يحاول البعض عن جهل أو عن عمد اختزال مفهوم الديمقراطية في صندوق الانتخاب، بل يتبجحون ويسألوننا أليست الديمقراطية هي حكم الأغلبية ويتجاهلون الشق الثاني من تعريف الديمقراطية وهو علي أن تحافظ الأغلبية علي حقوق الأقليات، والحقيقة أن صندوق الانتخابات هو صورة من صور التعبير عن الديمقراطية وليس هو الديمقراطية في حد ذاتها، فهو لا يعدو كونه أحد مراحلها.

فالديمقراطية الحقيقية لا تقتصر علي صندوق الانتخابات بل تمتد لتشمل كل مراحل الممارسة السياسية من بداية حرية تكوين الأحزاب لحرية الترشح للانتخابات و سير العملية الانتخابية والدعاية للمرشحين مرورا بالصندوق ثم فرز الأصوات نهاية بإعلان النتائج.

وتتوقف الديمقراطية علي عاملين الأول هو ثقافة الناخبين أنفسهم، فإذا كان الفيصل في عملية الاختيار هو البرنامج الانتخابي للحزب وثقة الناخبين في الحزب والمرشح تكون العملية الانتخابية ديمقراطية، أما إذا كان جنس المرشح أو دينه أو لونه أو انتمائه القبلي هو الفيصل في عملية الانتخاب فهذا لا يمت للديمقراطية بأي صلة.

العامل الثاني هو كيفية سير العملية الانتخابية من تساوي حقوق المرشحين في الدعاية والظهور في وسائل الإعلام، مع تحديد مبلغ معين لا يتجاوزه المرشح في دعايته الانتخابية، أما ما اعتدنا عليه في بلادنا العزيزة من شراء أصوات الناخبين وسيطرة المال علي العملية الانتخابية واستعانة المرشحين بالبلطجية والمسجلين خطر واستخدام العنف وترهيب الناخبين فهذا أيضا لا يمت للديمقراطية بشئ. كما أن استخدام الدين في العملية الانتخابية هو صورة من صور العنصرية التي تعصف بالديمقراطية.

ثم تأتي مرحلة ما قبل الصندوق وهي كشوف الناخبين التي قد تهدم أيضا الديمقراطية برمتها، كإضافة وحذف بعض الأسماء من الكشوف، لهذا يجب أن تتم عملية القيد وفقا لقواعد عادلة تسري علي الجميع وتسهل من إدلاء الناخبين بأصواتهم، وهذه المرحلة ربما تكون أهم من الصندوق ذاته. ثم تأتي مرحلة الفرز ومدي عدالة القائمين عليها ثم الإعلان عن نتيجة الفرز.

في انتخابات سنة 2005 سمعت الرئيس المخلوع مبارك يقول للجماهير quot; من يعرض عليكم فلوس خدوها منهquot; تعجبت من مثل هذا القول من رأس النظام المصري، وفكرت لو عُرف عن مرشح ما في الدول الغربية أنه يقوم بشراء الأصوات ماذا سيكون مصيره، وأي ديمقراطية ممكن أن يفرزها صندوق الانتخابات عندما يكون المرشح قد دفع ثمن الصوت الذي أيده؟

كما أن انتشار العنف في الانتخابات لا يقل خطورة عن سلاح المال، فسلاح المال يجلب البطون الجائعة، أما العنف فيبعد الطبقة المتوسطة والمثقفة عن العملية الانتخابية برمتها ويصبح الفائزون وكأنهم يمثلون حفنة من الجهلاء والمرتزقة.

نعم نرضي بصندوق الانتخابات فيصل وحكم ولكن نريد وضع ضوابط للعملية الانتخابية، نريد قوانين صارمة تطبق علي كل المرشحين تبطل عضوية كل من يثبت أنه أشتري أصوات الناخبين وكل من جند أشخاص لارتكاب أعمال عنف أو شغب أثناء سير العملية الانتحابية، وكل من ثبت أنه تجاوز في دعايته الانتخابية المبلغ المسموح به، الأهم من ذلك نريد ضوابط علي أعضاء المجالس المحلية والتشريعية تمنعهم من استخدام عضويتهم بالمجلس في تحقيق مصالح لهم ولذويهم، فليس من المعقول أن يكون دخل عضو مجلس الشعب المعلن بضع ألاف شهريا ويكون مجمل ما أنفقة في الدعاية الانتخابية ملايين الجنيهات التي قدرت سنة 2005 بحوالي خمسة مليون لكل مرشح فأصبحت المجالس النيابية مكونة من أصحاب الكروش وخلت من أصحاب العقول، أن لا تترك عملية فصل العضو للمجلس النيابي بموافقة ثلثي الأعضاء كما هو معمول به بل توكل المهمة لمحكمة القضاء الإداري، لو تحققت هذه الظروف في سير العملية الانتخابية سيكون لكم الحق بالتشدق بصندوق الانتخابات، أما صندوق الانتخابات بالوضع الحالي فهو أشبه بنعش توضع فيه الديمقراطية لتحمل وتدفن في مثواها الأخير التي هي مجالسكم النيابية.