تحية إجلال وإكبار إلى شهداء 25 شباط الشرفاء الذين سقطوا فى مختلف مدن العراق من شماله إلى جنوبة بعيدا عن الطائفية والمذهبية والحزبية، فقد اشترك الأكراد فى السليمانية كما اشترك العرب فى بغداد وغيرها، إشترك السنة والشيعة فى بغداد ومختلف المدن ليصلوا صلاة جماعة واحدة فى ساحة التحرير بقلب بغداد مرددين شعارا واحدا (إخوان سنة وشيعة..هذا الوطن ما نبيعه) وشعارات واحدة فى كل العراق (نفط الشعب مو للشعب بس للحرامية) دالة بوضوح الهوة الواسعة بين السياسيين الذين استحوذوا على المال العام وممتلكات الدولة والعقارات والصفقات فى الداخل والخارج وبين الشعب الذى حرم من نفطه وخيراته مفتقدا أبسط الخدمات والحقوق، وقد سقط خيرة شباب العراق الشهداء الأبطال بالأسلحة الحية المباشرة من السلطة الحاكمة بالبطش والظلم والغدر دون أى مبرر أخلاقى أو شرعى أو قانونى. قام شباب العراق العظيم بالدعوة إلى يوم الغضب فى الجمعة الماضى 25 شباط فى مظاهرات سلمية حضارية رائعة لكن السلطات السياسية خصوصا حزب الدعوة وزعيمة نورى المالكى بدأ يحذر ويوعد ويهدد ويرعد مانعا الإنتفاضة بشتى الوسائل العجيبة والغريبة والكثيرة ومتهمها بالمريبة والبعثية وربطها بالقاعدة والإرهاب وجهات خارجية، وخطب طالبا من الشعب عدم المشاركة فيها كما تحرك نحو إيران وكذلك مختلف المرجعيات الدينية لمنع الإنتفاضة، ثم وضع الحواجز الكونكريتية ومنع تجوال المركبات ثم منع تجوال الناس وترهيب الناس حتى من مكبرات الصوت فى سيارات الحكومة لترهيب الناس من المظاهرة، ثم اعتقال أكثر من 300 شخص منهم الصحفيين واعتقالهم بعد ضربهم وسبهم وإهانتهم العلنية وتعذيبهم فى مراكز وزارة الدفاع بأسوأ أنواع القمع والإرهاب دون جريمة سوى رغبتهم المشاركة فى المظاهرات السلمية، وتدمير أجهزة صحيفة المدى واعتقال العديد من أعضائها ثم إغلاقها ومنع النقل الحى والمباشر للتظاهرات كما منع مرصد الحريات والهجوم على مكتبهم وتدمير بعض الأجهزة بشكل إرهابى دون أى سند قانونى وكأنه يعد لجريمة كبيرة بعيدا عن الإعلام كما صرح بعض الإعلاميين. هذه الإنتفاضة الشبابية يقودها خيرة شباب العراق الوعى غير السياسى للتغيير خارج السياقات التقليدية التى وصلت إلى محاصصة وترهل وفشل وفساد هائل بعيدا عن المواطنة والوطنية، فالإنتفاضة نقلة نوعية رائعة فى الوعى والوطنية تمثل أروع صورة مقابل ما مثلته السلطة بأسوأ وأبشع الإرهاب والقمع والقتل والإعتقال والترويع، علما أن الإعتقال والمطاردة مستمرة لكثير من الشباب الذين اشتركوا فى المظاهرات أو الداعين لها فى المواقع الألكترونية، المطاردة بشكل يومى مستمر مريع خوفا من استمرار المظاهرات ومطالبها المشروعة خصوصا بعد تبين الحقائق وعدم صحة اتهام الشباب بالبعث والقاعدة والإرهاب والخارج، والعجيب لحد الآن لم يترحم المالكى على الشهداء ولم يعتذر عن هذه الجرائم رغم كونه المتصدى ضدهم بكل الوسائل ثم اتهامهم وهو رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ويملأ وزارات الداخلية والدفاع والأمن الوطنى وغيرها، والحقيقة أن دماء الشهداء غالية جدا ولن تذهب هدرا وكل من شارك فى هذه الجرائم يتحمل المسؤولية القانونية وسيعاقب آجلا أم عاجلا

