يبدو أن عداءنا المستفحل للغرب بسبب إزدواجية معاملته لدول المنطقة العربيه.. تجعلنا نرى الغرب بعين واحدة.. ولكن هذه المرحلة الحرجة من حياة الشعوب العربية تقتضي منا وخاصة الكتاب وأصحاب الرأي ليس فقط الموضوعية.. ولكن والأهم صدق النوايا لإيصال رسالة تخدم مصلحة الإنسان العربي وتبصره بما حوله وبمسؤوليته عن نفسه وأيضا عما حوله.. للعيش بسلام مع نفسه ومع العالم من حوله وهو الطريق الوحيد لتحقيق طموحاته وإسترداد حقوقه..

مسؤولية الكلمه في هذه اللحظات الحرجه من التاريخ العربي.. تقتضي منا الكتابه محاولين تأهيل الإنسان العربي لتفهم معنى السلام وثقافة السلام التي تبني البنيه التحتيه لأسس الديمقراطية والتي تقوم على الحرية.. والعدالة والمساواة..

مسؤولية الكلمة تقتضي منا أن نحاول مد جسور التفاهم بينه وبين العالم من حوله ورؤية الغرب بحسناته وسيئاته كشريك لا بد منه في هذا العالم نستطيع الإستفادة من تجربته التاريخيه في معاناته مع حروب ضاريه جعلته يضع في أولى أولوياته التعهد بإنقاذ الأجيال من ويلات الحروب..وصيانة الأمن والسلم الدوليين..

كتب أحد الصحفيين المرموقين العرب بأن الغرب الذي هو سبب معاناتنا لا يريد لنا ديمقراطية ولا حياة كريمة؟؟ وأن الغرب يسعى دائما لإضعاف الدول العربية عسكريا حتى تظل إسرائيل قوية ومتجبرة...

وأنه يريد من الأنظمة العربية ان تكون حارسة لمصالحه ومطيعه..

لا أحد يستطيع إنكار أن على الغرب مسؤولية كبيرة في معاناة الشعوب العربية على مدى سنوات تفوق الخمسون.. وأن تقسيمه للمنطقة العربية أحد أسباب شرذمتها إلى دول ودويلات.. ولكن هذا الحكم يتضمن أيضا إنكارا تاما لمسؤوليتنا أيضا كشعوب.. وتسليمنا وإستسلامنا مرة أخرى لمفهوم الضحية وما ينتج عنه من عجز عن إستيعاب معنى المسؤولية...

الغرب مسؤول ولكن ثقافتنا أيضا يجب أن تتحمل شيئا من هذه المسؤولية.. ثقافتنا التي بنيت على تطويع الشعوب quot;quot;أطيعوا أولي الأمر منكم quot;quot; أعطت الحرية لحكام أستولت السلطة وشجع المال على نفوسهم... بحيث أصبح أي تطوير للمنطقة يتعارض مع مصالحهم وجشعهم..

ثقافتنا التي بنيت على التمييز بين المرأة والرجل.. والتمييز بين المرأة الحرة والأمة وتمجيد قاتل المرأة حماية لشرفة وعرضه.. هي أحد اسباب نظرة الغرب لدونية الشعوب العربية وخوفها من إنتقال هذه الثقافة إلى بلدانها عبر المهاجرون..

ثقافتنا التي روّجت وهللت للعمليات الإنتحارية سواء في إسرائيل أو في الغرب نفسه..هي التي بنت الحاجز الفولاذي بيننا وبين العالم بأجمعه..

إضافة إلى ما روّج له فقهاء الدين خلال السنوات العشروين الماضيه من تمييز المسلم عن غير المسلم.. ومن عدم الإعتراف بمواطنة الأقليات الموجودة بيننا..
الظروف الإقتصادية التعيسة هي ما جعلت المواطن العربي يقبل ويتقبل الفساد والإفساد.كما جاء على لسان المرحوم جاويد الغصين بأن عرفات كان يأمر بإحضار كيس يحتوي على 60 ألف دولار يوميا لكي يوزعها يوميا على هواه لمن يحظي بالتوافق مع أفكاره وأهوائه وهو ما أعتبره منتهى الإفساد....

يقول الكاتب.. الغرب يسعى دائما لإضعاف العرب عسكريا حتى تظل إسرائيل قوية ومتجبرة..
الضعف العربي ليس بسبب الضعف العسكري.. ولكن بسبب إنعدام القدرة على التمسك بمبادىء الكرامة التي سلبها الحكام من مواطنيهم.. إنعدام البنية التحتية الإنسانية لضمان لقمة عيش تحمية من التذلل لحكامه ومرؤسيه هو ما أهان الإنسان العربي.. وجعل العديد منه يتحمل أخطار الهرب إلى أية بقعه على الأرض.. حتى إلى إسرائيل في سبيل حياة كريمة.. (هناك نسبه غير ضئيله من المصريين والأردنيين.. وبعضهم تزوج بإسرائيليات وتنظر الدول العربية في أمر منح أبناؤهم الجنسيه ).

