صديقها الصدوق ضد القاعدة وجيوبها في اليمن، وحليفها الإستراتيجي ضد إيران وشعابها الشيعية. فعن أية أميركا وأية إسرائيل يتحدث الرئيس إذن؟
أميركا بحكم واقعيتها السياسية، على مرّ تاريخها الحديث، لا تغيّر من استقرارٍ استقرّت فيها مصالحها، لجبر خواطر الشعوب، لأنها ليست quot;جمعية خيريةquot; أولاً، ولأنّ التغيير هو في كلّ الأحوال، مقامرة أو مغامرة، لا يمكن ضمانها، ثانياً.
هكذا يفكّر الكلّ الرئيس، في الشرق الأوسط الثائر الآن، إذن، كلما دقّ الرأس بالفأس:
كلما انتفض الداخل الحميم، لا بدّ أن يكون الموَسوَس فيه، quot;خارجٌ رجيمquot;.
كلما اشتعل الداخل، لا بدّ أن يكون هناك quot;خارجٌ عدوquot; حرّضه على الإشتعال.
كلما قام الداخل، لا بدّ أن يكون وراءه quot;خارجٌ ساقطquot;.
كلما ثار الشعب، لا بدّ أن يكون وراء ثورته quot;ثائرٌ عميلquot;.
كلما قال الشعب quot;لا يا دولة الرئيسquot;، فلا بدّ أن يكون وراء لاءَه quot;وطنية عميلةquot;.
قالها الرئيس في تونس ومصر وليبيا والجزائر والعراقان من بغداد إلى هولير، ولا يزال القول مستمراً..كلٌّ اتهم شعبه، على طريقته الخاصة، بquot;عمالة خاصةquot;.
كلّ رئيسٍ قال كلمته، في quot;عمالةquot; شعبه، وفقاً لوطنيته الخاصة، وقاموسه الوطني الخاص.
رغم أنّ الوقائع تشير إلى عكس، ما يقوله ركاب quot;نظرية المؤامرةquot;، أمثال الرئيس صالح وصحبه، الذين يرمون شعوبهم بquot;العمالةquot;، ولكن إن كانت هذه هي quot;العمالةquot; وأعراضها، فأهلاً وسهلاً بها، لأنها بحق، عمالة quot;خلاقةquot;، وquot;جميلةquot;، تسجّل للشعوب، طالما ستؤدي بهم إلى وطنٍ جميل، من الحرية والعدالة والمساواة، طال انتظاره كثيراً.
فشكراً كثيراً إسرائيل!
شكراً طويلاً أميركا!
شكراً ما قبله ولا بعده شكر، يا أيتها quot;الشعوب العميلةquot;!
التعليقات