على حدود ليبيا مصر وتونس..وعلى حدود سورية إسرائيل ولبنان والعراق والأردن وتركيا، هذا أمر له مترتبات كثيرة غالبا ما نتجاهلها، او لا نعيرها انتباها، الشعب الليبي خرج مواجها ما أسميته الخيار المستحيل، بفضل ثورتي الحرية لدى أشقاءه في تونس ومصر، أما العوامل الأخرى من قمع واستبداد وفساد وتسلط، واعتراف بإنسانية المواطن الليبي، فهي عوامل كامنة كانت تنتظر ربما من يشعلها، حتى جاءت ثورتي تونس ومصر، وشكلتا السبب المباشر لتحرك الشعب الليبي الذي شعر، بأنه ليس أقل شأنا من أشقاءه وجيرانه ورغم الطابع القبلي الذي حاول القذافي التلاعب به في المجتمع الليبي لكي يبقى سيد الكل، إلا ان الحراك الليبي أيضا عبر عن مدنية، تعطي مؤشر إلى أن الشعوب العربية عموما قد شبت عن طوق ما قبل المدنية، وهذه أمثلة ثلاث يعيش فيها أقل من نصف سكان الوطن العربي تقريبا، والأهم أن مصر...مصر هي الدولة التي يمكن دوما أن تكون نموذجا للعرب لأنها الدولة الأقوى والأكثر سكانا...وقد جعلها نظام الرئيس الراحل عبد الناصر رغم ديكتاتوريته قبلة- نموذجا للعرب، حاولت كثير من نظم المنطقة تقليده أو التقليل من شأن هذا النموذج وخاصة أنظمة شقي البعث في سورية والعراق، إلا أن كل هذه الجهود باءت بالفشل، وبقيت مصر هي مصر، رغم كامب ديفيد كما يتشدق نظام ممانعتنا في سورية.
إن تحرك الشعب الليبي بفعل هذا الفضاء المباشر الذي خلقته ثورتي تونس ومصر، إنما سجل ربما لأول مرة في تاريخ المنطقة العربية، ثورة من هذا الطراز وبمواجهة نظام دموي من هذا النوع الذي يعرفه الشعب الليبي وخبره جيدا...رغم ذلك نزل إلى الشوارع..وهاهو يسجل تاريخه الخاص والحر ودون أية تجميلات أو رتوشات..لهذا أية دعوات لدولنة القضية الليبية هي خدمة للنظام الليبي الجزار..يجب عدم الحديث عن أي شكل من أشكال الدولنة، أما بالنسبة للدول الكبرى، فلتسقط شرعية القذافي مرة واحدة وإلى الأبد ودون تأتأة، وتعيد أمواله وأموال عائلته ورجالات نظامه إلى الشعب الليبي وهذا كاف، وليس مطلوب منها أكثر من ذلك، وإذا كان ولا بد واستمر النظام في دمويته، فيجب إصدار قرار من مجلس الأمن، يمنع القذافي من استخدام المجال الجوي لأغراض عسكرية وبغرض قصف المدن المحررة، وما تبقى أعتقد أن الشعب الليبي قادر على إكمال ثورته بنجاح رغم كل ما دفعه ثمنا لحريته..وفيه من النخب ما أثبتت مدنيتها وإعلاءها للانتماء لليبيا وفوق أي انتماء..
نأتي الآن إلى سورية حيث كتبنا كسوريين وكعرب وكأجانب عن أن التغيير في سورية، أمام طريق مسدود لأن النظام السوري لا يختلف في بنيته السياسية والأمنية عن النظام الليبي في نوح كثيرة..لكننا سنتوقف عن المفارقة الأحدث والأبرز..