الغرب حافظ وسيحافظ دائما على التفوق العسكري لإسرائيل.. ليس بسبب الخوف من قوة الجانب العربي عسكريا، بل بسبب الخوف من شعاراتهم الرنانه والتي لم تحمل سوى إمتلاء فارغ بالنفس وبدون أي عقل او تعقّل..

إذا كان هناك من إحتجاج فيجب أن يوجه إلى الشعوب العربية خاصة في هذه المرحله الثوريه التي تمر بها المنطقه العربية.. لتبصيرهم بأن شراء وتكديس الأسلحه لن يكون صمام الأمان في المنطقة.. صمام الأمان الوحيد هو في التنمية الإنسانية التي تسمح بإيجاد فرص عمل لشعوب المنطقة كلها وهي وحدها التي ستكون صمام الأمان..
تبصيرهم بحقهم سؤال المسؤولين عن العمولات التي سرقوها من ثروتهم القومية.. وحق المواطن في عائداتها..

نعم الغرب يريد نفطهم.. ويجب الإعتراف بأن لا قيمة لهذا النفط إن لم يباع.. وبالأسعار العادلة لكلا الطرفين وأن العلاقه علاقة مصلحة تجارية متبادلة.. على أن تستعمل عائداته للتنمية المستدامة التي تكفل وظائف لشباب المنطقة العربية كلها بظروف وشروط عمل تتوافق مع المواثيق الدولية للإنسان..

ثم ينتقل ليقول بأن ما يريده الغرب اهم من النفط.. وهو إيقاف الهجرة غير الشرعية وإغلاق الحدود الليبية في وجه المهاجرين..

التقرير الوارد في إيلاف أن البنوك الأوروبية تمر بخطر أكبر مما يتصوره الناس.. تقرير يؤكد تعثّر الإقتصادات الأوروبية.. بما يعني إنعكاس ذلك على تردي أو نقص في الضمانات الإجتماعية والخدمات التي تقدمها هذه الدول لمواطنيها بما فيهم العديد من المهاجرين من أصول عربية.. وبما يعني إرتفاع نسبة البطالة بينهم والذين منهم أولادنا أيضا..

قبل سنوات وفي إحدى زياراتي للأرض المحتله سألني صديق.. أنتم تصرون على التطبيق الفعلي لحق العودة فهل ستعودين وأمثالك للإستثمار.. وأجبته أنا سأعود للزياره فقط. ولا أعتقد بعودة كبيرة لآخرين. أجابني وبمنتهى الحدّيه.. إذن سيعود كل فقراء الدول العربية الجائعين ليتنافسوا معنا على لقمة عيش نجدها بالكاد..
فهل سيكون الغرب قدّيسا ليعطي ما لا يستطيع نوفيره لمواطنيه؟؟
أما هجرة الليبيين فمعظمها يتجه إلى مصر.. والبعض الآخر الذي لجأ إلى بعض الدول الأوروبية جاءتهم تعليمات من المفوضية الأوروبية بالترحيب بهم وتقديم العون لهم..
نعم تأسيس الديمقراطية في العالم العربي سينتج فرص عمل تحد من الهجرة وهو ما سيتوافق مع الأجندة الغربية لحماية مجتمعاتها من الهجره.. وأن المرحله المقبله يجب إستثمارها في توعية الغرب بمصالحة التي ستحمى بالديمقراطية من الشعب أكثر من حمايتها في كنف حكام مستبدين وفاسدين.. تشجيع العالم العربي على مد جسور التفاهم مع الغرب والأخذ من تجاربه..

سيدي.. في هذه المرحلة الحرجة.. المنطقة العربية بحاجة ماسة لكتّاب عقلاء.. لغة التحريض المبطن ليست الطريق لتوعية المواطن.. لغة الشعارات العمياء لن تحقق له الأمن النفسي الذي هو بحاجة ماسة إليه ليستطيع إستيعاب معنى ومفهوم ثقافة السلام.. مشكلة العنف وغياب ثقافة التسامح والسلام من أهم المشاكل التي تواجه الإنسان العربي.. وأنا وأنت وكل الكتاب مسؤولون عن مساعدة الإنسان العربي وإخراجه من ثقافة الإفتتان بالكلمات الثورية وتأليه الأشخاص ومساعدته على عدم الإنجرار وراء خطاب ديني متطرف يلتفح بعباءة التقيه.. لأن مصلحته وتأمين مستقبل أولاده يكمن في تبني ثقافة السلام.. وهي ما سيخدم مصلحته أولا وأخيرآ..

أحلام أكرم - كاتبه وباحثة في حقوق الإنسان