ما زالت بعض الدول في منطقة الشرق الأوسط تعاني من محاولات إقامة دول دينية من قبل بعض التيارات التي تخوض غمار العمل السياسي لكنها تؤمن إيماناً مطلقاً بان الدولة الدينية هي السبيل الأفضل لإدارة أي بلد.
في البداية أود الإشارة إلى رأيي الشخصي تجاه الدين إذ انه يمثل لي شخصياً منظومة أخلاقية متكاملة تبلغ ذروة كما لها في كونها تشكل رقيبا ذاتيا على سلوك الإنسان يدفعه إلى التعايش السلمي مع وسطه والعمل من اجل سعادة هذا الوسط كما توصي بذلك اغلب الأديان ان لم نقل اجمعها ولابد من الإشارة إلى ان الدين سيف ذو حدين فمن الممكن ان يفهم شخص آخر الدين بفهم مغاير عن الذي قدمته او قد يظن ان سعادة المجتمع تكمن بسيادة رأي واحد وان من يختلف مع هذا الرأي يكون معرضا لعقوبات كبرى يفرضها المتدين في حين قد يكون الدين بريئاً منها.
ادخل في صلب الموضوع لأقول بأنني لا أريد هنا مناقشة مسألة الدين لكنني أناقش أزمات الدولة الدينية وهي أزمات رهيبة اولها تتشكل من اعتقاد المنظومة السياسية (إذا جاز لنا تسميتها بذلك) التي تدير الدولة الدينية بانها الممثل الشرعي لله ومن ثم فانها في حال ممارستها للقمع فانها تمارسه بضمير لايشوبه القلق اذا ان الدول القمعية (غير الدينية) ربما تعتقد منظومتها السياسية في لحظة ما بانها تجانب الصواب مما يسمح بظهور أصوات معترضة من داخل هذه المنظومة السياسية او حتى من خارجها في بعض الأحيان.
اما في الدولة الدينية فالكارثة تنشأ من جزم هذه الدولة بأن ما تمارسهُ من قمع انما هو ليس قمعا لا بل انها قد تظن بأنه إرادة من إرادات السماء وان الاعتراض على هذا القمع انما هو اعتراض فعلي على إرادة السماء.
والأزمة الثانية من أزمات الدولة الدينية تأتي من ان هذه الدولة لا تمثل نفسها وانما تمثل الدين في نفوس البسطاء من الناس ومن ثم فان أخطاءها تنعكس على الدين وسقوط مشاريعها يمثل سقوطا للدين في نفوس البسطاء من الناس وهذا يعني بان الدولة الدينية تمثل الخطر الأكبر الذي يتهدد الدين.
اما الأزمة الثالثة فتتمثل في ان إتباع الدين الواحد لا يتفقون على فهم واحد لدينهم ناهيك عن اختلاف الأديان بعضها عن البعض الآخر.
ان هذه الأزمات تتسرب من جسم الدولة إلى جسم المجتمع لكن اضطرها التفات التيارات الدينية إلى رفض الشعوب والمجتمع الدولي لمفهوم الدولة الدينية فقامت بتشكيل أحزاب سياسية تمثل آرائها وهذا ما قد يمكنها من الوصول إلى السلطة وسنحصل على دولة يديرها متدينون يجاهرون بحبهم لدولة مدنية عصرية لكنهم يمارسون كل ما تمارسه الدولة الدينية وهذا ما حدث في العراق بعد عام 2003 وما قد يحدث في دول بدأت تواً بإنشاء ديمقراطياتها مثل تونس ومصر.
أخيراً أقول بأنني لست ضد ان يكون السياسي متديناً شرط ان لاينقل تدينه إلى جسد الدولة وان من يريد ان ينشئ دولة دينية فانه يحتاج بكل بساطة إلى نبي من اجل إدارتها.
اما السبيل الأمثل لإدارة الدول فأراه عن طريق إنشاء دولة ننزع عنها عباءة النبوة كي نستطيع الاحتجاج عليها او حتى تغييرها من دون ان تهتز مكانة الدين في نفوس الناس ومن دون ان تنتهك حقوق الإنسان تحت مسميات مقدسة.
التعليقات