المحادثة التي تدور بيننا في العراق تأخذ السياق الأتي:
1. قادة لايفهمون شعبهم وشعب لايفهم قادته. السياسيون العراقيون المخضرمون القدامى والجدد يدركون quot; الى حد ماquot; الأخطاء الدستورية التي صادقوا عليها ولم يتبعوا نصوصها، ولتوضع على الرفوف، وبدأ العمل بالفقاعات وكأنه بتم فقط لتمشية الأمور وتسليمها لمن سيقود ويحكم ويتسلط ويتغاضي بكفاءة عمن لايمتلكها (الأرادة الشعبية العراقية المخولة للسلطات الثلاث في هذه الحالة). وقد قَدمَ الدستور الورقي ونصوصه الهزيلة الخدمة العامة لبرلمان( يُصرح ولايُصحح )، ووضع قدر العراق وكرامة شعبه بأيديهم.
2. في محادثاتنا الهادئة والصاخبة، نرى الخطوات الصائبة الافضل هو أن نبدأ بمطالبة شريفة في منتهى النبل، تتم من داخل البرلمان بحله والتضحية بالمقاعد المهترية الحالية، وحل الحكومة وأجراء أنتخابات جديدة يسبقها كتابة دستورالدولة العراقية. فالدستور الحالي المصادق عليه يحتوي على أخطاء وهفوات لاتغتفر، وقد فوجئتُ بأن محافظة الموصل( في وقتها ) كانت قد رفضته بنسبة عالية، وتمثل رفضهم مرة أخرى في مظاهراتهم في يوم الغضب العراقي والقراءة الصحيحة لاحدى فقراته المتعلقة بالمليشيات المسلحة المخالفة لوجودها دستورياً التي يغض البرلمان النظر عنها الى اليوم، وهي ( المادة 9 الفقرة ب- يحظر تكوين ميليشيات عسكرية خارج إطار القوات المسلحة).
3. في خطاب قصير أرسله أحد الأخوة، يأمل فيه مشاركتي الشخصية في المظاهرات الشعبية التي درت يوم 25 فبراير كانون الثاني، ضد حكومة المالكي والهيئات المنتخبة والمُرشحة وفق نهج الطائفية والمُعينة تعيناً. وحاولتُ تقديم أيضاح له بأن الصورة الواضحة للأهمال الحكومي الجديد والتي تؤثر على كل القطاعات والخدمات، سواء أكانت الفساد الأداري والمالي والسرقات الحكومية والعقود العامة، أنعدام الثقة بأن الحكومة ومؤسساتها الحالية سيمكنها حل مشكلة البطالة، الفقر، الكهرباء، الماء النظيف، السكن البطاقة التموينية، لن تُحل بالتظاهر فقط وأنما بالمطالبة الدستورية بأسقاط الحكومة اللاعلمانية واللادينية كلياً بطرق أجرائية سلمية دون المساس بمؤسسات وأملاك الدولة العامة والقيام بأعمال التخريب أو السماح للغوغاء بتدمير البنية التحتية. وبهذا الصدد، تمتلك المحكمة الأتحادية العليا الأختصاصات والسلطات بما يبرر لها حل الهيئات السياسية وأجراء أنتخابات عامة جديدة ( المادة 91 من الدستور).
فأذا كانت السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، فما على الحكومة أِلا الأنصياع ألى رغباته بأستقالة الحكومة وأجراء أنتخابات عامة جديدة.
3. في محادثاتنا العراقية، ذكر العديد منا، أن هناك العديد من ساسة الدول الذين يؤدون اليمين الدستورية عند أنتخابهم أِلا أننا نجدهم في حالات عديدة ( مبارك، بن علي، القذافي، القيادة العراقية المُنتخبة ديمقراطياً ) لايلتزمون بالدساتير الورقية ولايعيرون أهمية لنصوص لاتُطبق وتتحايل زبانيتهم من المنتفعين( في البرلمانات والمجالس ) عليه (بأسم الشعب ) الذي فوضهم السلطة. التخدير الرسمي يأخذ طابع هروب المسؤولين من المسؤولية بالحديث عن: تشكيل لجنة تحقيقية برلمانية، أوراق عمل، تشكيل لجان تحضيرية تضيف وتشطب وتُعدل مواداً لكلمات تُوضح الأختصاصات الفدرالية والمركزية وألية وطرق الأنتخابات وصيغ عمل البرلمان وكيفية تطبيق العمل الديمقراطي، وتُنشر في وسائل وأجهزة الأعلام الممولة وتتم عن طريق ممثلين بتصريحات صاخبة.