ان سورية لديها جيران يحتاج الحديث عنهم مجلدات، لكنهم جميعا متفقون على ألا يكون هنالك أي تغيير في سورية..لا بل يجسدون هذا الاتفاق قولا وعملا وفي شتى المجالات، وأبدا لا يشكلون نموذجا لشعبنا السوري، لا في العراق ولا في لبنان ولا في الأردن ولا في إسرائيل بالطبع، وبقيت تركيا التي هي ربما النموذج الوحيد الذي يشكل دافعا للسوريين لكي يكونوا مثل الاتراك..وهذا بدأ حديثا، بعد تولي حزب العدالة والتنمية الحكم في انتخابات نزيهة في تركيا..وقبل ذلك كان هنالك حالة عداء كامل بين النظام السوري وتركيا لأسباب معروفة، ولكن الأهم من كل ذلك كانت الصورة التي في أذهان السوريين هي أن تركيا كانت تحتلنا، ولايزال لواء اسكندرون محتلا، قبل أن يتنازل عنه نهائيا النظام السوري ويزيله عن الخارطة التركية، الآن بدأت الأمور تختلف والغريب أنها اختلفت في سورية تجاه تركيا عند السلطة والمعارضة على حد سواء، وهذه القضية لها شجونها ربما نفرد لها مقالا خاصا، حيث انفتحت الحكومة التركية على النظام السوري من أوسع الأبواب وكان لها دورا لا يستهان به في فك الحصار عن النظام من خلال أنها لعبت دورا كوسيط بين النظام وإسرائيل، في مفاوضات معروفة انتهت كسابقاتها دون التوصل على أية نتيجة ماخلا أنها ساهمت برفع الحصار عن النظام..
أما العراق الأكثر وزنا عربيا من جيراننا، فنخبه الحاكمة ليست ضد تغيير النظام في سورية لاعتبارات سنتعرض لقسم منها، بل لأن قسما منهم كانوا ولازالوا يتمسحون على اعتاب مكاتب ضباط الاستخبارات السورية والإيرانية. وهذا له علاقة تاريخية بين هذين النظامين وبين ما كان يسمى سابقا المعارضة العراقية التي تسلمت نخبها دفة الحكم، وأصبحت هذه النخب هي من تتنافس في العملية الانتخابية العراقية..وماذا فعلت وتفعل هذه النخب في العراق؟ منهم من يجد نفسه شبيها بالخميني ومنهم من يجد نفسه شبيها بالرئيس الراحل حافظ الأسد، ومنهم قلة قليلة يجد نفسه في موقع من يريد للعراق أن يكون نموذجا للحرية والديمقراطية ودولة القانون وحقوق الإنسان وهؤلاء لا وزن كبير لهم الآن في الفعل السياسي، وما تحرك الشعب العراقي من جنوبه وحتى كوردستانه الآن، سوى تعبيرا عن إدانته لكل هذه النخب..الاعتبار الآخر هو خطأ الاحتلال الأمريكي وما فعله في العراق، من تحويله إلى منتجع للفعل الارهابي كما يقال...كل هذه العوامل وغيرها كانت نموذجا سيئا لنا كشعب سوري..
أما لبنان فلادعي للحديث عنه فهو كان في زمن مضى وقبل دخول القوات السورية إليه وحدوث الحروب الأهلية فيه، كان يشكل نموذجا لحريته وانفتاحه أما الآن...فالواجهة حزب الله واتباع النظام السوري من الأشقاء اللبنانيين فكيف يكون نموذجا؟
الأردن..ملكية وضعيفة الموارد ومع ذلك فيها من الإيجابيات التي ربما يتغنى فسم يسير من الشعب السوري فيها.. لكنها من الضعف بحيث لم تشكل دافعا لنا للاقتداء بها خاصة أن الشعب السوري يعتبر لبنان والأردن جزء من سورية الطبيعية أو ما يعرف ببلاد الشام سابقا..
نأتي الآن على إسرائيل محظية الغرب والشرق الآن معا، إسرائيل ثبتت من وجهة نظرها ونظر غالبية نخبها الوضع السوري عند اتفاقيات الفصل على جبهة الجولان عام 1974 ومنذ ذلك الحين وإسرائيل تثبت على الرض ملكيتها بالتقادم للجولان..لهذا هي من أكثر الأطراف حرصا هي ولوبياتها في العالم على استمرار النظام السوري، الذي يؤمن لها الكثير من الامتيازات الأمنية على مستوى المنطقة والاقتصادية على مستوى ثروة الجولان عموما والمائية خصوصا..
هؤلاء جيران سورية.. ربما هذه العجالة نكون قد ألقينا نظرة على جانب من جوانب اللغز السوري، والمتحور حول سؤالquot; لماذا الشعب السوري لم يتحرك رغم أن التحركات والثورات الشعبية طالبت عددا لابأس به من البلدان العربية؟
التعليقات