يغلب ظني، أن التحركات والتغييرات التي تعرفها بعض الأقطار العربية، تهم العالم العربي ككل، بكل شرائحه واهتماماته. ومن ذلك الكاتب والكتابة الأدبية اليوم: في معناها ووظيفتها. فالساحات في تقديري دوما تدفع إلى طرح علائق الأدب بالكاتب والواقع والقارىء. أولا، أن تكون كاتبا اليوم وهنا،يعني معاركة الأسئلة الحقيقية في الكتابة وبها. ومن هذه الأسئلة سؤال quot; الثورات quot; الحالية التي تلقن درسا بالغا وبليغا للأدب والكاتب العربي. لكي يبحث هذا الأخير عن تواصل ظل و يظل معطوبا.

لكن هذا لا يحجب عنا التراكمات الأدبية في مختلف الأشكال الإبداعية اللصيقة بروح الشعب والمصغية للنبض الداخلي، إنها بشكل من الأشكال تعمل في الوجدان والمخيال الجمعي. في هذا الخضم،هناك الكثير من المقطوعات الشعرية ( على سبيل التمثيل ) تتغنى بها الجموع الآن بكيفية عفوية للعديد من الشعراء ( الشابي، أمل دنقل، درويش، أحمد فؤاد نجم...)، مقطوعات غنية بشعريتها ورسالتها أيضا. لكن هذه الجموع لو أدركت أن الشعر والأدب في جوهره استنهاض وعدم مهادنة، لكن بلغة أدبية، لانفتحت على الأدب كسند رمزي. وفي المقابل، فالأمر يقتضي من الكاتب أن يعمق سؤال الواقع في الكتابة في اتجاه الإنسان، لأنه طاقة داخلية لا تنتهي.

كلما تدفقت الأمواج البشرية في الساحات، تتدفق بيانات المثقفين في حدود الوصف والتضامن دون فعالية تذكر. وهذا راجع في تقديري إلى المؤسسات الثقافية العربية الهشة والمفرغة والمخترقة، مؤسسات ثقافية تابعة ومقنعة، منشغلة بأصول البقاء دون امتدادات وتأطيرات مدنية، مؤسسات لا تلعب دور الوسيط الحقيقي بين الكتاب والناس. وكثيرة هي المؤسسات والوسائط العربية المختلة التي لا توصل الكاتب إلى المجتمع إلا بشكل مبتور. هذا جانب،ومن جانب آخر فالكاتب يكتب قصة أو قصيدة.. وكفى، أي لا يدلي بالرأي في القضايا الشائكة للحياة والوجود. ويالتالي يبحث عن قصة أوقصيدة عصماء تقفز علوا دون مظلات. الشيء الذي يضاعف من غربة المبدع والمثقف.

بهذا التوصيف، فالمثقفون متعددون، منهم الفاعل بالطرح والرؤية، ومنهم المتواري، ومنهم التائه في دهاليز السلطة. على العموم، فالكثير من التحركات السياسية أو العفوية تبقى بدون خلفية ثقافية ؛ لأن المثقف العربي لا يلعب دوره التنويري والطليعي الحقيقي. الشيء الذي يسقط هذا المثقف في انتظارية قاتلة،وبدوره يبقى معرضا للثأتر. وهي دعوة لإعادة النظر في الأدوات والوسائط وخلق سجال دينامي وحركي، يشارك فيه الناس في تفاعل متكامل لكل حلقات المجتمع.

أظن أن دوري في هذا الدور المركب، ليس بالمعنى المباشر من خلال كتابة على صلة بالواقع والأفق، ولكن أعتبرالدور الجماعي ( في الرأي ) أجدى. ولا يتأتى هذا الأخير دون إعادة النظر في الأسئلة القديمة الجديدة: سؤال المؤسسة الثقافية العربية التي ينبغي دمقرطتها،حتى يتم نحر فكرة الرئاسة والأوهام، لتجديد دم سؤال المثقف العربي والتحديات.

ولا تفوتني هذه الورقة دون تقديم ملاحظة أساسية وهي أن التواجد كتابة في قلب المجتمع، لا يعني فقدان الكتابة لشعريتها ؛ ولكن ينبغي صيانة ضوابط وشعرية الكتابة في سعي دؤوب لتوضيح حقيقة الأدب للناس، حقيقة تقيم بين الوجدان والمخيال. وفي هذا السياق، أظن أن الكتابة تدخل في التراكمات المحفزة.طبعا، وبكل موضوعية، قد يصيبنا نوع من الخجل من أدوارنا المعطوبة والمتناقضة أحيانا،لأن لا مؤسسة ثقافية حقيقية تسندنا ولا إعلام حر ومستقل.. ولا.. ولا.. وبالتالي إذا لم يدخل المثقف لكل بيت عربي، يبقى دوره جزئيا وهامشيا.

أتمنى أن تدفعنا هذه التحركات في العالم العربي إلى استيعاب الدروس، لكي تكون الكتابة غير مفارقة للمصير الفردي والجماعي في أبعاده العدة، ومنها البعد الإنساني.

شاعر وكاتب من المغرب