وتجد هذه الحالة بين طبقة سياسية عراقية جاءت بسابقة لامثيل لها منذ السقوط الصدامي، وتتمثل في ظاهرة سحق أبداع أبنائها للتقدم الحضاري بلغط الديمقراطية (نصفها علماني و النصف الأخر عشائري ) وغشاوة الدين وبيع البدع والحكايات والقصص. ولم تستطع الكتل السياسية التخلص منها، فهي متأصلة في حزب الدعوة والصدرية والمجلس الأسلامي والعراقية والحزب الوطني الكردستاني والحزب الكردي الديمقراطي وممثلو حزب البعث العشائري. ودون قصد الأساءة الى شعبنا الفقير، فأن أستمرارية التخلف والجهل وأعلاء المحسوبية، هي تعاميم ثقافية لأنظمة سابقة وجديدة رهيبة الفكر، سحقتْ تطلعات الطبقات العامة وساهمت في تقديم وتطّيب وعلس مفاهيم دينية بالية وطبعها في الأذهان بتكرارعلسها وتخدير الناس بها بوسائل أعلام ومحطات فضائية لم تتعرف على مايجري في العالم أِلا مؤخراً ومن وراء الجدران الصماء.
4. طبقة سياسية عراقية جاءت بسابقة لامثيل لها. تمارس الضغوط والتهديد الجسدي والعنف ضد بعضها بالأضافة الى تشجيع التخريب، وفي حالات شاذة بالخطابات الحماسية والتهديد بقوة الشعب وتحكيم أرادته ( والشعب أبعد مايكون عنهم وعن نفاقهم )، ولايستطيع المُخول كرئيس للسلطة التنفيذية الوقوف بوجه هذه الضغوط ويتهرب منها بالمساومات ( حك ظهري، أحك ظهرك ). فلو أرتأت هذه الكتل ممارسة الضغط والتهديد بالأنسحاب من العملية السياسية لعدم تخصيص حصة لها وتخريب المجتمع المدني العراقي، فلها من العصابات والمال ما يؤهلها لذلك، وتخريب المجتمع المدني العراقي ومنع تماسكه. ولايستطيع أي رئيس للسلطة التنفيذية أن يتقرب من خطوط حمراء وأسلاك شائكة وضعتها الكتل الأخرى في طريقه ( ممثلو الحركة الصدرية والقائمة العراقية )، خير دليل على ممارسات التهديد والضغوط التي تُسند من الخارج أيضاً ).
ولاتوجد دولة في العالم لها 42 حقيبة وزارية منهم 8 وزراء دولة (قابلة للزيادة ) ومئات من المستشارين والمرافقين وقوات الحماية. ولايُعرف كيف تُصرف رواتب ومخصصات وأمتيازات وأكراميات، رئيس وأعضاء مجلس النواب ورؤوس السلطة التنفيذية التي يجب أن تُنظم بقانون حسب الدستور ( الفصل الثاني المادة 61 ). فأين هذا القانون وماهي طبيعة هذه الأمتيازات ومن هو المُخول بمنحها؟؟؟
5. الكثير منا وفي محادثاتنا اليومية، لانعرف كيف توصل قادة العراق الى ضرورة عقد مؤتمر القمة في بغداد. ولم يصرح مسؤول واحد ضد عقد مؤتمرات الفشل والهزيمة في أصعب الظروف التي يمر بها العراق وأوضاعه الاستثنائية المعقدة.
فكيف قرأَ المسؤولون رغبة الشعب العراقي في عقده في بغداد؟ هل يقرأونه من خلال زيارة وفهلوة مبارك، بن علي، القذافي، أم شطارة عمرو موسى وتمريره الفكرة العقيمة (للقادة العرب الذين لاتعترف بهم شعوبهم) بمقابلة الزعيم الروحي السيستاني ومباركته لهم؟، هل هي مبادرة قادة الأحزاب السياسية التي أبتعدت عن شعبها وأهملت خدماتهم اليومية المشروعة لتوفير الراحة والأمان والقصور لقادة مؤتمرات الهزيمة التي تُمرر قراراتها الى أسرائيل لطمأنتها؟؟؟ لاتوجد دولة في العالم تُبين مواقفها المبدئية وبرامجها الأصلاحية وعقد المؤتمرات الدولية وتتبنى سياساتها الخارجية والعلاقات الأقتصادية والتجارية والدولية بالأستناد على أراء المرجعيات الدينية ومعتقداتها الروحية وتوجيهاتها بدلاً من تطبيق روح الدستور الذي يبدأ بأسم الشعب وينص quot; نَحْنُ أبناء وادِي الرافدينِ، مَوْطِن الرُسُلِ وَالأنبياءِ، وَمَثْوىَ الأئِمَةِ الأطْهَارِ، وَمَهد الحضارةِquot;.
باحث سياسي وأستاذ جامعي
- آخر تحديث :
التعليقات