والملاحظ أن المرجعيات الدينية التى كانت سببا أساسيا فى وصول السياسيين الحاليين بل دعمهم فى مختلف المناسبات قد كررت كلمات الحكومة حول التظاهرات ومن خلفها والريب فيها حتى صرح عمار الحكيم مبررا عدم اشتراكهم فى المظاهرات بسبب تحذيرات المرجعية، مما يكشف لنا عدم رشد المرجعيات الفارسية التى أصبغت الشرعية على بعض السياسيين الحاكمين و الفساد والاستيلاء على أموال الشعب المحروم، كما انكفأت الأحزاب الدينية عن المظاهرات حتى دعى بعضهم إلى إعطائهم فرصة 6 أشهر وكأنهم لم يحكموا سنين طويلة من الفساد والظلم والإستبداد والعهر وسرقة المال العام. والغريب أن إيران قد حمت أتباعها فى العراق حيث أصدر محمد مهدى الآصفى فتوى عجيبة غريبة فى تحريم التظاهرات ضد الحكومة العراقية كما أصدرت سابقا فتوى تأييدها للمالكى فى رئاسة الوزراء دون غيره حصرا، وهذا تدخل صارخ فى الشؤون العراقية ودعم لجهة واحدة ومنع حق الشعب العراقى من تقرير مصيره وحقه الطبيعى فى التظاهرات وغيرها، وإنا لندعو ولاية الفقيه وممثليها إلى الإهتمام بشعبهم الإيرانى المظلوم والمقهور والمحروم من أبسط حقوقه الطبيعية حتى من التظاهر ضد نظامهم الإستبدادى

والمتوقع بعد جمعة الغضب أن تكون الجمعة القادمة للكرامة والشهداء والمطالبة بدماء الشباب الزكية التى سقطت ظلما وعدوانا عن عمد وقصد دون اعتذار ومحاسبة للمجرمين، وكذلك حقوق الشعب الطبيعية والمشروعة ومحاربة الفساد والفاسدين وهى تقول (كفى ظلما وفسادا وسرقة وقتلا) (محاربة اللصوص والمفسدين والمزورين مطلب جماهيرى) وغيرها

وإذا كانت جمعة الغضب قد أسقطت الحواجز الكونكريتية المانعة من الوصول إلى قصور المنطقة الخضراء الحاكمة وجبروتها وقد أجبرت المالكى على ماسمى بحزمة واستقالة البعض كمحافظ البصرة من حزب الدعوة واستهزائه بالجماهير ومقارنته لهم بعاهرات فرنسا، حيث أن الجماهير قالت موحدة بصوت عال (يا شلتاغ شيل إيدك هذا الشعب ما يريدك) وغيره لكنها أمور جزئية بسيطة فينبغى التحذير من الإلتفاف على المطالب لأنه يجعل الشباب أكثر تصميما وإصرارا، وإن الجمع اللاحقة سوف تجبرهم على ما هو أكبر وأعظم حيث تظهر الشرعية الحقيقية للأكثرية الصامتة المحرومة والمقهورة من الشباب وطاقاتهم وقدرتهم الحقيقية على التغيير فيما لم يستطع غيرهم من وعاظ السلاطين كما قال الشاعر العراقى الرصافى: (عبيد للأجانب لكنهم أسود على أبناء جلدتهم). وهكذا تسقط الأقنعة ويظهر المكشوف ويزهو الجوهر من الشباب الشرفاء فى القمة الشامخة لأنها تجاوزت المناورات السياسية والسياقات التقليدية والحراك الكلاسيكى، إلى صنع معادلة جديدة وواقع جميل يفرض شروطه وهو يقدم الشهداء الأطهار الأبرار، من هنا يسمو شباب الإنتفاضة على كل المرجعيات السياسية والدينية الموجودة فى الساحة لتحقيق حلمه وتطلعاته فى الكرامة والعدالة والعزة وجميع حقوقه