في 27 شباط،اي قبل عدة ايام، توفي رئيس الوزراء التركي الاسبق نجم الدين اربكان.
د.بنكي حاجو
طبيب كردي سوري
اربكان ترأس عدة احزاب سياسية اسلامية منذ عام 1969 وآخرها كان حزب السعادة وكان رئيساً له حتى وفاته. كل الاحزاب التي اسسها كانت تُحظرْ من قبل العسكر بذريعة quot;التهديد للعلمانيةquot; التي تعتبر خطاً احمرا من الخطوط التي رسمها مؤسس الجمهورية آتاتورك.
دخل حزبه البرلمان في 1974 ب 50 نائب واصبح نائباُ لرئيس الوزراء الاسبق بولنت اجفيت وهو اليساري والعلماني حتى النخاع في حكومة ائتلافية. ثم دخل وزارات اخرى مع الرئيس الاسبق سليمان دميريل ايضاً حتى عام 1980 وهو عام الانقلاب الذي قاده الجنرال افرين وزج باربكان في السجن.
اصبح رئيساً للوزراء في عام 1997 مع حزب السيدة جيلر وذلك بعد ان حصل على 22% من الاصوات في الانتخابات البرلمانية وكان الحائزعلى اكبر نسبة،إذ ان الاحزاب الاخرى كانت نسبة اصواتها 20% وما دون.
اربكان لم يهنأ بمنصبه والعسكر طردوه من دفة الحكم بشكل مهين جداً في 28 شباط 1997 بعد قرار صادرعن مجلس الامن القومي. هذه الحركة العسكرية اخذت اسم quot;الانقلاب ما بعد الحداثيquot; وذلك بعد ان حرك الجيش دباباته في شوارع بلدة تقرب من انقرة حوالى 30 كم على شكل رسالة تهديد. هذا التحرك ادخل الرعب في قلب اربكان الذي استقال بسرعة البرق وكان السبب في وصفه لاحقاً بـ quot;الجبانquot;.
هذا التصرف غير اللائق من اربكان كان الدافع وراء ترك النخبة في حزبه بالانفصال عنه وتشكيل حزب جديد هو حزب العدالة والتنمية الحالي الذي وصل الى الحكم عام 2002 ولايزال.
اربكان تعرض الى كل انواع الذل والتهميش والظلم على يد العسكر طيلة حياته السياسية.
في مراسم تشييع جنازة اربكان اندهش الجميع عنما شاهدوا اكليلاً من الزهور وعليه اسم quot;هيئة اركان الجيشquot; اي العدو اللدود لاربكان، بالاضافة الى وفد عالي المستوى من الجيش بين المشيعين برئاسة قائد القوات البرية اي المنصب الثاني في قيادة الجيش. كذلك اصدرت رئاسة الاركان بياناً رسمياً تنعي فيه اربكان ودوره الكبيرفيquot;خدمة الوطنquot;.
الموضوع هنا ليس سرد حياة المرحوم اربكان، بل القصد منه هو معرفة السبب الذي كان وراء اجماع الكل وحتى ألد اعدائه من العسكريتاريا بفضله الكبيرعلى الوطن والسياسة التركية بالرغم من كل الخلافات و المنغصات التي رافقت مسيرته الشاقة.
السبب في هذا الاجماع هو دور اربكان في نجاحه ادخال التيارquot;الاسلام السياسيquot;الى حظيرة النظام البرلماني وانتشاله من العمل السري والجنوح الى المزيد من التطرف والانعزالية والذي كان من اهم نتائجه ان سادت العقلانية والافكار الديقراطية كسبيل وحيد للعمل السياسي وهو ما يتحقحق الآن على يد تلامذته من السيد غول واردوغان.
سر نجاح تلامذته وتفوقهم على استاذهم كان ابتعادهم عن الخطاب الديني البحت وعدم تكرار التهديد بتطبيق الشريعة واقترابهم الى الليبرالية حتى انهم قارنوا انفسهم بالاحزاب المسيحية الديمقراطية في الغرب. التحدي الصعب امام التلامذة لتحقيق النجاح الكامل حالياً هو الجرأة على حل القضية الكردية.
هذا لا يعني ان اربكان كان ناجحاً سياسياً على طول الخط، إذ انه كان جشعاً في حبه وطمعه في جمع المال، وقد حققه، كذلك كانت له خيالات غريبة من بينها مطالبته بإنشاء quot;هيئة امم متحدة اسلاميةquot; وquot;حلف ناتو اسلاميquot; وquot;نظام نقدي مصرفي اسلاميquot;......الخ.
التجربة الاربكانية لم نجدها في اية دولة من الدول العربية لا من الاحزاب الاسلامية ولا من الانظمة الحاكمة، بل بالعكس تماماً وجدنا ان كل الانظمة جعلت من الاسلام السياسي بعبعاً يستغله الحكام ضد الداخل والخارج للاستمرارفي بقائهم في كراسي السلطة.
في هذه الظروف التي تشهد فيها المنطقة انتفاضات وثورات شعبية بهدف التأسيس لأنظمة ديمقراطية حضارية علينا الاستفادة من التجربة الاربكانية لفتح الطريق امام الاسلام السياسي مثلها مثل اية حركة سياسية أخرى ومبادرة الاسلاميين للانخراط في العمل السياسي اللاايديولوجيي. اذا حدث العكس فان النتائج ستكون وخيمة.
سوريا التي يُنتظر فيها قيام انتفاضة شعبية للتخلص من سلطة الاستبداد هي بأمس الحاجة الى الاستفادة من التجربة موضوع الحديث،لاسيما في الوقت الراهن اي في فترة الإعداد للانتفاضة والتعاون الكامل بين جميع الاطياف و القوى الفعالة في الوطن والابتعاد كلياً عن اي تهميش للآخر.
ولكن ماهو المطلوب من قوى الاسلام السياسي؟
المطلوب منهم هو العمل الجاد لتبديد مخاوف الآخرين بشكل واضح وشفاف وهو ان هدفهم ليس اقامة الدولة الدينية واعادة الخلافة والسلفية وانما هو اقامة نظام ديمقراطي تعددي.كذلك الابتعاد عن حركات الاسلام السياسي في الخارج والتي تهدف الى اقامةquot;نظام اسلامي عالميquot;هدفه توحيد الشعوب الاسلامية تحت حكم الشريعة.
quot;الاسلام السياسيquot; مفهوم خاطئ، والافضل القبول بعبارة quot;التيارالاسلاميquot; التي سوف تمثله احزاب سياسية هدفها وضع كل امكانيات الدولة في خدمة الفرد مع الاحترام لخصوصيات الافراد والجماعات المتعلقة بالعقيدة الاسلامية واحترام كل العقائد الدينية الاخرى.
التهميش والاتهامات الجاهزة من السلطة وحتى من بعض الحركات السياسية السورية ضد الطيف الكردي منذ الاستقلال وحتى الآن هو السبب في توجه البعض من الحركات الكردية الى البحث عن حل لقضيتهم في الخارج وذلك باللجوء الى التعاون مع الحركات الكردية القوية في دول الجواروربط مصيرها بهم وبالتحديد في تركيا واقليم كردستان العراق، بينما الحل هو متاح في الوطن ومع ابناء الوطن في ظل نظام ديمقراطي يحتضن كل الاطياف وخصوصياتهم.
التعليقات